الجمعة 2021/07/23

آخر تحديث: 15:00 (بيروت)

عراقي ولبناني وطبيب في مستشفى.. مسلخ بشري بالدولار

الجمعة 2021/07/23
عراقي ولبناني وطبيب في مستشفى.. مسلخ بشري بالدولار
من المفترض أن المستشفى للعلاج والعناية بالمرضى (Getty)
increase حجم الخط decrease
ما هو هذا الدولار الذي تشترونه وتبيعونه؟! وهل باتت المستشفى محلاً للصيرفة من دون علمي؟! وكيف تسعّرون دولاركم بـ23 ألف ليرة، وهو بـ20 ألف وخمسمئة ألف ليرة في السوق السوداء؟! هذا ما سمعت طبيب المعدة في إحدى مستشفيات بيروت يقوله غاضباً، قبل رشقه موظف المحاسبة بموجة حانقة من الشتائم. وذلك بعدما علم فجأة بتغيير تسعيرة ناظور المعدة، من دون إبلاغه بالأمر.
***

وكنت قد اتصلت بهذا الطبيب الصديق، شاكياً من مشاكل في المعدة، لعلي أجد الشفاء لديه، بعدما تفاقمت اضطراباتي المعوية في السنتين الأخيرتين، جراء الضغوط المنهكة التي نعيش. وعندما هاتفت الطبيب شاكياً ما بي، سارع إلى سؤالي عما كنت أعيش حالاً من التوتر العصبي والضغوط النفسية، اللذين يرفعان منسوب عصارة المعدة؟ ومازحته قائلاً إن هذا السبب لم يعد مقنعاً لمشاكل معدتي، طالما أن جميع اللبنانيين باتوا متوترين وخائفين من حياتهم وعلى مستقبلهم في هذا البلد.
***

ودخلتُ عيادة الطبيب الصديق في إحدى المستشفيات، بعدما خرج منها مرضى ثلاثة، عرفت لاحقاً أنهم عراقيون، يشكو أحدهم من مشاكل في المعدة، ففكرت أننا والعراق في الـ(...) سوا. وعلمت أن الطبيب طلب فحص ناظور معدة لمريضه العراقي. وقبل أن يبدأ الطبيب معاينتي، استأذنني لحظة، ورفع الهاتف ليبلغ موظفة المحاسبة بأن تتقاضى من المريض العراقي مليون وخمسمئة ألف ليرة، ثمن أعتاب ناظور المعدة، بعدما كان أبلغ مريض بهذا المبلغ المتوجب عليه.

لم أسمع ما قالته الموظفة هاتفياً للطبيب. لكني استنتجت من كلامه معها أنها قالت له أن التسعيرة ارتفعت. وعلا صوت الطبيب محتجاً غاضباً، وقال بصوت على حدود الصراخ: كيف ترفعون التسعيرة من دون إبلاغي؟! ما الذي حصل من البارحة إلى اليوم، هل تغيرت آلات الفحص والتصوير؟

وصمت لحظة مستمعاً إلى الموظفة، ثم ارتفع صوته مجدداً: الدولار، الدولار...أنا لست صرافاً في السوق السوداء. والدولار فيها بعشرين ألف وخمسمئة ليرة، وقد صرفت مبلغاً قبل مجيئي إلى العيادة. فكيف يكون دولاركم الطبي بـ23 ألف ليرة. ما هو هذا الدولار الذي تتعاملون به؟

وصمت الطبيب ثانية، ثم رفع صوته مجدداً، وقال: حتى لو كان مريضي عراقياً، من قال لك أنه سيدفع بالدولار؟ إذاً، تريد الموظفة أن تتقاضى المبلغ من المريض العراقي بالدولار، لأنه عراقي. وهنا صححت فكرتي السابقة: لا، لسنا والعراق في الـ... سوا. ولم يبق من للبنان إلا العراقيين لتحصيل العملة الصعبة منهم.
***

وكنت قد قرأت قبل أيام أن زحمة قدوم العراقيين إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، وتذمر مئات منهم لمكوثهم ساعات في المطار لتخليص معاملات دخولهم الأراضي اللبنانية السعيدة المباركة، قد أدتا (الزحمة والتذمر) إلى غضبهم واحتجاجهم، واعتداء أحد عناصر الأمن العام اللبناني على أحدهم بالضرب.

وهذا ما استدعى اعتذار مدير عام جهاز الأمن العام عباس ابراهيم للسلطات العراقية، ربما خشية على دولارات العراقيين التي يصرفونها في لبنان للاططياف والاستجمام والطبابة.
***

وأصابتني الدهشة مستمعاً إلى ذاك الحديث في مستشفى وفي عيادة لطب المعدة. والمعدة ما أدراك بالمعدة وأعصابها وعصاراتها التي تتأثر بالتوتر والعصاب. وهما كما شهدت في العيادة عارضان متفشيان في العراق ولبنان. لبنان الذي وُصف لعلاج أزماته التوجه شرقاً، فيما الدولار الأميركي الغربي هو علته  المستفحلة.

والمستشفى مفترض أنها للعلاج والشفاء، وليست مسلخاً بشرياً لذبح المرضى بالدولار. وفكرت أن المصارف، حتى المصارف التي نهبت أموال اللبنانيين وتستمر في نهبهم يومياً، باتت أرحم من المستشفيات ومذابحها الدولارية، أسوة بالمؤسسات التجارية التي تبيع السلع بزيادة ألفي ليرة أو أكثر على سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

لقد بتنا في غابة، والكل يريد أكل الكل ونهشه، قال الطبيب محتجاً على تصرف إدارة المستشفى التي يعمل فيها. وهو أبدى أسفه لسماعي هذه المحادثة التي دارت بينه وبين الموظفة.

لا أمل لنا في هذا البلد، نعم نحن في غابة ولا خلاص لنا منها، قلت له، وأضفت: أنت والأطباء أمثالك، أولئك الذين يطببون نصف مرضاهم بلا مقابل، ستصبحون قريباً جيشاً من الفقراء. اجمع امتعتك وهاجر إلى كندا، إلى أستراليا، وفي أقرب فرصة. أمامنا عشر سنوات عجاف على الأقل، وربما عشرين.

عاجلني الطبيب وسأل مستفسراً عن رأيي في أنه بات يفكر جدياً بالهجرة، وقال: لقد تلقيت عروضاً ثلاثة للعمل في الخارج وبراتب خيالي. لكنني رفضتها لأنني لا أريد أن يقول مرضاي عني أنني تركت المركب يغرق. أشعر بالإهانة لمجرد التفكير بأن المرضى يفكرون بي بهذه الطريقة. كما أنني أسست نفسي هنا وبات لي اسم وسمعة طيبين.

أما أنا فبلا تردد ختمت حديثي قائلاً للطبيب: دعك من هذا الهراء يا صديقي. جهز حقيبتك وارحل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها