الأربعاء 2023/05/17

آخر تحديث: 14:26 (بيروت)

عقلية ثأرية بوزارة التربية: إلزام الأساتذة بتوقيع صكوك الغفران

الأربعاء 2023/05/17
عقلية ثأرية بوزارة التربية: إلزام الأساتذة بتوقيع صكوك الغفران
رفض المدراء دخول الأساتذة إلى الصفوف قبل توقيع تعهد خطي بعدم الامتناع عن التعليم مستقبلاً (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
منذ أيام تتوالى شكاوى الأساتذة إلى "المدن" حول الإجراءات التعسفية التي تقوم بها بعض إدارات الثانويات الرسمية ومديرية التعليم الثانوي في وزارة التربية. وقد وصلت الأمور حد إذلال الأساتذة من دون أي سند قانوني، ومن خلال ممارسات اعتباطية تنم عن عقلية ثأرية كيدية، يقوم بها دارسو المناطق بالتواطؤ مع مديرية التعليم الثانوي.

تعهدات لوأد التمرد
وشرح أساتذة لـ"المدن" أنه بعد عودة غالبية الأساتذة إلى التعليم منذ مطلع الشهر الحالي، قرر العديد من الأساتذة الناشطين نقابياً، العودة إلى التعليم مطلع الأسبوع الحالي لدوافع أخلاقية. لكنهم تفاجأوا بعدم السماح لهم بالدخول إلى الصفوف لتعليم الطلاب. وأبلغهم المدراء أنه عليهم التوجه إلى وزارة التربية لتوقيع تعهد خطي بعدم الامتناع عن التعليم مستقبلاً، كي يعفى عنهم ويسمح لهم بالدخول إلى الصفوف.
الدكتور بالقانون الإداري والمفتش السابق في التفتيش المركزي، وفيق ريحان، أكد أن هذه الإجراءات لا علاقة لها بقانون الموظفين، ولا يمكن وضعها إلا بإطار "البدعة"، هدفها ترهيب الأساتذة حالياً ووأد تمردهم مستقبلاً. ورغم حرصه على ضرورة انتظام عمل الإدارة وتقديم الأساتذة المزيد من التضحية لتعليم الطلاب، يعتبر أن هذه التدابير التي تقوم بها الوزارة لا تعبر عن الظروف الاستثنائية المتعلقة بعيش الأساتذة. بمعنى آخر، هي وفي حال كانت تمارس بقرار من وزير التربية، عبارة عن تدبير بلا أي قيمة قانونية. بل لها قيمة معنوية لتخويف المتمردين. ويشبّه ريحان الأمر بالتعهدات التي طلبها العدو الإسرائيلي منه ومن زملائه المعتقلين عندما تم إخراجهم من السجن. إذ طلب منهم التوقيع على تعهد بعدم مقاومة الاحتلال. وعندما خرجوا من السجن عادوا إلى المقاومة من جديد.

تحويل المدير إلى مخبر
إلى كتابة التعهد أو "صكوك الغفران" لتأدية الطاعة وحرمان الأساتذة من حقوقهم المكرسة بالمواثيق الدولية، وصلت إلى مدراء ثانويات تبليغات من وزارة التربية لتسليمهم لوائح بالأساتذة "الأكثر تأثيراً" في الثانوية في التحريض على الامتناع عن التعليم، للاقتصاص منهم. وفيما تجاوب مدراء مع هذا المطلب فضل مدراء آخرون كتابة أسماء جميع الممتنعين، وذلك لتجنيب أساتذة محددين من علميات الثأر والانتقام الحاصلة حالياً. فدارسو المناطق حددوا أسماء أساتذة معيّنين ويريدون الانتقام منهم.
وفي هذا الصدد أكد أحد المدراء أن كل هذه الممارسات كيدية وغير قانونية، وتحول المدير إلى مخبر وكاتب تقارير. والمسؤولية تقع على عاتق المدير غير الملم بالقانون ولا يعرف كيف يضع حداً للتجاوزات. فقد سبق وطلبت الوزارة أسماء الممتنعين وأرسلها المدراء، لكن لا يجوز وصول الأمر إلى حد "التبليغ عن الأكثر تأثيراً"، للتشفي بهم.
وإذ يؤكد هذا المدير على أن الأساتذة الممتنعين أخطأوا بمواصلة الإضراب بلا أي أفق، شدد على أن المسؤولية تقع على عاتق وزارة التربية، التي كان عليها تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم للأساتذة. وبما أن الوزارة لم تؤمن لهم إلا الوعود، كان عليها الاعتصام بالصمت، لا الطلب من الأساتذة توقيع تعهدات غير قانونية، هدفها إلحاق المزيد من الأذى النفسي والإذلال. فهي أشبه بتوقيع الأستاذ على تعهد بالانتحار في حال لم تقدم وزارة التربية على وضع حلول للأزمة الوجودية في قطاع التربية.

الأساتذة ظلموا أنفسهم والطلاب
النقابي في لجنة انتفاضة الكرامة، صادق الحجيري، لفت إلى أن العودة إلى التعليم في آخر أسبوعين من العام الدراسي لا معنى تربوياً لها، طالما أن الطلاب لم يتعلموا إلا شهر ونصف الشهر في الفصل الأول. بل هي مضرة بمصلحة الطلاب أولاً، لأن وزارة التربية ستستخدمها لإنهاء العام الدراسي عوضاً عن تعليقه. فلو كان همّ الوزارة تربوياً لكان عليها دمج العام الدراسي الحالي بالعام المقبل، كي لا يضيع عام دراسي كامل على الطلاب. أي كما حصل في سنة 1975 عقب اندلاع الحرب الأهلية. حينها دمج عامين دراسيين بعام واحد وخصص الفصل الأول للعام الدراسي 1975 والفصل الثاني للعام 1976.
وأضاف الحجيري: أتفهم تعرض الأساتذة للضغوط التي نتعرض لها. لكن ما حصل أن الأساتذة الذين عادوا في آخر أسبوعين من العام الدراسي ظلموا أنفسهم قبل الطلاب. ظلموا أنفسهم لأن الوزارة باتت تستسهل الفتك بهم وبزملائهم الممتنعين عن التعليم. وظلموا الطلاب لأنهم لم يتعلموا. فوزارة التربية تعتبر أن "التعليم ماشي" أمام الرأي العام، لتبرر إجراء امتحانات رسمية، ولن تعوض على الطلاب إلا من خلال مدارس صيفية مشكوك فيها.
وشرح الحجيري أن وزارة التربية قلصت المناهج لصفوف الشهادات، وأبقتها كما هي للصفوف الانتقالية، لأنها مصرة على امتحانات رسمية شكلية. لكن هناك أسئلة برسم معالي الوزير عباس الحلبي: ماذا عن باقي الصفوف؟ أين حق الطلاب بالعلم؟ فهؤلاء الطلاب لم يتعلموا ربع المناهج. فهل يجوز أن يرفعوا إلى الصفوف الأعلى؟ وقبل ذلك، كيف لطالب لم يتعلم منذ بداية العام أن يكمل العام الدراسي بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع غير كافية لمراجعة بعض كفايات الفصل الأول؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها