الأربعاء 2023/01/18

آخر تحديث: 13:36 (بيروت)

الأساتذة يعتصمون "منقسمين" أمام السراي: الرمق الأخير للتعليم

الأربعاء 2023/01/18
الأساتذة يعتصمون "منقسمين" أمام السراي: الرمق الأخير للتعليم
الأساتذة: لا نستطيع أن نقوم "بالشحادة" ونعلم طلابنا "الشحادة" (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

في تمام الساعة العاشرة من صباح اليوم الأربعاء 18 كانون الثاني، في ساحة رياض الصلح، نظم عدد من الأساتذة تظاهرة مطلبية حاشدة، تزامنت وانعقاد جلسة لمجلس الوزراء بهيئة تصريف الأعمال، في السراي الحكومي. وكانت روابط التعليم الرسمي (مهني، ثانوي، أساسي) ورابطة الأساتذة المتعاقدين، فضلاً عن لجنة الأقضية/ أساتذة في التعليم الثانوي، قد وجهت سابقًا دعوة للاعتصام بتوقيت جلسة مجلس الوزراء، تصعيدًا واحتجاجًا على الأوضاع المزرية والأزمات المعيشية التّي يرزح تحتها أساتذة التعليم الرسمي من مثبتين ومتعاقدين ومتقاعدين ومُستعان بهم. وقد رفعت اللافتات التّي تحمل مطالب هؤلاء، وعلّت أصوات المحتجين الخائفين على مصيرهم ومصير التعليم الرسمي في لبنان، وذلك وسط جوّ من التوتر بين الجمعيات العمومية والروابط التعليمية، وصل حدّ التلاسن اللفظيّ الحادّ وتبادل التهم والتوبيخ والسخرية العلانية.

تظاهرة احتجاجية
وحضر رهط كبير من الأساتذة في التعليم الرسمي منذ بواكير الصباح الأولى. أما البقية فقد حضروا من مناطق مختلفة، مثل طرابلس والبقاع، للمطالبة بحقوقهم والتوعد باستئناف الإضراب المستمر منذ أسبوعين حتّى تحقيقها. وقد تنوعت المطالب التّي وجهها الأهالي لرئيس الحكومة ووزرائه بين تحسين الرواتب ورفع قيمتها وتحويلها إلى الدولار الأميركي، وتغطية الاستشفاء، وصولاً لإلحاحهم على إصدار مرسوم بدل النقل. وتحت مطلب الإنصاف وتدارك الوضع وحماية التعليم الرسمي من الانهيار التام، رفع المعتصمون، الذين انضم إلى صفوفهم عدد من الطلاب، لافتات كُتب عليها: "نحن وأساتذتنا ضحية جشعكم ومؤامراتكم. أنصفوا أساتذتنا"، "أعطني حقي.. أعطيك حقك"، "العيش الكريم حق للمعلم"، "تصحيح الرواتب والأجور حق مكتسب لكل معلم". كما أكدّ سابقًا رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد: "أن لا عودة إلى التعليم إذا لم نلمس حدّاً أدنى من تحسين أوضاعنا، والـ95 ألف ليرة لا تكفي كلفة انتقال إلى المدرسة، والأستاذ لا يمكنه الدخول إلى المستشفى ولذلك نريد حلول".

هذا فيما بدأ موظفو وزارة التربية والتعليم العالي إضرابًا شاملاً اليوم الأربعاء، يستمر إلى 27 كانون الثاني الجاري، وذلك مع إقفال أبواب الوزارة والمناطق التربوية وامتناع الموظفين عن الحضور. وقد علق هؤلاء الموظفون اللافتات المعلنة للإضراب على أبواب الوزارة والمناطق التربوية. هذا فيما تحدث عدد من الأساتذة والمعلمين/ات ممثلين عن الجمعيات العمومية والروابط، وتوجهوا لمجلس الوزراء المنعقد حينها بمطالبهم، ومعربين عن تبرمهم وغضبهم من تصريحات وزير التربية، فضلاً عن التعاطي الحكومي الملتبس مع ملفهم الحيوي، مؤكدين أن قطاع التربية والتعليم هو قطاع منتج على خلاف ما يزعم بعض الرسميين.

سجال بين المعتصمين
ولم تخلُ ساحة الاعتصام من الجوّ المشحون ذاته الذي كان في الاعتصامات والوقفات السّابقة، أو حتّى على وسائل التواصل الاجتماعي. إذ أن المعتصمين من رابطة تعليمية وجمعيات عمومية اتفقوا على المطالب الملّحة واختلفوا فيما بينهم على أسلوب طرحها. فممثلو الجمعيات العمومية ما برحوا طيلة التظاهرة يكيلون الاتهامات لأساتذة الرابطة بالتخاذل والمساومة التّي أسموها بـ"الشحادة"، فيما أعرب عدد من أساتذة الرابطة عن استيائهم من هذا التشرذم والتفرقة، وما لبث أن نشب سجال لفظي عبر مكبرات الصوت بين الطرفين، واحتدم حتّى وصل إلى تنازع البعض بالأيدي. وقد كتبت لافتات ضمت شعارات مثل: "الرابطة التّي تساوم على حقوقنا لا تمثلنا". الأمر الذي جعل عدداً من الأساتذة يتدخلون منحازين لمطالبهم لا لخلافات المجموعات، ومتبرمين من هذا الأسلوب غير الحضاري، على حدّ قولهم.

وفي حديث "المدن" مع أحد الأساتذة الملاك في التعليم الثانوي، لمعرفة سبب الخلاف الأساسي الممثل للجمعية العمومية، أفاد الأخير: "نحن كأساتذة وموظفين في التعليم الثانوي لا علاقة لنا بالضغط على الدول المانحة لتمويل هذا القطاع، وهذه نقطة الخلاف بيننا وبين الرابطة، علاقتنا اليوم مع دولتنا المجبرة بصرف معاشاتنا وتحسينها، لا أن نستجدي الآخرين لتمويلنا، لا نستطيع كأساتذة أن نقوم "بالشحادة" ونعلم طلابنا "الشحادة". هذه حقوقنا في المرتبة الأولى". وأضاف: "طيلة هذه السنوات نسمع عبر الإعلام عن وصول هبات ومساعدات لا تصلّ إلينا إلا لمامًا، قاموا بمضاعفة معاشاتنا في موازنة 2022 لكنها لا تفي بالغرض، فالأوضاع المعيشية من السيء إلى الأسوأ، هذا وناهيك عن بنود الضرائب والرسوم. ومشكلة مضافة هي أننا اليوم مكشوفون صحيًا. لذلك نطالب بالاستشفاء والطبابة لنتمكن من استئناف واجباتنا على أحسن وجه أمام الطلاب". على المقلب الآخر تشير أستاذة التعليم الأساسي سهيل منصور لـ"المدن":" أن نقطة الخلاف لا تعدو سوى سوء تفاهم بين الأطراف، ويجب علينا كمربين وضع حدّ لهذا التشرذم الحاصل، والذي يضرنا جميعًا. المؤمن بهذه الحقوق لا يجب أن يجدّ ثغرات بسيطة ويخلق من ورائها مشكلات عظمى".

لم يخفِ هؤلاء تخوفهم وقلقهم من إمكانية إهدار حق التعليم أسوةً بباقي الحقوق الأوليّة المهدورة في هذا البلد المنكوب، وكذلك القلق من تبعات هذا الهدر، أولاً عبر حرمان جيل برمته من حقه في التعليم الأساسي الجديّ والكفوء، وما يترتب عن ذلك من أزمات حقوقية واجتماعية واقتصادية. وثانيًا، من انهيار آخر ما تبقى من الرساميل البشريّة التّي تُشكل العصب الأساسي لإقامة أي دولة، من كادر تعليمي وأجيال مؤسسة ومسؤولة لاحقًا عن مصيرها الفردي والجماعي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها