السبت 2023/12/23

آخر تحديث: 11:52 (بيروت)

نازحو الجنوب: أيكفيهم العلاج النفسي للنكبات المتتالية؟

السبت 2023/12/23
نازحو الجنوب: أيكفيهم العلاج النفسي للنكبات المتتالية؟
46 بالمئة من الأطفال يعانون من القلق، و33 بالمئة منهم يصارعون الاكتئاب (Getty)
increase حجم الخط decrease

أشعلت النكبة المُستجدّة والمتمثلة بالنزوح الجماعي لسكّان الجنوب اللّبنانيّ جراء النزاع المُسلّح، أوار الحديث مُجدّدًا عن أزمة لبنان الأساسيّة، الأزمة البنيويّة التّي تآلف معها المواطنون قسرًا، وهي غياب "الدولة" كمفهوم وسلطة عن كل ما يجري، وتعطّل أدوراها الطبيعيّة لصالح عجزها وإفلاسها الدائم. اليوم، وبينما تُدمر تدريجيًّا موارد الجنوب الطبيعيّة والزراعيّة (راجع "المدن")، وتُستنزف آخر ما تبقى من طاقة أهاليه المُهجرين اضطرارًا، تنبثق الجهود الأهليّة والمدنيّة بمحدوديتها، لتدارك الأزمة مُتعدّدة الأوجه.

النازحون: أعداد وانتشار
حتّى حينه، تجاوز عدد النازحين السّبعين ألف شخص شخصًا (من 91 قريّة متضرّرة وخطرة، 50 منها مُهدّدة بشكلٍ مباشر)، موزعين على 10 مناطق، وخصوصًا في صور وصيدا والضاحيّة الجنوبيّة لبيروت وإقليم الخروب وصوفر وبحمدون وجبيل. وأشارت التقديرات إلى أن ما يقارب التسعين بالمئة من سكّان القرى التّي تقع مباشرةً على الخطّ الحدوديّ (كيلومتر واحد) غادروا قراهم، بينما تتراوح نسبة النازحين من القرى الواقعة على بعد كيلومترين إلى خمس كيلومترات على الخطّ الأزرق، بين 50 و60 بالمئة. وقد أفادت التّقارير الإنسانيّة عن أن الغالبيّة (48 بالمئة من النازحين) موزعة على امتداد قضائي صور والنبطيّة، بينما يعيش 1023 في دور إيواء جماعيّة، فيما هناك حوالى 12 مأوى، أربعة في صور، و7 في حاصبيا، وواحدٌ في البقاع.

الطوارئ النفسيّة
في آخر تقريرٍ نُشر لها، أشارت منظمة اليونيسيف UNICEF، أن كل من ظاهرتي الحرمان وانتفاء اليقين في المشهد اللّبنانيّ، يؤثران طرّديًّا على صحّة الأطفال النفسيّة، وخصوصًا في جنوب لبنان. إذ أفادت 46 بالمئة من الأسر أن أطفالها يشعرون بالقلق و29 بالمئة يعانون من الاكتئاب، بينما أبلغ الأهل في النبطيّة أن 46 بالمئة من الأطفال يعانون من القلق، و33 بالمئة منهم يصارعون الاكتئاب. وهذا الوضع وبالرغم من كونه لا يشي سوى بمعضلة مستحدثة تعمّق مظلوميّة أطفال لبنان، لكنه لا يتوقف وحسب على الأطفال، بل يشمل كذلك مختلف الفئات العمريّة للسكّان، الذين وضعوا قسرًا إزاء سيناريو حربٍ محتملة، فيما لا يزالون بصدّد التّعافي من "تروما" الحروب السّابقة فضلًا عن الأزمات التّي لحقتها.

وعليه برزّت المبادرات الإنسانيّة (التّي تقودها الهيئات الأمميّة والمنظمات غير الحكوميّة)، لنجدّة هؤلاء ولو على الصعيد النفسيّ الذي يلعب دورًا حاسمًا وأساسيًّا في أي خطّة طوارئ.

فمثّلًا قامت اليونيسيف بتوزيع اللّوازم المدرسيّة الأساسيّة وأدوات التعلّم الرقميّة وتقديم الدعم النّفسيّ للأطفال الذين نزحوا أو من أغلقت أبواب مدارسهم بسبب الاشتباكات، وإنشاء مساحات آمنة نفسيًّا داخل مراكز الإيواء، فضلًا عن إنشاء مجموعات شبابيّة في مراكز الإيواء لتمكين الشباب والشابات، وتزويدهم بهدفٍ وصوت خلال الأزمة الحاليّة، كل ذلك إلى جانب المساهمات العينيّة والماديّة التّي قدمتها المنظمة. فيما تشارك منظمة أطباء بلا حدود MSF وزارة الصحّة في خطتها للطوارئ والتأهب من خلال توفير رعاية الإصابات البالغة والتدريب على الإصابات الجماعيّة، فضلًا عن تواجدها الدائم في مركزين للرعايّة الصحيّة الأوليّة في النبطيّة لضمان استمرار الوصول إلى الرعايّة الصحيّة والنفسيّة للنازحين داخليًّا.

وبالتّوازي مع عشرات المبادرات الإنسانيّة التّي قامت بها اليونيسف وأطباء والمفوضيّة وغيرها، برزت العشرات أيضًا من المبادرات الأهليّة، وقوامها المجموعات الشبابيّة التّي تداعت فيما بينها وقرّرت التّواصل مع الأطباء والمعالجين النفسيين الذين قد يتطوعون لتقديم المشورات والخدمات الطبيّة النفسيّة بالمجان (pro-bono). فيما أخرى قرّرت التّوسع بنشاطاتها وتحديدًا تلك من التّابعية الفلسطينية التّي لها تواصل مع أهالي غزّة، معتمدة التّواصل مع الأطباء وإيصالهم بالأهالي في غزّة لتقديم المعالجة وذلك طبعًا بحسب وضع الانترنت. وقد تواصلت "المدن" مع عدّة مجموعات، إلا أن الأخيرة فضّلت عدم ذكر أسماء أفرادها، لاعتباراتٍ تتصل بالعمل الإنسانيّ وخصوصيته.

أوضاع النازحين
ومن خلال المتابعة المستمرة لأوضاع النازحين جنوبًا، علمت "المدن" ومن عدّة عاملين في مراكز الإيواء الإثني عشر التّي ينزل فيها قلّة قليلة (ألف فقط) من النازحين التّي أحصتهم غرفة إدارة الكوارث (40 ألفاً) أو بحسب الأعداد التّقديريّة (سبعون ألفاً)، أن النازحين غير المُسجلين في كل من قضاء صور والنبطيّة (فضلًا عن النازحين إلى باقي المحافظات وتحديدًا بيروت وجبل لبنان والشمال) لا يحصلون على أي مساعدات. كما ولم تشملهم أي خطط ومبادرات حكوميّة. وبالتّالي تُرك هؤلاء لمصيرهم، لتأمين البيوت لاستئجارها (وغالبًا من دون أثاث). أما وقد تحدثنا في تقريرٍ سابق عن أزمة التّدفئة في دور الإيواء (راجع "المدن")، فإن الأزمة تتفاقم لدى غالبية النازحين الذين تركوا من دون أدنى مقومات للعيش ولمواجهة التّدني التّدريجيّ في درجات الحرارة شتاءً، لتدبير أمورهم. ولحدّ اللحظة لا مبادرات واضحة لتقديم أي دعم أو تخفيضات في أسعار المحروقات لهؤلاء على الأقلّ.

هذا وقد لفت عاملون اجتماعيون لكون النّسوة الجنوبيات يعانين حاليًّا من فقر الدورة الشهريّة، أي عدم إمكانية هؤلاء في الوصول إلى المستلزمات الصحيّة والضروريّة لدورتهن الشهريّة، إذ عادت ظاهرة فوط القماش وشراء الفوط الرخيصة، خصوصًا عند النّسوة المفقرات اللواتيّ نزحن من منازلهن بغتةً. وهذا الأمر ينطبق على الحوامل اللواتي إلى جانب صعوبة وصولهن للمستلزمات الصحيّة والمناعيّة، فإن أعداداً منهن يخشين استمرار الوضع والاضطرار إلى التّوليد في ظروفٍ استشفائيّة سيئة؛ أما الأطفال حديثي الولادة فيعاني أهاليهم من الوصول إلى الحليب الصناعي الذي يحتاجونه. كل ذلك وناهيك بالأزمة الاستشفائيّة، حيث لا يحظى إلا جزءٌ من النازحين على الخدمات التّي تقدمها المنظمات والمشافي الحكوميّة، إذ يضطر العديد إلى بيع ممتلكاتهم للاستشفاء بدل أن توفر لهم السّلطات الرسميّة هذه البديهيات في ظلّ ما يعيشونه.

وإزاء كل ما ذًكر سابقًا، تنبثق أصوات، اعتبرت أن كل هذا كان يستوجب إجراءات استباقيّة تخاذلت عند إعدادها تاريخيًّا الحكومات المتعاقبة وتحديدًا بعد حرب تموز 2006، أكان بوضع خطط جانبيّة تُستعمل عند الحاجة مع احتياطات أو بناء ملاجئ في القرى الحدوديّة والداخل والمناطق المهدّدة، طالما أن النزاع بين الجانبين اللّبنانيّ والإسرائيليّ لا يزال قائمًا (علمًا أن الاحتلال قد بنى للمستوطنين ملاجئ شمال الأراضي المحتلة للغاية نفسها).

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها