الجمعة 2021/04/09

آخر تحديث: 14:38 (بيروت)

رئيس الجامعة العربية:انهيار التعليم العالي أكبر كارثة على لبنان

الجمعة 2021/04/09
رئيس الجامعة العربية:انهيار التعليم العالي أكبر كارثة على لبنان
لن أسمح للصراع السياسي القائم في لبنان وصراع الأحزاب بالانتقال إلى حرم الجامعة (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
التعليم العالي في خطر كبير، وعلى المسؤولين في لبنان وعي هذه المشكلة التي تهدد مستقبل البلد. فالقطاعات كلها لحقها الانهيار، والدور المقبل يصيب قطاع "منارة الشرق"، ما يفقد لبنان أي أمل بالنهوض في المستقبل، يقول رئيس جامعة بيروت العربية، الدكتور عمرو جلال العدوي في حديث مطول مع "المدن". 

منذ أكثر من سنة يعيش لبنان أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، دفعت بعض الجامعات إلى رفع قيمة أقساطها، بينما تستمر "العربية" على أقساطها السابقة. ما مدى تأثير الأمر على الجامعة؟

موضوع الأقساط شائك. الجميع يعلم أن السعر الرسمي المعتمد للدولار هو 1500 ليرة، ودخل الجامعة يعتمد على الدولار وقيمته الفعلية. وقد انخفض الدخل بأكثر من 80 في المئة، تزامناً مع انهيار الليرة. ومصاريف الجامعة كبيرة جداً وكلها بالدولار الفعلي في السوق. وأبسط مثال هو التعليم عن بعد في زمن كورونا. فهو يتطلب تحضير شبكة أنترنت قوية ونظام رقمي متطور لتأمين التعليم المطلوب، وبمستوى يوازي التعليم الحضوري. وتكبدت الجامعة عليه أموالاً طائلة، رغم أنها من الجامعات التي تعتمد التعليم المدمج بين الحضوري وعن بعد منذ فترة طويلة. وقلصنا المصاريف وألغينا غير الضروري منها لنستمر. لكن الموردين والجهات الدولية تريد الدفع بالدولار. وأموال الجامعة محتجزة في المصارف. وبتنا لا نعلم كيف نستطيع الاستمرار في حال بقاء الأوضاع على حالها. وهذا يسري على جميع الجامعات. فمن غير المنطقي البقاء على سعر صرف رسمي، فيما سعر الدولار الحقيقي هو أكثر من 12 ألف ليرة. لذا، أقول إن التعليم العالي في خطر كبير. والجامعات في موقف حرج، فهي لا تستطيع رفع قيمة الأقساط، لأن دخل أهالي الطلاب انخفض. وفي المقابل لا تستطيع الجامعات الاستمرار بالأقساط السابقة. لذا، يجب أن يتنبّه المسؤولون إلى أن انهيار التعليم العالي أكبر كارثة على لبنان، وتقضي على مستقبله. فالوضع خطير جداً والمؤسسات التعليمية في خطر.

حلقة مفرغة
هل هذا يعني أن الجامعة سترفع قيمة الأقساط في السنة المقبلة؟ 

ندرس الوضع حالياً بخصوص المتطلبات والمصاريف الضرورية لاستمرار التعليم. ولدينا لجان علمية لدراسة الأمر للعام المقبل، ولم نتخذ أي قرار بعد. فالوضع في لبنان غير واضح وقد يتغير بين دقيقة وأخرى. 

بعض الجامعات رفعت أقساطها لترفع قيمة رواتب الهيئات التعلمية، بعدما ترك أساتذة كثر الجامعات. هل واجهتم مثل هذه المشاكل؟ وفي حال عدم رفع الأقساط، كيف ينعكس الأمر على الهيئات التعلمية؟

أكرر أن مستقبل التعليم العالي في لبنان في خطر. قيمة رواتب الأساتذة والموظفين انخفضت بشكل كبير. وخسرنا نحو 18 في المئة من الهيئة التعليمية، بسبب الهجرة إلى خارج لبنان. ونواجه مشاكل وتحديات هجرة الأساتذة المتزايدة. فرواتبهم باتت غير كافية لإعالتهم. ونحن أمام معادلة صعبة: رفع الأقساط لرفع رواتب الأساتذة يجعلنا نخسر الطلاب، والاستمرار على دولار 1500 ليرة يجعلنا غير قادرين على تلبية متطلبات الجامعة ومصاريفها. خصوصاً أن التعليم الجيد له متطلباته. وبالتالي ندور في هذه حلقة مفرغة.

الاعتماد على النفس
الأساتذة واقعون في مشكلة رواتب أينما كان. هل تأثرت الجامعة أكاديمياً بسبب هذه المشكلة؟

أقدّر ظروف الأساتذة الذين تركوا الجامعة. لكننا حاولنا الحفاظ على المستوى التعليمي للجامعة. وتغلبنا على خسارة هؤلاء الأساتذة المميزين. وقد حمل الأساتذة الباقون عبئاً كبيراً، فحافظوا على مستوى الجامعة. لكن لا نعلم كيف تكون الحال في العام المقبل، وهل يغادر المزيد من الأساتذة أسوة بالجامعات الأخرى. لذا أوجه سؤالاً للمسؤولين: هل الجامعات والتعليم العالي يستطيعان الاستمرار في ظل الأوضاع الحالية؟ فليجيبوا على هذا السؤال، ويقولوا لنا إذا كانوا يخافون على مستقبل شباب لبنان أم لا؟

ربما الإجابة على سؤالك ستكون سلبية، كما نرى في سائر القطاعات في لبنان. هل تعمل الجامعة على حل ذاتي وترفع رواتب أساتذتها؟ 

دفع الرواتب يعتمد على الدخل. عندما لا يكون دخل الجامعة كافياً، من أين نأتي بالأموال لتغطية زيادة رواتب الأساتذة والموظفين؟ وحتى لو لجأنا إلى طلب الدعم الخارجي، من يقدم الدعم للجامعة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية؟ الوضع صعب وعلى لبنان الاعتماد على نفسه للحفاظ على التعليم العالي. فلا أحد يبكي على أحد. وأي دولة خارجية لن تهتم للتعليم في لبنان.

الطلاب الأجانب والعرب
كانت الجامعات اللبنانية مقصد الطلاب الأجانب والعرب. فهل تراجع عدد الطلاب انعكس بشكل كبير على "العربية"؟

لا، ليس فقط على الجامعة العربية، بل على الجامعات العريقة كلها، والتي كانت مقصد الطلاب الأجانب. لم ينخفض العدد كثيراً فحسب، بل اختفى طلاب بعض الدول كلياً. لقد كان التعليم العالي في لبنان منارة الشرق الأوسط. لكن في ظل الوضع الاقتصادي والصحي والأمني المنهار، من الطبيعي أن يقلق الطلاب على أنفسهم ولا يقصدون لبنان. الطلاب العرب الذين كانوا يقصدون لبنان اختفوا، وبحثوا عن دول أخرى. والأهم من ذلك، هناك خطر يجب أن يتنبه له المسؤولون: عندما يجد الطالب مكاناً آخر لن يعود إلى لبنان بتاتاً. 

هل نجحت الجامعة في التعليم عن بعد، وكيف تنظر إليه؟ 
نعتمد التعليم المدمج منذ زمن. وجهزنا الجامعة جيداً ونجحنا. لكن رغم كل الجاهزية لا يمكن الاعتماد عليه. التعليم عن بعد يهدد التعليم كله في لبنان. فالجامعات ليست لمنح الشهادات، بل لتكوين شخصية الطلاب بالتفاعل فيما بينهم، وفي المحيط الجامعي. ولا يمكن للتعليم عن بعد أن يكتسب الطالب المهارات المطلوبة. ويجب وضع قوانين حول هذا التعليم وتطبيقها على الجامعات، وجعله بنسبة معينة لمواكبة التطور. فلا يمكن استمرار الوضع الحالي. ولا يعقل أن يتخرج الطبيب عبر الأنترنت. واكتساب المهارات أهم من الشهادات. والجامعات باتت مهجورة والجميع في بيوتهم، مع كل ما يصاحب ذلك من مشاكل نفسية. 

مواجهة الوباء
الجامعة الأميركية في بيروت وبعض الجامعات الأخرى بدأت بإعداد تصورات لتلقيح الأساتذة والطلاب. هل من خطة لمواجهة كورونا في ظل استمرار الوباء، للعودة إلى التعليم الحضوري؟

نعمل على وضع خطط استراتيجية في هذا المجال. ونعمل على مخطط للتعامل والتواصل مع الطلاب في حرم الجامعة. فامتحانات الدخول لا يمكن أن تكون إلا حضورية. ونطالب بإجراء امتحانات الثانوية العامة، وعدم اللجوء إلى الإفادات. لأن مستوى الطلاب انخفض كثيراً. فالامتحانات عن بعد كذبة كبيرة، ولا تقيس مستوى الطالب في التحصيل العلمي. لذا نضع تصورات مستدامة لكيفية الاستمرار في السنوات المقبلة. فلا يعقل ألا يرى طلاب هذه السنة  الجامعة، ولا يتعرفوا على الأساتذة، رغم عملنا الدؤوب على احضارهم بقدر المستطاع. لكن لا يمكن الاستمرار على هذا النحو. لذا أطالب المسؤولين بتلقيح الطلاب أسوة بكبار السن، كي نؤدي دورنا لمستقبل البلد. فالجامعة ستعمل على تلقيح الهيئات التعلمية والموظفين. لكن لا قدرة للجامعة على تلقيح نحو ثمانية آلاف طالب، فيما ثمن اللقاح نحو 40 دولاراً نقدياً، وفي الوقت نفسه أموال الجامعة محجوزة في المصارف، وتُسحب على أساس سعر صرف المنصة. 

الطلاب والعمل السياسي
بخلاف الجامعات العريقة، لماذا يغيب العمل السياسي للطلاب في جامعتكم؟ ولماذا تغيب الانتخابات الطلابية؟ ولماذا يمنع الطلاب من تنظيم أنشطة سياسية؟ ألا يؤثر هذا الأمر على تكوين شخصية الطلاب وكيفية انخراطهم في المجتمع؟

أتمنى تنظيم انتخابات طلابية في الجامعة، وأن ينشط الطلاب سياسياً. فلطلاب جامعتنا حرية التعبير عن الرأي، ولديهم ممثلين في مجالس الكليات. ولهم حضور مثل الأساتذة. نحن لا نتدخل في سياسة البلد. لكننا نوعي الطلاب سياسياً عبر غرس فكرة المواطنة والانتماء إلى البلد. ونحن أول جامعة في الشرق الأوسط تؤسس مركزاً لحقوق الإنسان، وأول جامعة تدرس هذه المادة للطلاب. لكن لن أسمح للصراع السياسي الموجود في لبنان ولا لصراع الأحزاب، أن ينتقلا إلى حرم الجامعة، فتنشأ صراعات داخلية مماثلة بين الطلاب. فهل من مصلحة الطلاب سيطرة الأحزاب عليهم، وتدخل رجال الأمن لفض المشاكل ووقوع إصابات بينهم، نتيجة الصراعات السياسية والطائفية؟! صراعات الأحزاب كبيرة في هذا البلد الصغير. وبالتالي أعمل على حماية الطلاب من الدخول في مثل هذه الصراعات. لكن عندما تستقر الأمور في لبنان ويصبح العمل السياسي جدياً ولخدمة البلد، سأرحب بهذا الأمر.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها