الخميس 2021/06/17

آخر تحديث: 12:19 (بيروت)

"سند" في طرابلس: شابات المدينة لتربية الصغار ورعاية الكبار

الخميس 2021/06/17
"سند" في طرابلس: شابات المدينة لتربية الصغار ورعاية الكبار
مشروع تربوي تديره شابات لمقاومة الأزمة (جنى الدهيبي)
increase حجم الخط decrease

تولد الأفكار الخلّاقة والمشاريع النوعية من قلب الأزمات. هذا ما تثبته بعض التجارب في لبنان الذي يتدحرج إلى أعماق انهيار غير مسبوق في تاريخه. إذ ليس مجرد استثناء عابر ما نعيشه، بل هو أشبه بحالة، أو ربما ظاهرة، قلبت حياة اللبنانيين رأسًا على عقب. فصاروا يفتشون عن أي مخرجٍ لاستمرارية العيش، رغم العوامل الكارثية التي تستدعي اليأس والاحباط وحتى الاستسلام.  

وفي طرابلس، التي دفعت الأزمة معظم أبنائها الفقراء إلى ما دون خطّ الفقر المدقع، وما زالت مخاطر الانفجار الشعبي تحاصرها، لا يقتصر الحراك الأهلي على المبادرات الخيرية، للمساهمة في توفير الحدّ الادنى من شبكة الأمان الاجتماعي، بل ثمة أفراد يثابرون على إطلاق مبادرات استثمارية، تحاكي الواقع، ولو على نطاق ضيق، بهدف كسر ثقافة إعطاء السمكة بدل الصنارة.  

ولعلّ ما يطلق العنان للمبادرات الاستثمارية، هو إدراك أصحابها أن في المدينة كما في كل لبنان، يوجد عائلات إمّا لديها استثمارات بالخارج أو مع جهات أجنبية، وإمّا لديها أبناء يرسلون لها التحويلات بالعملات الصعبة.  

وهكذا، تصبح معادلة الاستثمار، قائمة على تبادل الخدمات والمصلحة، عبر استفادة الذين تأثروا بالأزمة والأقل فرصًا، من الذين ما زالوا قادرين على تحريك عجلة الاقتصاد.  

"سند" العائلات 
ومن بين هذه المشاريع، انطلق في طرابلس، مشروع مركز "سند"، لصاحبته فضيلة سليم أفيوني (36 عاما)، المتخصصة بعلم اجتماع العائلة، وهي ناشطة عملت في الحقل الاجتماعي لأكثر من 10 سنوات.  

تروي أفيوني تفاصيل مشروعها في حديث لـ"المدن"، الذي انطلق في تموز 2020، وكان بدافع شخصي، وهو الحاجة لجليسة أطفال. ولم يكن يوجد في طرابلس مراكز توفر هذا النوع من الخدمات، "بسبب تأزم الظروف في البلاد والإجراءات المتعلقة بكورونا، وإغلاق المدارس ودور الحضانة".  

هذا الخلل، دفعها لإطلاق مشروعها الذي شكلت فكرته رأس ماله، عبر إطلاق مركزٍ يضم شابات يتوكلن، بعد خضوعهن لتدريبات مكثفة، مهمة التوجه إلى طالبي هذا النوع من الخدمات، سواء كجليسات أطفال أو معلمات خصوصيات، لا سيما أن الإقبال على النوع الأخير، كان مكثقًا، نتيجة تأثر الطلاب بالتداعيات السلبية للتعلم عن بعد، في بلدٍ لا يملك البنى التحتية له.  

وما هي إلا أشهر، حتى استطاع "سند" أن يوسع نطاق خدماته، بحرفية عالية، وفي طليعتها، تدريب وتوفير مربيات تقويميات لذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب جليسي المسنين، وممرضات وممرضين للخدمات الصحية.  

تمكين النساء
وتلفت أفيوني أن المركز لا يقدم خدماته ضمن المركز نفسه، وإنما في منازل طالبي هذا النوع من الخدمات. كما حقق هدفه الرئيسي على مستوى تمكين النساء والشابات الخريجات عبر توفير فرصة التوظيف الذاتي، وبدوامات جزئية مرنة، ما يعطيهن فرصة إكمال دراستهن الجامعية والتشبيك مع مؤسسات أخرى للعمل.  

وقالت رئيسة المركز أن الفكرة التي بدأتها كامرأة، "وفّرت فرص عمل للنساء والشابات في طرابلس، اللواتي يواجهن أزمة البطالة بعد تخرجهن"، والتي تحرمهن بالتالي من فرصة بناء الخبرة، سواء للعمل بلبنان أو في الخارج.  

وخلال سنة، استطاع "سند" أن يوفر فرص عمل لأكثر من 70 شابة من طرابلس والشمال، بين جليسات أطفال ومعلّمات ومربيات تقويميات، والعدد إلى ازدياد نظرًا للاقبال الكبير، وفق أفيوني.  

وتستطرد أفيوني في حديثها عن المشاكل التي كانت تستدعي تدخل معلمات خصوصيات لدعم الطلاب في التعليم أونلاين، بسبب مواجهة مصاعب على مستوى الفهم وتلقي المعلومة، إلى جانب أزمات ضعف الانترنت وانقطاع الكهرباء، كما حرم الطلاب من المشاركة الفعلية -في بلدٍ يرزح تحت وطأة الأزمات– لتنمية ذكائهم وقدراتهم والتعبير عن طاقاتهم ومواهبهم.  

وأردفت، أن "سند" عمل على تعويض هذا الفرق، عبر حضور المعلمات إلى منازل الطلاب، بهدف التفاعل معهم، بعد تدربهن على ابتكار أفكار جديدة للتعلم عن طريق اللعب، "ما دفع المشاركين للتخلص من الروتين الممل للدروس الخصوصية، وخلقت نوعاً من التفاعل الغني، الذي حوّل المعلومات الجافة إلى مجال للاستمتاع".  

مشاريع جديدة  
ومن المشاريع الجديدة التي ينوي "سند" إطلاقها، مخيم صيفي يحمل فكرة جديدة، وهي سفر الأطفال افتراضيًا حول بلدان على مدار 9 أسابيع، يتعرفون خلالها على ثقافة وتقاليد نحو ثمانية بلدان، تربويًا وترفيهيًا.  

كذلك، يعمل "سند"  على إنشاء مركز مستقل، بعد أن نضجت التجربة، للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويضم معلمات متخصصات بهذا المجال.  

وتدرك أفيوني أن إطلاق أي مشروع في طرابلس ومختلف المناطق اللبنانية، في ظل هذه الأوضاع، يوحي كأن أصحابها يمشون عكس التيار. لكن الأساس حاليًا، "هو التركيز على العناصر البشرية، التي تشكل رأس مال لبنان. وإذا كانت طرابلس هي الأفقر على حوض المتوسط، فهي غنية بطاقات أفرادها وقدراتهم الابتكارية التي تولد من رحم المعاناة".
 

يمكن زيارة صفحة مركز "سند":
https://www.facebook.com/Sanad-Center-103590754791246/?ref=page_internal

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها