الخميس 2023/02/09

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

قبل الزلزال وبعده: الكارثة تنتظرنا بمئات المباني المتصدِّعة

الخميس 2023/02/09
قبل الزلزال وبعده: الكارثة تنتظرنا بمئات المباني المتصدِّعة
تجري عمليات مسح للمباني القديمة والآيلة للسقوط خصوصاً في طرابلس (الأرشيف، جنى الدهيبي)
increase حجم الخط decrease

حينما مرّ الخبر العاجل على شاشات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي، تحول المقيمون في لبنان فورًا من مرحلة الذهول واليقظة المشوشة إلى مرحلة الهلع والذعر العموميين. إذ لم يكن هؤلاء السّكان الذين استيقظوا بغتّةً على وقع الهزّة الأرضية المرتدة إثر الزلزالين اللذين ضربا جنوب شرق تركيا أولهما بقوة 7.8 على قياس ريختر، وتسببا بتدمير وخراب غالبية المناطق في جنوب تركيا وشماليّ سوريا، وراح ضحيتهما آلاف القتلى والجرحى على حدٍّ سواء، فجر الإثنين الماضي بتاريخ 6 شباط، يدركون وفي اللحظات الأولى من الصدمة، هول النكبة التّي خلفت بأعقابها مشاهد عنيفة ومأساوية. وباتت متابعة أخبار الزلزال والهزات الأرضية التّي أعقبته، الشغل الشاغل للمقيمين في لبنان أسوةً بجميع السكان على امتداد الشرق الأوسط والعالم. وتجدّد معها الحديث عن مدى مطابقة الأبنية اللبنانية باختلاف وظائفها لمعايير السّلامة العامة، معطوفةً على شواهد عدّة لفوضى العمران وهشاشة مقاومته للكوارث الطبيعية وأهمها الزلازل. ومع كل هزّة أرضية تضرب البلاد، يطلّ معها الجدل القديم، نافضًا عنه غبار التعتيم الإعلامي وشاقًا طريقه من بين ركام الإهمال والتحامل الرسمي، ليصبح الخبر الذي يثير الذعر ولا يمكن تدارك تداعياته بصورة فورية.

الزلزال والخبراء 
ما لبث أن تذكر اللبنانيون فور تداركهم الخبر، مشاهد لهزات أرضية وزلازل وقعت في لبنان وأحدثت دمارًا في مناطق عدّة والتّي امتدت بين عامي 1956 وحتّى عام 2009، ومع تدفق الأنباء والمعطيات، التّي أفادت عن خطر حدوث زلزال في لبنان وهو الواقع على خريطة الزلازل الطبيعية في العالم.. شهدت المناطق اللبنانية باختلافها وخصوصاً في ضواحي بيروت وطرابلس والبقاع الشمالي حالة ذعر عامة يعيشها المواطنون المتخوفون من الزلزال أو حصول تسونامي في البحر وغيرها. وفيما تباينت آراء الخبراء والرسميين، الذين تسابقوا على إثارة ذعر الناس تارةً وطمأنتهم تارةً أخرى، أجمع المواطنون ومنذ اللحظات الأولى التّي استشعروا فيها بخطر مرتقب، أي عند بلوغ الهزات الأرضية أوجها فجر الإثنين وما تبعها من هزات ارتدادية، بضرورة تدارك الموقف وحماية أنفسهم من الكارثة العتيدة.

وبينما لا ينفك الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن وسائل الإعلام المحلية والعالمية، من تداول آخر أخبار الزلزال والآثار التّي خلفها في مناطق الجنوب التركي وشماليّ سوريا، وما أعقبه من هزات ارتدادية في لبنان وسوريا وشمالي البحر الأحمر إجمالاً، تكثف الاهتمام العام بهذه الكارثة الطبيعية بصورة استثنائية في لبنان خصوصاً، بعد أن أشار عدد من الخبراء الجيولوجيين وعلماء الزلازل علانيةً، أن الهزّة الأرضية التّي وقعت في لبنان قد تؤشر لتزايد لافت في النشاط الزلزالي على الفوالق الرئيسية الموجودة فيه، مما يعني حدوث زلازل وهزات جديدة صادرة عنه.

و لذلك، تواصلت "المدن" مع الأستاذ المحاضر في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركية في بيروت، الباحث طوني نمر، والذي برز اسمه منذ اليوم الأول من الكارثة المستجدة في لبنان، لجهة كونه قد أشاع جوًا من الطمأنينة المسندة بالحقائق العلمية، للاستفسار عن هذا الموضوع، وأشار نمر قائلاً: "لا شكّ أن الزلازل التّي حدثت في تركيا قد بلغت ارتداداتها إلى لبنان نسبةً لاتصال الفالق الموجود في جنوب شرق تركيا بفالق البحر الميت الذي يمرّ بلبنان، وأعيد كما قلت في السّابق، أن ما حدث في تركيا لا يعني أنه سيحرك الزلازل في لبنان، التّي عاجلاً أم آجلاً قد تتحرك، ولا يمكن تكهن توقيت حدوثها تفصيلاً بواسطة تنبؤات غير مسندة علميًا". وأضاف: "على اللبنانيين معرفة أن لا حركة مستجدة أو خطرة وقعت بالفوالق الموجودة في لبنان منذ حدوث زلزال جنوب تركيا، الذي يقع على نقطة تلاقي فوالق عدّة، والهزات الأرضية الحالية في لبنان هي صحيّة وطبيعية. نتفهم أن الناس قلقون على أبنيتهم المتصدعة، وقد تتسبب هذه الهزات فعلاً بتصدع أو بانهيار بعضها، وعليهم توخي الحذر. لكن إجمالاً هناك مبالغات عدّة تتعلق بخطر تسونامي أو تحرك فوالق معينة في لبنان. لذلك على الجميع التعاطي مع هذه الظاهرة الموجودة أساسًا في لبنان بصورة طبيعية أكثر".

تصدعات في الأبنية
وفي حين أشارت التقديرات إلى أن 85 في المئة من العائلات اللبنانية تقطن في أبنية شيّدت ما قبل الثمانينيات وتفتقر إلى الحدّ الأدنى من معايير السلامة.. ولما كان للهزة وقعها الملموس على الأبنية والعمارات السكنية وبعض المدارس الرسمية، ارتفعت بالتوازي بلاغات السّكان في مختلف المناطق وخصوصاً في طرابلس وبيروت، حول المباني المتصدعة والآيلة للسقوط، ذلك بعد أن شهدت المنطقتين وطرابلس تحديداً حوادث انهيار عدّة مبانٍ في السنوات الماضية، من جبل محسن وصولاً إلى القبة، التّي تختزن الغالبية السّاحقة من المباني المتصدعة، لتأتي الكارثة الطبيعية هذه وتقض مضاجع كثير من العائلات التي تعود لمواجهة الكابوس عند انهيار أي مبنى في لبنان.

ولما كان الضمان الوحيد لهم هو أنفسهم، قام غالبية السكان بترك منازلهم والنزوح إلى القرى، أو البقاء متجمهرين في مساحات مفتوحة أو في سياراتهم، كما شهدنا في كل من برج حمود ومنطقة الصالومي وأجزاء من الأشرفية وطرابلس في ظلّ عجز الدولة عن تقديم خطط عاجلة ولحظية، وتقاعسها المقيت عبر السنوات عن فرض حلول جذرية في هذا المضمار، بالرغم من معرفتها المسبقة بتداعياته. وقد تم إرسال فرق من المهندسين/ات عبر البلديات، بعد إصدار وزير الداخلية قراره، في مختلف المناطق، لكشوفات سريعة على المباني المبلغ عنها.  

بين بيروت وطرابلس
وفي هذا السّياق يشير الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية والمهندس مصباح رجب في حديثه مع "المدن" إلى كون الهلع عند المواطنين مفهوم ومبرر قائلاً: "إن خطر انهيار المباني في لبنان وخصوصاً في بعض المناطق بطرابلس وبيروت لا يرتبط بحدوث هزّة أم لا. إذ أن عدداً كبيراً من المباني مشيدة منذ أوائل القرن العشرين، وغياب الصيانة والمخالفات وانتشار البناء العشوائي قد أسهما بانتشار هذه الظاهرة. والهزة التّي ضربت لبنان واستمرت حوالى 40 ثانية قد أثرت على هذه الأبنية. وقد تم رصد تصدعات في البنى التحتية والإنشاءات. وهنا يجب التفريق بين نوعين من التصدعات: فالتّي تصيب الإنشاءات أي الأعمدة والجسور هي خطيرة ويستوجب إخلائها. أما التّي تنتج تشققات في الجدران، فهي أقل خطورة. لكن يجب معالجتها وترميمها فورًا".

وأضاف: "نحن متعودون على الهزات الأرضية في لبنان خصوصاً التّي تدوم بين 15 إلى 20 ثانية، لكن طول الهزة التّي وقعت فجر الإثنين جعل احتمال تصدع المباني أكبر. وقد تمّ التبليغ عن هذه الحالات في مختلف المناطق، وفي طرابلس خصوصًا، التّي تعاني من انتشار ظاهرة المباني الآيلة للسقوط، ولا تستوفي معايير السلامة العامة. أما في بيروت فغالبية المباني الواقعة في منطقتي الأشرفية ومحيط المرفأ، فقد تم ترميمها سابقًا بعد تفجير 4 آب، والتصدعات الخارجية التّي ظهرت فيها يمكن معالجتها. صحيح أن مجموعة من المهندسين/ات قاموا بكشوفات سريعة، لكن يجب علينا أخذ الحيطة والحذر حتّى في الوضع الطبيعي، وأن لا ننتظر حدوث هزات لصيانة المباني والكشف عليها".

على سيرتها الدائمة، أذعنت الدولة اللبنانية لهول الكارثة ووقفت متفرجة لا تحرك ساكنًا أمام صخب الهلع العام. وفي حين تتحرك مجموعات المجتمع المدني والجمعيات والدعوات البلدية والهندسية لإجراء عمليات مسح للمباني القديمة والآيلة للسقوط، في مبادرات لتدارك الأزمة، وتفادي سقوط ضحايا جراء الهزات الأرضية هذه.. يغيب الرسميون والمعنيون عن المشهد العام، مكتفين بالتمني والتأسف، الأمر الذي أكدّته محاولات "المدن" المتكررة للتواصل معهم، والتي أثبتت أنهم قطعًا لا يبطنون النية لإدارة الكارثة المحتملة. فيما تبقى الهشاشة السكانية محورًا يتجرح يوميات اللبنانيين قاضًا مضاجعهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها