الخميس 2023/03/30

آخر تحديث: 16:31 (بيروت)

وزير المالية أجَّل مجاعة السجناء مؤقتاً: جريمة الدولة متمادية

الخميس 2023/03/30
وزير المالية أجَّل مجاعة السجناء مؤقتاً: جريمة الدولة متمادية
السجناء يخسرون حقوقهم الإنسانية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يعكس واقع السجون اللبنانية الصورة الحقيقية والواقعية لانحلال الدولة. ولا تنحصر معاناة السجناء باكتظاظهم داخل الزنزانة الواحدة، أو بصعوبة حصولهم على الرعاية الطبية، أو بالأمراض المتفشية داخل سجنهم، بل بات أكثر من 9000 سجين مهدّدين بالجوع!

ففي الرابع والعشرين من آذار الجاري، أعلن متعهدو تقديم المواد الغذائية للسجون، في بيان لهم، أنهم سيتوقفون عن تسليم الطعام للسجون بدءاً من الرابع من نيسان المقبل، أي تاريخ انتهاء عقودهم. وذلك بعدما عجزت الدولة اللبنانية عن دفع ديونها المتراكمة منذ أكثر من سبعة أشهر.

الأمر الذي يعني أن خمس مؤسسات تجاريّة قررت عدم رغبتها بتجديد عقدها مع الدولة اللبنانية، وستمتنع عن تقديم المواد الغذائية لقوى الأمن الداخلي. فيما جرى تحميل وزارة المالية مسؤولية قرارهم، التي تتأخر عن تحويل السلفات لقوى الأمن الداخلي، لتتمكن من تغطية مستحقات هذه المؤسسات، التي توزع موادها الغذائية لسجون زحلة وطرابلس ورومية.

ونظراً لحساسية هذا القرار الذي من شأنه تهديد حياة السجناء بشكل مباشر، ونتيجة الجدل الكبير الذي أحدثه بيان المؤسسات، وافق وزير المال، يوسف الخليل صباح اليوم الخميس، 30 آذار، على تحويل سلفة لقوى الأمن الداخلي، لتسديد جزء من الديون المتراكمة لدى المؤسسات التجارية.

أزمة مستمرة
بشكل يومي يسلّم التجار الدولة اللبنانية موادهم الغذائية اللازمة لطعام المساجين المؤلفة من لحوم، حبوب، خضار، فواكهة وخبز. وفي حديث "المدن" مع أحد المتعهدين، أوضح أن قرارهم أتى بعد معاناة طويلة مع الدولة اللبنانية، حينما تخلفت الأخيرة عن دفع المستحقات الشهرية منذ حوالى سبعة أشهر، حتى تراكم المبلغ ووصلت الديون إلى 100 مليار ليرة. وتابع التاجر، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، "إن وزير المالية يتحمل مسؤولية قرارنا، وبالرغم من موافقته على تحويل السلفات لقوى الأمن الداخلي، إلا أن هذا الأمر ليس كافياً والأزمة لن تنتهي، فهذا التحويل يقضي بدفع 30 مليار فقط من أصل 100 مليار". وقال: "الدولة اللبنانية تحاول اليوم الضغط علينا للرجوع عن قرارنا. ولكننا لا نعلم ماذا سنفعل، وسنعقد اليوم اجتماعاً لنعلن خيارنا الأخير".

تراكمت الديون على الدولة اللبنانية نتيجة الأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى انهيار العملة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، ما أدى إلى اعتماد الدولار كعملة أساسية في السوق التجارية. وهنا تكمن المشكلة الأساسية، طالما أن المؤسسات التجارية تشتري المواد الغذائية بالدولار الأميركي، لتعود وتحصل على هذا المبلغ بالليرة اللبنانية من قبل الدولة اللبنانية.

وهنا شرح المتعهد تفاصيل أزمتهم قائلاً: "نحن في حالة انهيار مخيف ومؤسساتنا في خطر دائم. فالديون التي بلغت 100 مليار ليرة كانت تساوي 500 ألف دولار أميركي، فيما اليوم لا تكاد تبلغ 100 ألف دولار أميركي".

وجبات معينة
في السياق نفسه، أكد مصدر أمني لـ"المدن" أن هذه الأزمة مستمرة ولن تنتهي. فالدولة عاجزة عن تأمين هذه التكاليف بشكل شهري بسبب انهيار مؤسساتها، في المقابل فإن أغلب السجناء لا يرغبون بالأطعمة التي نقدمها لهم، بل يفضلون تلك التي تحضرها عائلاتهم، ولكن لا خوف على الأمن الغذائي للمساجين، ولو قررت بعض المؤسسات التجارية التوقف عن تعاملها مع الدولة اللبنانية، فحينها ستقدم المنظمات غير الحكومية هبات خاصة أو تحدد ميزانية لهذا الملف، وستتدخل أيضاً الوزارات المعنية كوزارة العدل. 

لا شك أن الأزمة انعكست بشكل مباشرعلى نوعية وجبات غذاء المساجين، وهنا يشرح مصدر أمني لـ"المدن" بأن الوجبات الغذائية في معظم الأوقات خالية من اللحم أو الدجاج، ويطهى الأرز من دون الشعيرية. فعلى سبيل المثال الفاصوليا خالية من اللحم، ولا تقدم الفاكهة دائماً، ويبقى فقط الخبز يوزع بشكل يومي على المساجين. لذا، السجناء لا يرغبون بتناول الأصناف التي تقدم، وباتوا يتناولون الأطعمة من بعضهم بعضاً تحت عنوان "السجين المقتدر مادياً يُطعم السجين الفقير".

مسؤولية واحدة!
في السياق نفسه، رأت المديرة التنفيذية لمركز "ريستارت"، المعني بتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، سوزان جبور، أن هذا الأمر يشكل خطراً كبيراً على أكثر من 9000 سجين، وإن التكلفة التي ستتكبدها الدولة اللبنانية جراء انقطاع الأطعمة ستكون أصعب وأكبر من الكلفة التي ستدفعها لتأمين مأكولاتهم.

وهنا اعتبرت جبور أن الميزانية التي تملكها "ريستارت" لتأمين الأمن الغذائي للسجناء ليست ضخمة، ولا تشمل احتياجات جميع السجناء. وقالت: "من الصعب جداً إقناع الجهات الممولة بأننا بحاجة لميزانية للأمن الغذائي، فهم يعتبرون أن الطعام والشراب من البديهيات التي يجب أن تتوفر لأي سجين!".

وأيضاً طالبت جبور الدولة اللبنانية بالتحلي بالحكمة واتخاذ القرار السريع والمناسب لحل هذه الأزمة، فلا يمكن لأي منظمة غير حكومية أن تحل محل الدولة اللبنانية وتسعى لتأمين الأطعمة للسجناء: "إن هذا الدور خصص للدولة التي يجب أن تتحمل هذه المسؤولية، والسجناء يعانون من أزمات لا تعد ولا تحصى، تبدأ بصعوبة حصولهم على الرعاية الصحية التي تقودهم أحياناً إلى حد الانتحار.. واليوم تنتهي بتهديدهم بغذائهم!".

حرمان السجناء من الوجبات الغذائية ليوم واحد فقط سيكون كفيلاً بنتائج كارثية ومرعبة داخل السجون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها