الإثنين 2022/09/12

آخر تحديث: 14:24 (بيروت)

صفقة كتب مدرسية ضخمة: فساد لبناني عراقي مشترك

الإثنين 2022/09/12
صفقة كتب مدرسية ضخمة: فساد لبناني عراقي مشترك
الصفقة شكلية ومعدة مسبقاً ويريد مسؤولون في العراق تدبير إخراج لها (Getty)
increase حجم الخط decrease
بمناقصة شكلية وضعت لتتوافق شروطها مع ناشر لبناني وحيد، قرر العراق استبدال جزء من أموال نفطه، الذي يزود به معامل الكهرباء في لبنان، بالكتاب المدرسي لطلابه. ما جعل البلدين (لبنان والعراق) يتشابهان في قضايا الفساد وتمرير الصفقات التي ترسو على المحابين. 

شروط تعجيزية
وفي التفاصيل، ضج العراق في الأيام القليلة الماضية بشبهات فساد بين مسؤولين عراقيين ولبنانيين على قضية الكتاب المدرسي. فقد سبق وقررت الحكومة العراقية استبدال أموال النفط بخدمات يمكن لبنان تقديمها في مجالات الصحة والتعليم وغيرها. ومن ضمن هذه الخدمات إجراء مناقصة لطباعة الكتب المدرسية والقرطاسية للعراق. ليتبين وجود صفقة بين مسؤولين عراقيين ولبنانيين كي ترسو المناقصة على شركة نشر واحدة. وقد حضر وفد عراقي إلى لبنان لعرض شروط الصفقة وعقد اجتماعاً منذ ثلاثة أسابيع مع عشرة أصحاب مطابع لبنانيين. وكان يفترض أن يحضر وفد تقني من العراق بعد أسبوع للإشراف على شروط المناقصة.

مصادر مطلعة على الصفقة، كانت حاضرة في الاجتماع، أكدت لـ"المدن" أن الشروط التي وضعها الجانب العراقي للمناقصة تعجيزية للناشرين اللبنانيين، باستثناء شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، التي تطبع كتاب اللغة الإنكليزية للعراق منذ سنوات. ليس هذا فحسب بل إن الدعوة للاجتماع الذي حصل كانت ملتبسة. فقد طلبت السفارة العراقية في بيروت من أحد أصحاب المطابع دعوة من يرتئيه مناسباً من القادرين على استلام صفقة بهذا الحجم. وكأن العراق قرر الدخول إلى لبنان من الشباك فيما كان عليه طرق باب نقابة الطباعة في لبنان، تعلق المصادر. وتضيف أن عشرة من أصحاب المطابع حضروا الاجتماع مع الوفد العراقي، ليتبين أن شروط الصفقة تنطبق على شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. ما يعني أن الصفقة شكلية ومعدة مسبقاً ويريد مسؤولون في العراق تدبير إخراج لها فقط لا غير.

وفي تفاصيل المناقصة، شرحت المصادر، أن الوفد العراقي اشترط موعد استلام الكتب في نهاية شهر أيلول الحالي. كما اشترط إيداع الملتزم تأمين مالي بقيمة خمسة بالمئة من سعر المناقصة في أحد المصارف في العراق بالدولار النقدي، بمثابة بند جزائي، أي بما يصل إلى نحو 15 مليون دولار من قيمة الصفقة، التي تقدر بنحو 300 مليون دولار. كما أن الدفعة الأولى من ثمن المناقصة التي ستدفع للملتزم أقل بكثير من كلفة شراء الورق ولوزام الطباعة، التي تصل إلى نحو 150 مليون دولار. هذا في وقت لا يوجد ناشر في لبنان لديه كميات ورق وقدرات مالية لالتزام المناقصة، سوى شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.

مناقصة شكلية
وتعلق مصادر المجتمعين: كأن العراق كان أشبه بوالد لا يريد تزويج ابنته إلا لمن يرغبه هو، وفق المثل الشائع ارفع مهرها كي ينفضّ العرسان من حولها. فالشروط التي وضعها العراق لتسلم الكتب لا تقتصر على أنها تعجيزية، بل لا تراعي الوضع الاقتصادي في لبنان ووضع الناشرين. فصفقة بهذا الحجم تحتاج إلى نحو سنة كي يتمكن الناشر من تسليم الكتب، فيما العراق يريدها بغضون شهر. فشراء الورق من الخارج لطباعة الكميات المطلوبة يحتاج إلى ثلاثة أشهر كي يصل إلى لبنان، هذا من دون حساب الوقت الذي يحتاجه الناشر لطباعة الكتب. فحتى شحن الكتب إلى العراق يحتاج إلى 15 يوماً في البحر كي يستلمها. كما لو أن العراق عقد صفقة مسبقة مع ناشر لبناني منذ مدة زمنية بعيدة وطبع له الكتب ووضبها في المستودعات، ويحتاج إلى مناقصة شكلية كي يسلّمها، تقول المصادر.

وتضيف المصادر أن أصحاب المطابع الذين حضروا الاجتماع رأوا أن عرض الصفقة بهذه الشروط غير مغرية ومخاطرها مرتفعة جداً. فمن ضمن شروط المناقصة الشكلية أن مصرف لبنان يدفع المبلغ للناشر على سعر منصة صيرفة وليس بالدولار النقدي. بمعنى أن الناشر يسعّر الكلفة باللبناني على سعر صرف السوق السوداء للدولار. ولا مشكلة لدى الناشرين بخسارة الفرق بين سعر المنصة والسوق السوداء، لأنه يمكن رفع سعر الكتب بالدولار لتعويض الفرق. لكن كي يتمكن الناشر من قبض الأموال من مصرف لبنان قد يبقى ستة أشهر، ولا أحد يضمن قيمتها في حال ارتفع سعر صرف الدولار.

توقف المناقصة
بعد الاجتماع الآنف الذكر، شعر العديد من أصحاب المطابع أن الصفقة مدبرة، ما استدعى عقد نقابة الطباعة في لبنان اجتماعاً للوقوف عند الملابسات.
ووفق رئيس النقابة جوزيف صادر، بررت السفارة العراقية أمر الدعوة الملتبسة للناشرين بأنها لم تكن على دراية بوجود نقابة ويفترض أن تتواصل معها. وأكد صادر لـ"المدن" أنه بعد الاجتماع دعت النقابة الناشرين الحاضرين، وتم التوافق على أن المشاركة في المناقصة يجب أن تشمل الجميع ولا أحد له الحق بأن يحدد عدد الناشرين. وأوقفت الصفقة، وتم التوافق على أن تراعي شروط المناقصة الوضع الاقتصادي في لبنان، كي يتسنى للجميع المشاركة فيها. فأقله يجب إعادة النظر بالمبلغ المالي الواجب وضعه كتأمين في أحد المصارف في العراق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها