الإثنين 2021/05/31

آخر تحديث: 14:04 (بيروت)

7 شابات وقضية "العطّار" المتحرش الجنسي: النساء يمتحنّ القضاء

الإثنين 2021/05/31
7 شابات وقضية "العطّار" المتحرش الجنسي: النساء يمتحنّ القضاء
التحرش الجنسيّ من المشاكل المتأصلة في عمق المجتمع اللبناني (Getty)
increase حجم الخط decrease
بُعيد تعرّضهنّ لجرم التّحرش الجنسيّ، استُمع نهار الجمعة 28 أيار الماضي إلى إفادة عدد من المُدعيات بموجب شكوى قضائية، قُدمت بتاريخ الأربعاء 26 أيار، ضد المدعو جعفر العطّار (31 سنة). وهو صحافي وكاتب ومخرج لبناني، ومن المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي.

حالات تحرش
ونشرت إحدى المجنيّ عليهنّ قبل ما يقارب أسبوع، المدعوة ترايسي يونس (وهي ممثلة) عبر تطبيق الفايسبوك محادثات جرت بينها وبين العطّار، مُدعيةً أنّه استمر نحو شهرين بملاحقتها عبر عدد من تطبيقات التواصل الاجتماعي، بحجة التعاون على مشاريع عمل. لكنّها اعتبرت أن طبيعة المحادثات كانت واضحة، لجهة محاولته استدراجها بأعذار وهمية متكرّرة، وعدم قبوله رفضها، بغية التعدي الواضح عليها.

وعلى أثر ما نشرته يونس تتالت منشورات مشابهة من شابات سبع، تحت عنوان #نصدق-الناجيات و#افضح–متحرش. وهن مجني عليهنّ، وقد تشجعنّ على كسر هالة الصمت الملازمة لمثل هذه القضايا. ونشرن وقائع تعرضهنّ للأسلوب الممنهج نفسه من العنف الأبويّ المتمثل بالتّحرش الجنسيّ عبر وسائل التواصل. وذلك بحجة العمل تارةً، وإرسال صور شخصية ورسائل واتصالات ليلية متأخرة وملّحة، تصلّ حدّ المضايقة، متذرعة "بالغلط" تارةً أخرى.

حجة الكحول والحشيش
بُعيد ما ذُكر آنفًا من منشورات عن محاولات العطّار، أقرّت عشرات الحالات بتعرضها لمواقف متكررة، تتبع الأسلوب نفسه من الاعتداء، واتهمنّ العطار بالتّحرش الجنسيّ، الذي أتى على هيئة الإزعاج الدائم وتقديم الإيحاءات الجنسيّة وعروض العمل الوهمية، المنطوية على محاولات تحرش جسدي مباشر في مكان العمل، أو ما اعتبره العطّار مكانًا للعمل، مستدرجًا ضحاياه. وهذه الروايات المتشابهة كان بطلها العطّار. وتفجرت القضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت جدالاً واسعاً وحملات تضامن مع الطرفين.

وفي محاولاته المتكررة والضاغطة على النساء، وعند أي محاولة للمجنيّ عليهن إظهار امتعاضهن أو رفضهن لهذا السّلوك، عمد العطّار تكرراً إلى إقحام سلوكه هذا في خانة "ذهاب عقله" نتيجة تناوله الكحول وتدخينه سجائر الحشيش. وكان يجيب دائمًا: "مدخّن" أو "سكران". وأحيانًا أخرى يقول: "بالغلط" أو " أنت هبلة، ومفكرة حالك محور الكون"، وسوى ذلك من تبريرات لامنطقية بطبيعة الحال، لكنها تهيأت للعطّار بأنها مجدية، وقد يقنع بها المجني عليهن.

وبعد حملة المجنيّ عليهن، أبى العطّار قبول أي تهمة وجهت إليه، ولم يعترف بها، وجابهها بالرفض القاطع وبمنشورات على صفحاته، على تطبيقات فايسبوك وإنستغرام. ويحوي محتواها تهديد الشابّات ونشر شائعات وتحليلات، في محاولة منه للضغط عليهن ومنعهنّ من متابعة القضية، ومنع أخريات عن الكشف عما واجهنه، متنطحًا بادعائه أنه هو من تعرض للتحرش منهن، مدعيًا أنهن "هائمات وراء الشهرة والمتابعين، ومهووسات وسيئات الأخلاق والسمعة".

صفة الاعتداء القانونية وعقوبته
التحرش الجنسيّ من المشاكل المتأصلة في عمق المجتمع اللبناني. ويشير تقرير صدر العام 2016 عن "الدراسات الاستقصائية الدولية للمساواة بين الجنسين في لبنان" وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن ثلثي النساء المعنيات بالدراسة قد أفدن بتعرضهن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة، مع تعرض العديد منهن للتحرش في الأشهر الثلاثة التّي سبقت المسح.

وتبعًا لذلك، وبتعاون وجهود جهات عامة وخاصة، عملت جمعيات ومجموعات حقوقية ونسويّة على طرح مشروع قانون تجريم التحرش الجنسي. وقد أقر مجلس النواب بتاريخ 21 كانون الأول 2020 في جلسته المنعقدة في الأونيسكو مشروع القانون الرامي إلى معاقبة جريمة التحرش الجنسي، لا سيما في أماكن العمل. وهو يعتبر الأوّل من نوعه في الوطن العربيّ، وخطوة متأخرة للبنان في المضمار الحقوقي.

وبناءً عليه، فإن جريمة التحرش الجنسي تنطبق على جرم المدعو جعفر العطار، وتتوافر فيه عناصر جرم التحرش، بحسب المادة رقم 586-12 من الفصل الرابع (في التحرش الجنسي) المضاف إلى الباب الثامن إلى الجنايات والجنح التي تقع على الأشخاص من قانون العقوبات. والتحرش الجنسي هو شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي ويشكل أحد الأفعال التالية:

- إيحاءات متكررة، أو عروض ملحّة، أو تعرض جسدي أو لفظي، أو حادثة واحدة صادمة، وتكون هذه الأفعال ذات طابع جنسي أو حميم، وموجهة إلى شخص آخر غير راغب بها، فتنال من الكرامة الإنسانية للضحية، أو تنشأ تجاهها أوضاع عدائية أو تخويفية أو مهينة.

وقد تناولت المادة 586-13 من القانون اعتبار هذا الجرم مشمولاً بالكلام والإيحاءات والرسائل، وغيرها على الوسائل الإلكترونية.

وقد تضمن هذا الفصل المُضاف العقوبة غير التخفيفية بحق المجنيّ، والتي تقضي بالسجن سنة وغرامة 10 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور، وعقوبة تشديدية في حالة التجريم عندما تتوافر علاقة تبعية مهنية، والتي تقضي بالسجن من سنة لثلاث سنوات مع غرامة 50 ضعف الحدّ الأدنى للأجور.

التحدي الجديّ للقضاء
بعد ستة أشهر من إقرار قانون تجريم التحرش وتأهيل ضحاياه، لم تصدر أي أحكام قضائية بسبب إقفال المحاكم لشهري كانون الثاني وشباط، نتيجة جائحة كورونا. ولن يصدر بطبيعة الحال أي قرار أو حكم قضائي في المدة المتبقية، أي خلال شهرين ونيف، وخصوصًا في القضاء اللبناني أو في معظم الأنظمة القضائية في العالم. إذ لا يوجد أي سوابق أحكام صادرة بموجب هذا القانون. فمعظم هذه الجرائم كان ينطبق عليها توصيف أحكام قضائية بصيغة الأعمال المنافية للحشمة، أو الإخلال بالآداب العامة.

وهنا يكمن التحدي الجديّ للقضاء بالحكم الذي سيصدره، ويبني بموجبه قاعدة متينة ترتكز عليها ثقة المواطنات والمواطنين المجني عليهم في مثل هذه الحالات الجرمية. ويرمم ما هدمته سنوات من التأخر عن ركب الحقوق اللصيقة التّي أهملها هذا القانون وساسته.

وقد فسرت المحامية والخبيرة في القانون الدولي، ديالا شحادة، هذا الأمر على النحو التالي: "من المهم التقدم بمثل هذه الشكاوى واللجوء للقضاء في مثل هذه الحالات الجرمية. ففيما يظهر المجني عليه للرأي العام، وخصوصاً على وسائط التواصل الاجتماعي، ويفيد بتعرضه للتحرش من دون حصوله على الحماية القانونية، قد يكون معرضًا للتهديد من المتحرش بملاحقته بجريمة القدح والذم. والأجدى أن يتقدم المجني عليه في هذه الحالة بشكوى، ويبرز للقضاء كل البراهين التي لديه، ويطلب الردع، وعند صدور الحكم الرادع -حتى ولو كان غير متضمن عقوبة السجن ومقتصر فقط على غرامة أو تعويض رمزي- يردع المتحرش وغيره من المتحرشين عن الاستمرار بأفعالهم".

إن معالجة القضية بمحوريتها القانونيّة، والتحدي الكبير والجدليّ التّي تفرضه في المضمار الحقوقي، يعتبر انتصاراً لنضالات النساء منذ عقود. والقضية لا تعدو كونها مرحلة مفصلية وتاريخية، لها دورها في إزالة التّحرش الجنسيّ، بوصفه عنفاً أبويّاً وأداة لفرض فائض القوة الذكورية، ومدماكاً مؤسساً لحقبة توعية النساء وحثهن على اللجوء إلى القانون، والتبليغ عن التحرش الجنسيّ، ولاسيما في أماكن عملهن، وعدم التلطي وراء حاجز الصمت، وردم هوة الخوف. الخوف من فائض الذكورة المتخفي تحت لثام الأبوية الصفيقة، الذي أسقط من اعتباراته أبسط مقومات مواطنية النساء، وجعلهن مواطنات من درجة ثانية، يتيمات الحقوق وثكالى الحريات والملامات بشكل مباشر، بذريعة التبريرات الفضفاضة والفوقية من موقعها الأبوي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها