الجمعة 2021/05/14

آخر تحديث: 11:13 (بيروت)

عيد طرابلس يكسر التوقعات: التكافل ودولار الاغتراب يصنعان العجائب

الجمعة 2021/05/14
عيد طرابلس يكسر التوقعات: التكافل ودولار الاغتراب يصنعان العجائب
استقبلت طرابلس عيد الفطر بانتعاش غير مسبوق (نذير حلواني)
increase حجم الخط decrease

خلافًا للمتوقع، يمكن القول أن طرابلس استقبلت عيد الفطر بانتعاش غير مسبوق للدورة الاقتصادية، منذ بدء الانهيار قبل أقل من عامين.  

وفي جولةٍ على أسواق المدينة عشية العيد، عبّر التجار عن امتنانهم بحصيلة ما حققوه من مبيعات وأرباح. وداخل أحد المتاجر لبيع الألبسة في السوق العريض، يقول العامل "اشتغلنا لدرجة نسينا وجود أزمة اقتصادية".  
هكذا كان مشهد استقبال العيد في طرابلس، مفاجئاً للجميع، كامتدادٍ لما عاشته عاصمة الشمال في رمضان أيضًا: بلوغ المطاعم والمقاهي ذروتها الاستيعابية. أسواق الألبسة في العريض وعزمي وقاديشا ومتفرعات التلّ تزدحم بالناس كخلية نحل. محال الحلويات العربية مكتظة بطالبي معمول العيد. والمتاجر الغذائية، كما محلات اللحوم والدواجن، تدافعت فيها الناس لتأمين حاجاتها.. ومعظم هذه السلوكيات كانت كلفتها باهظة الثمن.  

يعود مشهد الانتعاش في طرابلس لعوامل عدّة منها:    
أولًا، بلغ التكافل الاجتماعي ذروته. إذ جرى تشبيك المبادرات الفردية والجماعية. وكانت النساء والأمهات في مقدمتها طوال شهر رمضان. كذلك فعلت بعض الجمعيات والمؤسسات الدينية، عبر جمع التبرعات العينية والمادية، وتوزيعها على المحتاجين.  

ثانيًا، تدفقت كميات كبيرة من أموال المغتربين إلى طرابلس، فاكتظت مختلف فروع مكاتب تحويل الأموال بالمواطنين، الذين يحملون أرقام تحويلات بالأموال الصعبة. ولأن هذه المناسبة تحظى بمكانة خاصة في المدينة، ومع تدهور العملة الوطنية لمستويات متدنية جدًا، أصبحت مثلا كل 100 دولار أميركي من مغترب تحدث فرقًا كبيراً، وتبلغ قيمتها (نحو مليون و250 ألف ليرة)، أي أكثر من ضعفي مدخول أيٍ من أهالي طرابلس، وتحديدًا في الأحياء الشعبية التي نال أبناؤها الحصة الأكبر من المساعدات، بينما يعاني معظمهم من البطالة أو يعملون كمياومين مقابل نحو 30 ألف ليرة يومياً.  

ثالثًا، استطاعت بعض المكاتب السياسية أن تستعيد جزءًا من دورها للاستفادة من الأزمة، وتقديم بعض "الرشاوى الانتخابية" المدفوعة سلفًا، عبر توزيع صناديق الإعاشة والقسائم الشرائية.  

تأقلم لا انتعاش
وواقع الحال، أبدى أهالي طرابلس قدرة على تحدي مؤشرات الانهيار الاقتصادي تأمينًا لطقوس الأعياد التي تعودوا عليها، فتكيّف بعضهم مع تبدلات السوق وارتفاع الأسعار، ولم يترددوا بشراء ما كانوا يعجزون عن توفيره من مداخيلهم الزهيدة.  

وهذا الإقبال للناس على الأسواق وصرف الأموال، كان مبرِّرًا غير مباشر لفوضى الأسعار والتلاعب بها من قبل التجار، في ظل غياب تام للرقابة والمحاسبة، بحجة أن الناس تتحمس للشراء مهما بلغ ارتفاع صرف الدولار.  

وأمام هذا المشهد الاستهلاكي، الذي لا يعبّر في حقيقته الاقتصادية عن انتعاش فعلي أو استقرار في البلاد، يرى كثيرون أنه مجرد تأجيل للانفجار الشعبي، لأن الآتي ينبئ بالأسوأ مع اقتراب موعد رفع الدعم عن السلع الأساسية، الذي كانت توفره الحكومة عبر مصرف لبنان.  

وإذا سلمنا جدلًا أن أموال المغتربين سيستمر تدفقها إلى البلاد لمساندة العائلات الأكثر فقرًا، يبدو أن التحديات تتفاقم على من كانوا يمثلون الطبقة الوسطى في لبنان. وهم بمعظمهم من الموظفين الرسمين بالدولة أو في مؤسسات خاصة محلية. فمن جهة، لا يحصل معظم هؤلاء على مساعدات، لأن حاجاتهم ما زلت طيّ الكتمان ولا يجاهرون بها. ومن جهة أخرى، قد تفقد مساعدات المغتربين بالدولار قدرتها على تحقيق "العجائب"، في حال رُفع الدعم وصار سعر كل سلعة من الغذاء والمحروقات والأدوية مقرونًا بقيمة الدولار الفعلية في السوق السوداء. 

الحقيقة المرّة
إذن، سينتهي العيد لتتجلى من بعده طبيعة الأزمة ومشهدياتها في طرابلس ومختلف المناطق، حيث يستنزف أبناؤها يومياتهم بالوقوف بالطوابير عند محطات البنزين، كما تتصاعد مؤشرات السرقات والمشاكل الفردية في الطرقات.  

أمّا الحقيقة المرّة، والتي تحتاج لقراءة أخرى، فهي أن معظم اللبنانيين صاروا مواطنين يعجزون عن الانتاج وينتظرون أي مساعدة، من الداخل أو الخارج، كي يبقوا على قيد الحياة في بلدٍ يغرق بالافلاس والفساد.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها