الأحد 2022/12/04

آخر تحديث: 14:13 (بيروت)

الاحزاب تفرض مناهج التربية ولجانها تتقاسم دولارات القروض الدولية

الأحد 2022/12/04
الاحزاب تفرض مناهج التربية ولجانها تتقاسم دولارات القروض الدولية
تقوم اللجان على مبدأ التحاصص وسط تغييب القطاع العام، لصالح القطاع الخاص (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
بعيدا من أن السياسات الرسمية أقصت المركز التربوي للإنماء والبحوث عن مهامه في أن يكون العقل المدبر لوضع المناهج التربوية، لصالح القطاع الخاص، على حساب التعليم الرسمي، ما زال إسراع، أو تسرّع، وزير التربية عباس الحلبي في إقرار الإطار العام للمناهج تدور حوله ملابسات. ففي الوقت الذي يحتاج قطاع التعليم الرسمي بشكل آني وعاجل دعم الأساتذة، للتمكن من الوصول إلى عملهم، قبل الانتقال إلى تغيير المناهج الرسمية، أنفق على لجان "الإطار الوطني اللبناني لمناهج التعليم ما قبل الجامعي"، ملايين الدولارات، من دون نتيجة تربوية، كما يقول المعترضون على السياسيات التربوية، وآلية عمل وزارة التربية والمركز التربوي.

لجان لمراعاة الأحزاب
مصادر متعددة مشاركة سابقاً في اللجان أكدت لـ"المدن" أن الإسراع في إطلاق "الإطار العام" أتى من أجل صرف أموال قرض البنك الدولي في مشروع S2R2، الذي تنتهي مدته مطلع العام المقبل. فبعد إلغاء اللجنة السابقة التي وضعت مسودة لـ"لإطار"، كان من السهل تمرير الإطار الجديد، تقول المصادر. وتضيف أن المشكلة ليست في أن الأجر، الذي يتلقاه المشاركون في اللجان بالدولار النقدي، عن كل ساعة حضور، يوازي راتب شهر كامل لأساتذة التعليم الثانوي، بل في النتيجة على المستوى التربوي.

في التفاصيل، قبل مجيء الوزير الحالي عباس الحلبي وضعت اللجنة السابقة لصياغة الإطار العام مسودة في هذا الشأن، لم تكن القوى الحزبية والطائفية ممثلة فيها. بل ضمت خبراء في التربية، راعت فيها وضع رؤية وطنية للمناهج، وليس الخصوصيات الحزبية والطائفية. لكن لم يرض بعض مستشاري وزير التربية عليها، لأسباب عدة أهمها عدم قبول أعضاء اللجنة فرض أجندة الممولين والمقرضين في كيفية وضع المناهج. والنتيجة كانت تسريب المسودة قبل انتهاء العمل عليها وتوجيه انتقادات سطحية لها، بغية تشكيل لجنة غيرها. وهذا ما تم في نهاية المطاف. فتشكلت لجنة جديدة أضيف عليها أشخاص تباعاً، لمراعاة الأحزاب.

وتقول مصادر مطلعة أن الأحزاب ولا سيما حركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي فرضت ممثلين عنها في اللجان، بمعزل عما إذا كانوا تربويين أم لا. فقد انتقت الأحزاب الأسماء وفرضتها على وزارة التربية، التي اقتصر دورها على التبليغ. وعوضاً عن تمثيل القطاع الخاص في اللجان، طالما أن التعليم في لبنان قائم على القطاع الخاص، أنتهى الأمر بأن القطاع الخاص طغى على جميع اللجان، على حساب تمثيل القطاع العام الممثل بنحو عشرين بالمئة فحسب. هذا رغم أن المناهج مخصصة للقطاع الرسمي، وغير ملزمة للقطاع الخاص، والأخير يعتمد المناهج التي يراها مناسبة له. ما يعني تضارب مصالح، خصوصاً أن ليس من مصلحة القطاع الخاص نجاح التعليم الرسمي. 

الرضوخ للممولين
وتقول المصادر أن السياسيات المتعبة أدت إلى عزل المركز التربوي للإنماء والبحوث، رغم أن الإطار العام وضع تحت سقف المركز. فقد أفرغ المركز من الكوادر التربوية ولم يعين بديلاً عنهم، وبات يعتمد على موظفين مستعان بهم من ملاك التعليم الثانوي أو الجامعة اللبنانية. هذا فيما يفترض أن يتولى "المركز" وضع المناهج والإطار العام لها. وانتهى الأمر بأن الوزارة عينت اللجان والمستشارين تحت قبة "المركز" لوضع الإطار العام، وسلمت الأمر للممولين. فكانت النتيجة تعيين الأب جهاد صليبا، مدير مشروع S2R2 الممول بقرض من البنك الدولي ومنح من جهات دولية، "منسقاً عام للمنسقيّة العامّة لتطوير المنهاج للبناني"، رغم وجود تضارب مصالح بين منصبه الدولي وتولي التنسيق. وقد تم تسريع وضع الإطار العام لأن القرض ينتهي في شباط المقبل، وسط تهديد البنك الدولي بخسارة لبنان أي تمويل جديد لوضع المناهج، في حال لم ينجز الإطار العام.

المدافعون عن الإطار العام في المركز التربوي يؤكدون لـ"المدن" أن كل ما يقال عن "الإطار" مجرد بث الشائعات والسلبية. ففي السابق لم تنجز اللجان ما هو مطلوب منها، بينما مؤخراً تمكنت اللجنة العليا من إنجاز الإطار العام بأقل من شهرين. وهي تضم تربويين مشهود لهم، حتى لو أنه تم مراعاة الحسابات الحزبية والطائفية فيها. وقد ساهم كثر في اللجان السابقة في إبداء الرأي وأخذ بها، وأنجز المشروع. وقد عمل المركز التربوي على استعادة دوره، رغم كل الكلام المغاير الذي يقال عنه.

حزب الله والتيار العوني
مصادر مشاركة في اللجان أكدت لـ"المدن" أن مشكلة اللجان تكمن في أنها قائمة على التحاصص، مثل كل شيء في لبنان. وقد فرضت الأحزاب مشيئتها في الإطار العام، وعلى سبيل المثال فرض ممثل الثنائي الشيعي التطرق "للمقاومة" في التربية المدنية، مقابل التطرق للفساد ومكافحته، كما يريد التيار الوطني الحر. هذا بينما تم تغييب مسائل مهمة متعلقة بحقوق الأفراد والحقوق الشخصية والمواطنة، غير القائمة على كليشيهات "التعايش"، وغيرها من المفردات.

وتضيف المصادر أن "الإطار" وضع وسط تغييب كبير للقطاع العام، لصالح القطاع الخاص، المهيمن على اللجان. حتى أن بعض المعينين حديثاً من ملاك الدولة في وزارة التربية، لتفادي هذه الفضيحة، لم يبلغوا مسبقاً. وأتى تعيينهم لمراعاة التوزان المسيحي-الإسلامي، وليس لأهداف تربوية. لكن رغم ذلك كان يجب الإسراع في وضع "الإطار العام".

ووفق المصادر، المهم في كل المسألة هو كيفية وضع المناهج مستقبلاً. بمعنى كيفية تجنب الإشكاليات التي حصلت في اللجان السابقة لوضع مناهج تربوية، من خلال لجان متخصصة. فالعمل على وضع المناهج لم يبدأ بعد، بل جل ما حصل إقرار "الإطار العام"، بينما الشياطين تكمن في التفاصيل، أي في كيفية صياغة المنهاج الجديد، الذي يفترض أن يبدأ العمل به العام المقبل.   
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها