الجمعة 2021/11/19

آخر تحديث: 17:33 (بيروت)

حي السُّلم: العائلات التي تأكل "ميسورة الحال"!

الجمعة 2021/11/19
حي السُّلم: العائلات التي تأكل "ميسورة الحال"!
تبرز في حيّ السلم أزمة طوفان نهر الغدير مع كل شتوة (المدن)
increase حجم الخط decrease
لطالما ارتبط اسم هذه المنطقة بصفات عديدة. فهي "الأكثر فقراً" و"مملكة الفقر"، و"مكب للنفايات" وسواها. لكن ما إن تطأ قدماك حيّ السلم في الضاحية الجنوبية، وتشعر بالدوار الناتج عن الروائح النتنة المنبعثة من أكوام النفايات وفيضان المجاري، حتى تدرك أن هذه التسميات جميعها لا تستوفي توصيف حال مجتمعية مهمشة. فهذا الحيّ المنسي قد يكون الصورة الأدق لحال البلد، في بؤسه وفقره وحرمانه، ونفاياته ومجاريه، وغياب الوعي والفرص، وانتشار البطالة وعمالة الأطفال. وتنقل "المدن" شهادات من أهالي المنطقة، ولكل منهم قصّة حية تصوُر واقعاً أليماً، لكنهم جميعاً حذروا من ظاهرة جديدة، بدأت تتكشف في المنطقة المكتظة سكانياً..

إيجارات وسلع
يقول علاء السيّد -30 عاماً ويعمل في سوبرماركت صغير- إن أكثر من 20 شخصاً يتوافدون يومياً من بيروت، هرباً من غلاء أسعار إيجارات الشقق فيها، ليسألونه عن أسعارها في المنطقة. ويضيف: "هنا ارتفعت الإيجارات أيضاً، ولكنها لا تزال أرحم من بيروت وضواحيها. إذ تبدأ أسعار الشقق السكنية من 400 ألف ليرة إلى 800 ألف كحد أقصى". ويلفت علاء إلى غياب المؤسسات الحكومية التام والبلديات عن المنطقة، ويقول: "تأتي مساعدات خاصة لحي السلم إلى بلدية الشويفات، لكن الأهالي لا يستلموها!".

أم محمد -صاحبة دكان، وتقطن منذ 30 عاماً في المنطقة، هي مهجّرة من بلدة عيترون الجنوبية إبان الاحتلال الإسرائيلي- تروي تجارب يومية عن معاناة الأهالي: دخلت إحداهن مرّة إلى المحل وطلبت كيلو بطاطا، لكنها خرجت من الدكان ما أن علمت أن سعره 12 ألف ليرة. زبون آخر اشترى ربطة خبز، ولما عرف أسعار المعلبات، خرج متمتاً: آكل الخبز وحده، ويكفي لسدّ الجوع. وأحياناً يدخل الزبون حاملًا 4 آلاف ليرة، ويصرّ على شراء سلع غذائية بكلفة 14 آلاف ليرة. وتقول أم محمد: "إييييه.. رزق الله لما كانت الناس تشتري شوكولا وعصير وشيبس وبوظة". وهي ترفض التهم بأن أهالي المنطقة "متعدين"، موضحة: "نحن مُلاك، المتعدون هم القاطنون على ضفاف مجرى نهر الغدير".

عمالة الأطفال
محمد شرّي، شاب عشريني أصبح عاطلاً عن العمل منذ فترة، يقول إنه يتقن مهنة "كهرباء السيارات"، لكنه قطاع بات غير مطلوب. وهو حالياً يبحث عن عمل كحال عدد كبير من شبان المنطقة. يرفض العمل براتب شهري يبلغ مليوني ليرة لبنانية، وسط تضخم خيالي للأسعار وخصوصاً المازوت. وتبرز أيضاً مشكلة التعليم، مقابل ظاهرة عمالة الأطفال. فنادراً ما تصادف من أكمل تعليمه الثانوي. ويعزو محمد سبب عدم إكمال تعليمه إلى البيئة المحيطة. فهنا يترعرع الطفل في بيئة تشجع على التسرّب المدرسي. وهو كان يشاهد الأولاد يلعبون ويضحكون في الشارع، فينضم إليهم ولا يذهب إلى مدرسته. السبب الثاني هو عدم قدرة العائلات على تغطية نفقات ومستلزمات المدرسة. أما السبب الأخير فيكمن في قلة الوعي لدى الأهالي. فهم يرحبون بالدخل المالي الإضافي لـ"رجل البيت الصغير". وبدوره يشعر الطفل بالفخر لقاء حصوله على مبلغ مالي بسيط. يشير محمد إلى أن أطفالاً كثيرين من حي السلم يعملون في مطبعة في بيروت.

تجارة بلا زبائن
ريمان خليل حيدر (32 سنةً)، صاحبة محل ألبسة ولانجري، أم لطفلين. وولدت في الحيّ، وتنتمي إلى عائلة مهجّرة من بعلبك. ويكاد محل ريمان يخلو من البضاعة، بسبب ندرة الزبائن. تقول ريمان: قد تمر 4 أيام من دون أن يدخل زبون واحد. لا تنكر أن الحظ يبتسم لها أحياناً. فهي جنت في يوم حوالى 200 ألف ليرة، دفعتها بدل إيجار المحل.

وتحدث أحمد قيس -40 سنة، وصاحب فرن وبسطة خضر، وأب لثلاثة أولاد، ولد في بيروت وينتمي لعائلة مهجّرة من بعلبك- عن استراتيجية التُجار في حي السلم: أبيع منقوشة الزعتر بـ5 آلاف فقط، فيما الفرّان في بيروت يبيعها بـ10 آلاف. هنا يعتمد التاجر على مبدأ الربح القليل والبيع الكثير. ويضيف: في الأوضاع الاقتصادية الأخيرة، أصبح الزبون يشتري بالحبة والحبتين، عدا عن غياب سوق للفاكهة بسبب ارتفاع سعرها. ويلفت إلى أن جودة البضاعة في المحل متدنية. فالأهالي يفضلون البضاعة الرخيصة بغض النظر عن جودتها. وبعض الناس باعوا كل ما يملكونه خلال الأزمة الاقتصادية: قطع ثياب وأثاث البيت وسواها.

نهر الغدير
وتبرز في حيّ السلم أزمة طوفان نهر الغدير مع كل شتوة. وهي أزمة تكبّد الأهالي الفقراء خسائر مالية وصحية (جراء الأمراض الناتجة عنه). يقول مسؤول الإعلام في بلدية الشويفات طارق أبو فخر: مشكلة نهر الغدير من اختصاص وزارة الاشغال. لكن الوزارة عاجزة عن القيام بواجباتها بسبب الأزمة الاقتصادية. لذا نحن كبلدية قمنا بالتعاون مع متعهد يدعى غسان مفرج بتنظيفه، لأننا لا نريد أن نترك أهالي مجمع نهر الغدير في مهب الريح. لكن المسؤولية تقع أيضاً على المواطن، يقول أبو فخر. فعلى المواطن أن يحمي نفسه، فمثلاً هل يجوز رمي قطعة أثاث في النهر؟!

ويشير أبو فخر إلى أن معاناة الأهالي في مجمّع الغدير والتي تشمل حي السلم، تتطابق مع المآسي التي تعانيها مناطق أخرى عدة. فمثلاً، لا كهرباء مقابل ارتفاع في فواتير الاشتراكات، إضافة إلى عدم القدرة على تأمين المياه. وهو يقول: لدينا 7 محطات مياه تابعة لوزارة الطاقة. لكن البلدية غير قادرة على شراء المازوت لضخ المياه. والدولة لم تمدّنا بالمازوت المدعوم، وهنا بدأت مشكلة المياه تتفاقم.

وهو يتطرق إلى السبب الرئيسي للمشاكل التي تواجه البلدية: ارتفاع قيمة المصاريف لدى بلدية الشويفات، نتيجة التضخم المالي، وعدم وجود إيرادات مالية من المستثمرين أو الدولة. ما يقيّد قدرة البلدية على تلبية احتياجات المواطنين. ويشرح أبو فخر أن البلدية محكومة بقوانين إدارية في صرف المال لرواتب العمال ومصاريف الصيانة. وهي جميعها خاضعة للتسعيرة القديمة للدولار، أي 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. ويقدّم أبو فخر أمثلة وشواهد على العرقلة الحاصلة في البلدية، نتيجة هذه القوانين. ففي حال أرادت البلدية تغيير "ديجنتير" كهرباء في المنطقة، فإن كلفته الحالية 150 دولاراً، ما يعادل 3-4 مليون ليرة. لكن تسعيرته في جداول الدولة ما تزال 225 ألف ليرة لبنانية. وإذا أرادت البلدية صيانة المجاري، فهناك مواد ينبغي شراؤها لتسكير أو فتح المجرور، وهي مواد تخضع للتسعيرة المتطابقة مع التضخم المالي في البلد.

وعن ندرة اليد العاملة، يضيف أنه بحكم القانون، ما تزال أجرة العامل اليومية تبلغ 37 ألف ليرة لبنانية. وهذا راتب لا يتكفل بكلفة النقل. لذا يعاني قسم الأشغال في البلدية من ندرة العمالة. ومقومات الصمود صفر. ويتابع: هل يمكن تخيل بلدية من دون إطفائية؟! علماً أن هذه المنطقة كثيفة السكان.

أموال اليونيسف
ورصدت منظمة اليونيسف، حسب اتحاد بلديات الضاحية، مبلغاً وقدره ربع مليون دولار لتأهيل البنى التحتية في منطقة حي السلم. ورغم أن سكان المنطقة نفوا وجود مثل هذا المشروع أو علمهم به، يقول رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام إن الهدف من المشروع هو تأهيل خطوط شبكات الصرف الصحي في المنطقة، وتركيب أنابيب جديدة في عدد من الأحياء، ووضع أغطية ريغارات وتقديم وصلات منزلية للبيوت.

لكن المشروع يشمل أحياء من حي السلم فقط، وليس المنطقة بأكملها. وذلك لأن تأهيل المنطقة يحتاج إلى أكثر من مشروع ومبالغ طائلة. وأشار درغام إلى أن عدد سكان مجمّع الغدير والليلكي وحي السلم، هو مئة ألف نسمة.

والمشروع يؤثر إيجاباً على اليد العاملة في المنطقة. فالمنظمة والجهات المانحة تشترط أن تكون العمالة المنفذة للمشروع من أهالي المنطقة حصراً، بمرتب يومي يبلغ ما بين 8-10 دولارات "فريش". لكن هذا المشروع يغطي نسبة قليلة لا تتخطى 1 في المئة من اليد العاملة في المنطقة.

لا تقتصر مآسي منطقة حي السلم على طوفان النهر مع بداية كل شتاء. فالمشاكل لا تُعد ولا تحصى: نقص كبير في الخدمات، عدا عن تآكل البنى التحتية، وغياب فرص العمل، وضعف التنمية. ويقول أحد القاطنين في حي السلم إن العائلات التي تستطيع تأمين مأكلها ومشربها وترسل أولادها إلى المدارس، هي بمعاييرنا "ميسورة الحال".

*"أنتج هذا الموضوع بدعم من برنامج النساء في الأخبار التابع للمنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء "وان-ايفرا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها