السبت 2023/05/13

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

"أجهزة" وزارة التربية تبطش بالأساتذة: حسم رواتب واستدعاءات للتحقيق

السبت 2023/05/13
"أجهزة" وزارة التربية تبطش بالأساتذة: حسم رواتب واستدعاءات للتحقيق
دارسو المناطق تحولوا إلى جهاز أمني لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي للأساتذة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
ربما أخطأ أستاذ الفلسفة في ثانوية قانا الرسمية فراس الحريري في العودة إلى التعليم في وقت ما زال أكثر من 500 أستاذ من زملائه ممتنعون عن التعليم. فالحريري، الذي نشط في لجنة انتفاضة الكرامة، رأى أن الجو العام للأساتذة يريد العودة إلى التعليم وانهاء ما تبقى من العام الدراسي. وبالتالي لا يجوز الاستمرار في الإضراب طالما أن رأي الأغلبية هو "كسر الشر" مع وزارة التربية والعودة إلى الصفوف. فضل الامتثال إلى سقراط (الذي يدرّسه لطلابه منذ أكثر من 15 سنة) وتجرّع كأس السم. عاد إلى التعليم رغم أن قناعته بأن الإضراب هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق مطالبهم. فنال الحريري الانتقادات من زملائه الممتنعين عن التعليم، وكان نصيبه أن وزارة التربية أصدرت بحقه عقوبة حسم الراتب، كما تبلغ يوم أمس الخميس في 11 أيار.

تبليغ ملتبس
ما تعرض له الحريري ليس حادثة فردية. هو تجرأ ونشر ما حدث معه، لكن هناك العديد من الأساتذة وردت أسماؤهم في قرارات مماثلة. فمنذ مدة تنشغل وزارة التربية بتسطير محاضر استدعاءات بحق الأساتذة الممتنعين عن التعليم طالبة منهم الحضور إلى الوزارة. منهم من "كسر الشر" ولبى الاستدعاء ومنهم من رد بكتاب رسمي يطلب من المستدعي الحضور إلى الثانوية، نظراً لكلفة الانتقال. ففي حالة الحريري، كلفة الانتقال من وإلى صور، حيث يُعلّم، تتجاوز المليوني ليرة، أي أكثر من أساس راتبه. ويفترض بوزارة التربية تكليف "الأجهزة" التي تسطّر محاضر الاستدعاء الذهاب أقله إلى الثانويات، لا العكس، أو الاكتفاء بتحقيقات عن بعد.

في التفاصيل، استدعي الحريري بتاريخ 9 أيار إلى وزارة التربية بكتاب غير موقع من مدير التعليم الثانوي خالد الفايد للتحقيق معه على ما نشره على وسائل التواصل الاجتماعي. فرد هو بكتاب خطي يعتذر فيه عن الحضور شخصياً، مبدياً استعداده الإجابة خطياً عن كل الأسئلة، نظراً لارتفاع كلفة الانتقال إلى مبنى الوزارة. لكن في العاشر من أيار، أي بعد يوم على الاستدعاء، صدر قرار موقع من مدير التعليم الثانوي خالد الفايد بحسم راتب الحريري. وتعليل القرار كان أن الحريري متغيب عن العمل في الثانويتين التي يعلّم فيهما في صور، أي ثانوية قانا، حيث هو معيّن، وثانوية عين بعال حيث هو مكلف باستكمال النصاب القانوني للدوام الرسمي.

دور مدير التعليم الثانوي
وهنا يطرح سؤال: هل صدر القرار بموافقة الفايد، طالما أنه موقع منه، أم أن الفايد أجبر على التوقيع؟ فوفق مصادر مطلعة يصر البعض في وزارة التربية على معاقبة الأساتذة الذين نشطوا في الانتفاضة كي يكونوا عبرة لزملائهم، وكي لا يعاودوا الكرّة العام الدراسي المقبل. لكن الفايد لا يوافقهم الرأي خصوصاً أن القطاع العام كله مضرب عن العمل، وهناك آلاف الموظفين لا يحضرون إلى الدوام، ولم تتخذ بحقهم أي إجراءات.

لكن في المقابل لا يمكن معاقبة الأستاذ من دون موافقة الفايد الذي يعتبر الرئيس المباشر لأساتذة التعليم الثانوي. وتوقيعه وارد على قرار ينزل فيه عقوبة بزميل له في الفئة الوظيفية عينها، أي يفترض أن معاناتهم واحدة. إلا إذا كان الفايد قد نسي أنه أستاذ بالتعليم ثانوي ومكلف بمهام مدير التعليم الثانوي، ويفترض أنه يعيش معاناة الأستاذة نفسها. لكن يبدو أن مدير التعليم الثانوي منشغل جداً ولا وقت لديه للرد على أسئلة الصحافيين. فمنذ مدة تحاول "المدن" معرفة توجهات وخطة وزارة التربية حول عدم تعلم مئات الطلاب في طرابلس سيشاركون في الامتحانات الرسمية. ولا تلقى أي جواب. فعسى أن يكون الفايد منشغلاً لإنصاف هؤلاء الطلاب وليس في كتابة قرارات حسم رواتب بحق زملائه الأساتذة. فالمسألة لا تقتصر على حسم راتب الحريري فقط، بل هناك العديد من القرارات شملت الأساتذة المحالين إلى جهاز الإرشاد والتوجيه، وآخرين.

إجراءات تعسفية
ممارسات الوزارة تتزامن مع إصدار روابط المعلمين في التعليم الرسمي بياناً تحذيراً حول عدم تلقي الأساتذة الحوافز الموعودة والتلويح بالإضراب في نهاية شهر أيار. فرغم أن الروابط فكت الإضراب منذ مطلع آذار، والتلويح الحالي به لحفظ ماء الوجه، لم تصرف الوزارة الحوافز بعد. ما يعني أن الوزارة تريد من الأساتذة الذهاب إلى الصفوف بجيوب فارغة، وتحت تهديد البطش بهم.

ويجزم أساتذة كثر في حديث لـ"المدن" أن الإجراءات التي تقوم بها وزارة التربية تعسفية ولا تحترم عمل المؤسسات. فالأساتذة المكلفون بمهام توزيع الدروس والحصص في الأقضية (دارسو المناطق) تحولوا إلى جهاز تفتيش حل مكان التفتيش التربوي. فهؤلاء يطالبون مدراء الثانويات بإرسال جدول الحضور اليومي لمعاقبة الأساتذة الممتنعين عن التعليم، فيما هذه الصلاحيات من مهام التفتيش. ليس هذا فحسب بل يجرون وساطات مع الأساتذة للحضور ولو ليوم واحد لتعليم الطلاب. وتحولوا إلى جهاز أمني لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.

أجهزة قمعية
أحد المستدعين إلى الوزارة، وهو النقابي حسن مظلوم، يعتبر في حديث لـ"المدن" أن "موزعي الحصص" باتوا "بمثابة جهاز أمني يلاحقون الأساتذة حتى على وسائل التواصل الاجتماعي للتبليغ عنهم. ثم يقوم مكتب الشؤون القانونية، الذي تديره نجوى داغر، بالتحقيق مع الأساتذة بطرق ملتوية للإيقاع بهم. وقد تحوّل هذا المكتب إلى جهاز أمني شبيه بجهاز الغستابو الألماني، أو جهاز المخابرات السورية في البوريفاج، فلم يعد ينقصه إلا إخفاء الأساتذة قصراً في مستودعات وزارة التربية"!.

ويضيف أن "عقوبات حسم الرواتب طالت عدداً من الأساتذة وهناك لائحة طويلة، يترافق ذلك مع مسلسل كم الأفواه والترهيب. وهي تحصل بالتواطؤ مع ما تبقى من رابطة المكاتب التربوية للأحزاب، خصوصاً أن العقوبات تطال نقابيين يدافعون عن حقوقهم وحقوق زملائهم".

ويلفت مظلوم إلى أن ممارسات موزعي الحصص ومكتب الشؤون القانونية في وزارة التربية تخرق القانون والعمل الإداري. ففي حال تعرض أستاذ للوزارة أو لمسؤول فيها بالقدح والذم يوجد القضاء. وفي حال أخل بواجباته الوظيفية فيوجد التفتيش التربوي. لكن الوزارة ضربت القانون بعرض الحائط وباتت بمثابة جهاز أمني، تقوم بممارسات لا تمت إلى التربية بصلة. فمنذ انتهاء الحرب الأهلية لم يمر على وزارة التربية أي وزير لجأ إلى السياسات الحالية بكم الأفواه واستدعاء الأساتذة للتحقيق وممارسة شتى الضغوط التعسفية التي تحصل عبر موزعي الحصص، كما هو حاصل في عهد الوزير عباس الحلبي. فعن أي تربية يتحدثون؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها