السبت 2021/10/16

آخر تحديث: 13:08 (بيروت)

المتعلمون هم الأكثر تعاطياً للمخدرات والنساء هن الأكثرية

السبت 2021/10/16
المتعلمون هم الأكثر تعاطياً للمخدرات والنساء هن الأكثرية
أزمة انهيار العملة الوطنية غيرت سوق المخدرات (Getty)
increase حجم الخط decrease

"الماريجوانا، الأفيون، الهيروين، الكيتامين، الكوكايين.."، تعددت الأنواع والنتيجة واحدة. إنها الإدمان على المخدرات التي تجتاح لبنان وتنهش بشبابه من دون رحمة. لا إحصاءات رسميّة دقيقة حول عدد المدمنين ومروجي المخدرات. لذا، تقوم بعض الجمعيات المدنية التي توفر الوقاية والعلاج لمتعاطي المخدرات ببعض الدراسات والإحصاءات. وفي دراسة إحصائية أجرتها جمعية "سكون"، شارك فيها 3274 شاباً وشابة، تراوحت أعمارهم بين 18 و35 سنة من مختلف المناطق اللبنانيّة، بهدف معرفة  نسبة تعاطي المواد المخدرة وأنواع هذه المواد بين الشباب. وأظهرت هذه الدراسة أن "المتعلمين" هم الأكثر استخداماً للمواد المخدرة. إذ وصلت نسبتهم إلى حوالى 49%. أما الفئة العمرية الأكثر تعاطياً للمخدرات فهي فئة الشباب للذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 سنة. أما المفاجأة فهي أن النساء هن في الصدارة! إذ بلغت نسبتهنّ 53% مقابل نسبة الرجال 47%.

هذه النتائج الإحصائية، تعاكس الانطباعات الرائجة التي كانت تصوّر المدمنين بوصف أغلبيتهم من الفقراء الأميين أو من الرجال.

ترويج المخدرات في الملاهي الليلية
سمر، وهي فتاة عزباء في 25 من عمرها،عانت منذ الصغر من انفصال والديها، بسبب إدمان والدها على الكحول وتعنيفه لوالدتها بعد كل حالة سُكر. توقفت عن متابعة دراستها التعليمية بسبب عدم قدرة والدتها عن دفع كامل المستحقات المالية للمدرسة؛ فوالدها لا يساهم ولو بقرش بمصاريف الأسرة على حد قولها. نشأت سمر في بيئة مفككة منذ الصغر. عانت سمر من مشاكل نفسية جعلت فكرة الانتحار ملازمة لها، وبهدف الخروج من وطأة هذه الحالة، لبّت دعوة إحدى صديقاتها للسهر في ملهى ليلي في بيروت. وعلى الرغم من أنها المرة الأولى لدخول سمر الملاهي الليليّة، ألا أنها سعت جاهدة بالادعاء أنها لطالما اعتادت السهر الليلي، وخلال سهرتها الأولى عُرضت سيجارة "الحشيش" التي كانت بحوزة صديقتها، لم تتردد سمر أبداً. فهي كانت متحمسة وبحاجة للاندماج مع هذه الأجواء؛ وما هي إلا دقائق حتى انتابتها موجة من الضحك والشعور بمزاج جيد. وعند عودتها إلى المنزل طلبت من صديقتها إعطاءها سيجارة أخرى لتدخينها عند شعورها بالإحباط، فقد اقتنعت أن هذه السيجارة تعدّل المزاج السيء. لم يتوقف الأمر هنا، فقد تعلمت سمر مهارة لف السيجارة وباتت تشتريها بالغرام من صديقتها!

من فتاة حشرية إلى مروّجة جديدة
تضيف سمر في حديثها لـ"المدن" أن الحشرية جعلتها تدمن المخدرات من دون إنذار. فمن سيجارة الحشيش انتقلت  لشم الكوكايين! ولا مانع لديها من تجربة باقي المواد المخدرة خلال سهرها، وهي غير نادمة على خوضها هذه التجارب، رغم معرفتها بأضرارها الصحية، التي قد تصل إلى الموت في كثير من الأحيان. ولكن تبرر أخطاءها بعبارة "من لمّا خلقت والحزن مرافقني.. ما عندي شي إخسرو خليني انبسط شوي"! تناقض كلامها من دون أن تشعر. فهي من جهة تصنّف نفسها بأنها غير مدمنة كونها قادرة على إيقاف تعاطي هذه المواد المخدرّة  متى شاءت، ولكنها من جهة أخرى تخاف أن يتوقف مصدر المال الذي تجنيه يوميا، طالما أنها تقوم بمساعدة صديقها، الذي التقت به في الملهى أثناء تدخينها الحشيش، بنقل المواد المخدرة بطرق إحتيالية وتوزيعها على الزبائن.

أسعار المخدرات وارتفاع الدولار
"بودي"، وهو إسم مستعار لمروج مخدرات في برج حمود، وهو في 29 من عمره، منفصل عن زوجته بسبب عدم قدرتها على تقبّل نمط حياته كمدمن ومروّج للمخدرات. بعمر 19 سنة درس اختصاص إدارة الأعمال في جامعة خاصة لبنانيّة. أدمن المخدرات خلال دراسته برفقة زملائه، حين قاموا بتجربة بعض المواد المخدرة التي أحضرها صديقهم. ومن ثمّ عملوا على ترويجها بين الطلاب خلال سنوات الدراسة، وأكمل عمله كمروّج خارج الجامعة بعد أن تركها دون أن يحصل على شهادة جامعيّة. يعبّر بودي عن أسفه بعمله كمروج للمواد الممنوعة، فهو لطالما كان يحلم بأن يصبح مديراً في إحدى الشركات المرموقة.

يشرح بودي لـ"المدن"، كيف تغيرت أسعار المخدرات بسبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانيّة. فـ"الأخضرالوطني" ويقصد به "الحشيشة" كان الغرام بدولار واحد أي 1500 ليرة لبنانيّة. أما اليوم فيتراوح سعر الغرام الواحد بين 5000 ليرة و8000 ليرة حسب نوعية الحشيش. أما "الأبيض" أي الكوكايين، فهو بسعر بين 30 و50$ للغرام الواحد، أي كان قديماً بين 45 ألف ليرة لبنانية و75 ألف ليرة لبنانيّة. أما اليوم فيصل سعره بين  570 ألف ليرة لبنانية و900 ألف ليرة لبنانية، إذا اعتمدنا سعر الصرف اليومي الذي لامس عتبة 19 ألف ليرة للدولار الواحد.

بينما "الأخضر الأجنبي" فإن "الواقة" الواحدة تباع بمليون وسبعمئة ألف ليرة لبنانية. والحبوب السعيدة  تختلف أسعارها تبعاً لنوعيتها، ولكنها تتراوح بين 5$ و13$، حسب سعر الصرف. أما حبوب الكبتاغون فإنها وصلت إلى 15 ألف ليرة لبنانية للحبة الواحدة.

المدمن.. مجرم حتى يثبت العكس!
الإدمان على المخدرات رحلة سوداء مشؤومة، كوحش لا يشبع فاغر فمه ليبتلع المزيد من البشر من دون أن يكون هنالك ثمة بارقة أمل لإنقاذهم، ما لم  تتلاقَ جهود مختلفة؛ تشريعيّة، وتنفيذيّة، وإعلاميّة، وتربويّة. وعليه، وحسب القانون اللبناني والتشريعات التي وضعت، فقد نصت المادة 127 من القانون اللبناني إلى العقاب "بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات وبدفع غرامة ماليّة تتراوح من مليونين إلى خمسة ملايين ليرة لبنانيّة لكل من حاز أو اشترى كمية ولو ضئيلة من مادة شديدة الخطورة من دون وصفة طبية وبقصد التعاطي..". إذ يعد الإدمان أو الإتجار فعلاً إجرامياً مثل أي مرتكب لجريمة قتل أو سرقة وغيرها.. وهذا مثار جدل مديد، خصوصاً في موضوع "تجريم" المدمن.

وبهدف الحد من انتشار الإدمان، فقد تفرغت  جمعيات رسميّة تابعة للدولة اللبنانيّة وجمعيات مدنية، مثل "الرياضة ضد المخدرات"، وهي مرخصة من وزارة الشباب والرياضة، و"تجمع الشباب الخيري"، وهي مرخصة من وزارة الداخليّة وتُعنى بالأيتام  وأولاد المدمنين، وجمعية "أهل ضد المخدرات"، إضافة إلى جمعية جاد المتخصصة بالتوعية والوقاية من تعاطي المخدرات. إضافة إلى الحملات التوعوية التي تقوم بها الدولة اللبنانية للحد من خطورة هذه الافة المنتشرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها