الإثنين 2022/01/24

آخر تحديث: 13:59 (بيروت)

خرائب العدل اللبنانية: اهتراء وعفن في الظلام.. وضياع ملفات

الإثنين 2022/01/24
خرائب العدل اللبنانية: اهتراء وعفن في الظلام.. وضياع ملفات
محكمة منعقدة على ضوء الشموع والهواتف النقالة (المدن)
increase حجم الخط decrease
حكم على اللبناني المشقة والعذاب في بلده. وهو تعايش مع طوابير الذل والمهانة كجزء من يومياته منذ بداية الأزمة المالية، وحاول أن يتأقلم على الفوضى والفساد في دوائر الدولة الرسمية. وهاهم اللبنانيون يفتتحون عامهم الجديد بطوابير الأمن العام، ومعاناتهم في الضمان الإجتماعي وقصور العدل.

وتتعالى صرخات المحامين والناس وهم يعرضون معاناتهم في قاعات قصور العدل، ويناشدون الجهات المعنية للتدخل. وتؤكد جولة "المدن" بين أروقة قصور العدل أن من يدخلونها يهانون بسبب عشوائية تسيير الأمور. فما الذي يحصل في قصور العدل؟

عتم وفوضى وإهمال
في التاسعة صباحاً يتجمع بعض الرجال أمام مدخل قصر العدل الرئيسي المشرع، لتدخل منه أشعة الشمس إليهم وتمدهم بالنور، بسبب انقطاع التيار الكهربائي. يتبادلون الأخبار السياسية ويشكون من الأوضاع الاقتصادية المتردية. تستأذنهم سيدة ستينية لإفساح الطريق لها. تدخل متجهة نحو العسكري الجالس على كرسي بلاستيكي واضعاً أمامه ورقة بيضاء وقلماَ أزرق اللون. يكتب اسم المرأة الثلاثي، وتخبره عن سبب مجيئها ليأذن لها بالدخول. تقول بصوت خافت إن ابنها خلف القضبان ولديه جلسة محاكمة اليوم. وهي تنتظر المحامية للدفاع عنه. تدخل إلى ممرّ مظلم. تفاجأ بأن قصر العدل كله غارق في الظلام. تطلب من شاب يقف جانباً أن يساعدها لتجد كرسياً. يمسك بيدها ويضيء "فلاش" هاتفه ليهتدي إلى الطريق. لا يجد في القاعة الواسعة سوى مقعد خشبي قديم لا يسع لأكثر من شخصين، ويستريح عليه 3 رجال من دون أن يراعوا التباعد الاجتماعي ولا الالتزام بالكمامة. تكمل المرأة المسنة جولتها بين الغرف الكبيرة علها تجد مقعداً تستريح عليه في بداية يومها الطويل في العدلية.

على الجدران أوراق معلقة كتب عليها بخط يدوي وبأقلام شبه فارغة من الحبر: "التدخين ممنوع في هذا المكان ويعرضك لغرامة مالية أقلها 135 ألف ليرة". والمضحك أن السجائر مرمية على الأرض في قاعات العدلية كلها. والبعض يدخن فيها أمام أبصار الموظفين والعساكر، ولا أحد يطلب منهم إطفاءها. تطفأ السجائر بغرزها في المقعد الخشبي ورميها أرضاً. ومنهم من يرميها أرضاَ ويضغط عليها بحذائه. أما من يضعها في كوب القهوة، فيرمي الكوب أرضاً، أو يضعه على رف إحدى خزائن الملفات المفتوحة.

وإذا نظرت إلى أرضية القاعة، فستلاحظ أنها لم تنظف منذ زمن طويل: آثار بقع القهوة، وبعض البلاطات مكسورة أو مبقورة. لا سلال مهملات، بل وضعت في قاعات وأروقة قليلة علب كرتون كبيرة فارغة من سجائر سيدرز الوطنية لرمي النفايات فيها. لكن النفايات ترمى أرضاً: فناجين القهوة البلاستيكية، السجائر، المناديل الورقية، عبوات المياه والمشروبات الغازية وسواها الكثير.



اهتراء وعفن وشموع
في الغرف والممرات خزائن لحفظ الملفات. الخزائن معدنية قديمة، مهترئة ومتسخة. وهي مشرعة، وأقفالها مكسورة، وبعضها بلا أبواب أو بأبواب مخلعة. وأي شخص يمكنه العبث بها وأخذ ما يريد. والخزائن ممتلئة وعلى ظهرها تستف ملفات ممزقة ملفوفة بأكياس قمامة سوداء. طلاء الجدران مبقع بلطخ سوداء، ويظهر عفن في زواياها ملاذات بيوت العنكبوت. وإذا نظرت إلى الأعلى تفاجأ بسقف بلاستيكي مهشم وكأنه تعرض لانفجارٍ كبير. قطع البلاستيك مبقورة وتخرج منها غابة من أسلاك كهربائية. ويحتمل أن تسقط قطع من البلاستيك في أي لحظة.

كاميرات المراقبة ظاهرة في القاعات. الأسلاك تخرج من زوايا السقوف عشوائياً، وتغطي الكاميرات. أي لا كاميرات إذاً. ولا إنارة في قصر العدل. المازوت غير متوفر. التيار الكهربائي معدوم باستمرار. يضيء الجميع هواتفهم المحمولة للتنقل بين القاعات. المحامون والقضاة يجرون جلسات المحاكمة في ضوء الهواتف أو الشموع. والأبواب مشرعة للاستفادة من أشعة الشمس. وإذا أردت التنقل من طابق إلى آخر، عليك التمسك جيداً. فالأدراج محطمة وطلاء الجدران المقشرة التصق بها. ومياه الأمطار تتسرب من هنا وهناك إلى الأدراج وقد تسبب الانزلاق.

ومنذ حوالى أسبوعين، بعدما زادت تغذية قصر العدل بكهرباء الدولة، استعملت سيدة المصعد الكهربائي، ولسوء حظها انقطع التيار الكهربائي وعلقت في المصعد القديم، وبسبب عدم وجود مازوت لتشغيل المصعد مكثت السيدة أكثر من ساعة وربع الساعة قبل تمكّنهم من إخراجها.

ضياع ملفات
مواطنون كثيرون يعانون من ضياع ملفاتهم في قصور العدل. أحدهم يتابع معاملة مع موظفي العدلية. وعندما حضر لتسلمها، فوجئ عندما قال له الموظف إنه لم يجد المعاملة، وعليه العودة بعد يومين ريثما يستطيع إيجادها في ملفات أخرى. وهذه المشكلة يعاني منها كثيرون. فالفوضى دائمة في غرف الموظفين، والملفات مبعثرة ومتراكمة عشوائياً. وكيف لا تضيع ملفات في هذه الحال المزرية وتختفي؟

ولا ننسى أن الخزائن المعدة لحفظ الملفات مهترئة. وطوابير الناس تصطف كل يوم أمام غرف الموظفين في الممرات الضيقة، لتخليص معاملاتهم في العتمة.

وما عرضناه هنا هو جزء بسيط من المشاكل القائمة في قصور العدل اللبنانية. ويبقى السؤال الذي يتردد على ألسنة الناس والمحامين: هل يستحق هذا المبنى أن نسميه قصر العدل؟ أم علينا تغيير إسمه ليصبح: خرابة العدل اللبناني؟ 



معاناة الموقوفين
ولا بد من التنبه إلى معاناة الموقوفين الذين يعانون من مشاكل كثيرة: حشرهم في زنازين تحت الأرض في الشتاء والظلام ولا وسائل تدفئة. وفي الصيف حسب إحدى النساء، تعرض ابنها الموقوف مع صديقه للاختناق، حيث تنعدم التهوئة والمياه في دورات المياه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها