الخميس 2020/04/02

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

العائدون من إيطاليا: قنبلة كورونا.. و"التيكت" على حساب الدولة

الخميس 2020/04/02
العائدون من إيطاليا: قنبلة كورونا.. و"التيكت" على حساب الدولة
إخلاء طلاب من مجمع سكني في إيطاليا (Getty)
increase حجم الخط decrease
بينما يستعد طلاب لبنانيون في إيطاليا للعودة إلى لبنان، بعدما فتك وباء كورونا في بلاد دانتي، ظنا منهم أن حال اللبنانيين أفضل من الإيطاليين المحجورين في منازلهم، ها هم أقرانهم في الجامعة اللبنانية يستعدون لإطلاق صرخة كي تعفيهم الجامعة من إيجار السكن في المساكن الطلابية، لأنهم تركوا غرفهم ولجأوا إلى قراهم أولاً، وبسبب توقف معيليهم عن العمل في ظل الأوضاع "الكورونية" والاقتصادية الحالية ثانياً. 

ربما يظن الطلاب في مغتربهم الإيطالي أن المصارف، التي تمتنع عن تحويل أموال أهاليهم إليهم، فتحت أبوابها أمام المواطنين وعادت لتعطيهم حصصهم الأسبوعية من حساباتهم. أو ربما لا يعلمون أنها تتفن في الحجر المصرفي على أموال ذويهم، وأوقفت السحوبات بالدولار "البائت"، وعمدت على تنقيط الدولار "الطازج". هذه أمور مالية لا علاقة لهم بها، همهم الوصول إلى لبنان لتمضية أيامهم "الكورونية" برفقة العائلة.   

هنا قصص مواطنين وطلاب لبنانيين يعيشون في الشمال الإيطالي، حيث يتفشى وباء كورونا، ويريدون العودة إلى لبنان للبقاء إلى جانب أهاليهم، بعدما ضاقت بهم منازل الحجر في إيطاليا. 

يعيش وليد كريمة في مدينة ميلانو منذ العام 2006، وتخرج في الطب العائلي ويعمل كطبيب بديل في المدينة، فضلاً عن عمله في قسم الرعاية الصحية، التي تهتم بالمرضى الذين يصابون بعوارض طارئة في المساء. 

ما زال كريمة في المنزل منذ أكثر من عشرين يوماً، عندما أعلنت الحكومة الإجراءات المشددة وحجرت جميع الإيطاليين في منازلهم. ورغم أنه طبيب ويفترض أن يزاول مهنته كالمعتاد بل وأكثر في هكذا حال، فضل المكوث في المنزل بعدما شعر منذ أسبوعين بعوارض رشح وحرارة وأوجاع في مختلف أنحاء جسمه. ولكونه أدرك أن هذه العوارض قد تكون كورونا، خصوصاً أن ميلانو أول مدينة إيطالية على مستوى انتشار الوباء، حجر على نفسه ولم يخرج من البيت. وابتعد عن زميله الذي يقاسمه المنزل، متخذاً كل الإجراءات لعدم نقل العدوى.  

بعد الإجراءات المشددة وتوقفه عن العمل، فضل كريمة العودة إلى لبنان. ولدى سؤاله عن عدم تطوعه مع الأطباء الإيطاليين، وخصوصاً أن هناك نقصاً حاداً في الأطباء، لفت إلى أن أهله منذ اندلاع الأزمة وهم قلقون عليه، ويطالبونه بالعودة لتمضية هذه الفترة معهم، لحين انتهاء إيطاليا من هذا الفيروس. ففضل طمأنتهم. ورأى أنه من الأفضل له العودة مؤقتاً والبقاء بجانب عائلته في عكار. 

حاول التواصل مع القنصلية اللبنانية في ميلانو، "لكنهم لا يكترثون بالمغتربين"، كما قال. من خلال بحثه على وسائل التواصل الاجتماعي وجد بريداً إلكترونياً تحت عنوان (consolare.libano@gmail.com) فأرسل لهم طلباً يبدي فيه رغبته بالعودة. لكنه عاد وتفاجأ بأن القنصلية في ميلانو وضعت على موقعها الإلكتروني تحذيراً للبنانيين من الإيميلات التي تصلهم من جهات غير معروفة، وطلبت منهم مراسلتها على بريدها الخاص. وبالفعل ملء استمارة وأرسلها للسفارة واتصل بهم. لكنهم أبلغوه بعدم معرفتهم بالإجراءات التي سيتخذونها، وقالوا له إنهم سيتصلون به لاحقاً.   

المصارف هي السبب
في تورينو يعيش محمد كمال منذ عشر سنوات، وبقي أمامه القليل لإنهاء شهادة الدكتوراه في الاقتصاد. لا يريد كمال العودة إلى لبنان بسبب ارتباطاته وعمله في الجامعة. لكنه على تواصل مع القنصلية والسفارة في روما، لتجميع المعلومات عن الطلاب اللبنانيين الذين يرغبون بالعودة إلى لبنان. 

وعن الأعداد التي سُجلت للعودة، كشف كمال أنهم نحو 400 لبناني، من ضمنهم نحو 150 طالباً. وبسبب تواصله معهم يعرف معاناتهم عن كثب كما قال. إذ أن السبب الأساسي الذي دفع بهؤلاء الطلاب إلى العودة هو الضائقة المالية، بعدما توقفت المصارف عن تحويل الأموال. وأضاف أنه رغم كل ما قيل عن أن جمعية المصارف وعدت بحل أزمة الطلاب، إلا أن شيئاً لم يحصل. فقد طلبت المصارف من أهالي الطلاب تأمين الدولار من السوق لتحويلها إلى إيطاليا. 

الشاب الطرابلسي
بعكس كمال، يفضّل عبد الله عيواظة العودة إلى لبنان في المرحلة الحالية. فهو يعيش في مدينة بادوفا يعمل ويتعلم في الوقت ذاته. أتى إلى إيطاليا منذ عشر سنوات للتخصص في هندسة الطيران، لكنه لم يتخرج بعد لأنه يعمل في مطعم كي يعيل نفسه. ومازال عليه إنهاء بعض المواد ومشروع التخرج ليختم دراسته. 

بعدما فقد عيواظة عمله منذ نحو شهر، وجد أنه من الأفضل له العودة إلى لبنان، لتمضية هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها إيطاليا في طرابلس بجانب عائلته. فأقله في لبنان سيكون في بلده ولديه من يهتم به ويسامره، بينما هناك بات وحيداً في حجره المنزلي، بلا عمل ولا جامعة، كما يقول. 

ومثل كريمة تواصل عيواظة مع القنصلية في ميلانو أكثر من مرة، لكن أحداً لم يجب عليه. فتواصل مع لبنانيين آخرين، وعلم أن عليه إرسال استمارة إلى القنصلية. لكنه لا يعرف ما هي الإجراءات التي يجب أن يقوم بها. وجل ما يعرفه أن السفارة ستؤمن لهم طائرة. وسيكون على متنها طاقم طبي. وسيجرون الفحوص للجميع قبل مغادرة المطار. وسيفصلون المرضى عن الأصحاء. وفي لبنان، سينقلون المرضى إلى المستشفيات. بينما باقي الأشخاص سيأخذونهم إلى العزل في مراكز مخصصة، كما قال.   


من يدفع التكاليف؟
أما عن أوضاع الطلاب، فيشرح كمال أنهم باتوا قلقين بسبب تفشي الوباء. ويعاني معظمهم من ضائقة مالية، خصوصاً أولئك الذين لا يملكون منحاً دراسية. فمعظم هؤلاء الطلاب كانوا يعملون في المساء، وعندما فقدوا عملهم باتوا يطلبون العون من أهلهم. لذا، وفي ظل الحجر المنزلي وعدم القين من موعد انتهاء الأزمة، يفضلون البقاء مع عائلاتهم في لبنان. فهنا في إيطاليا قد يصابون بكورونا ولا يجدون أحداً بجانبهم. 

وفق كمال يدرك جميع هؤلاء الطلاب أن إمكانية نقل العدوى إلى لبنان وارداً. وبالتالي سيعمدون إلى اتخاذ كل الإجراءات، والعمل بكل نصائح وزارة الصحة. فلا مشكلة في ذلك، حتى أن من يرى نفسه مصاباً سيبقى في إيطاليا. لكن المشكلة الكبرى، وفق كمال، ليس نقل العدوى إلى لبنان، بل في تكبد تكاليف بطاقة السفر. فهم لا طاقة لهم على دفعها ولا حتى أهلهم في لبنان. لذا يطالبون الدولة بتكفل أعباء سفرهم.  

أما عيواظة فلا يعرف إلى حد الساعة من سيتكبد ثمن بطاقة السفر إلى لبنان. ويرى أنه في حال كانت الدولة سيكون الأمر جيداً. غير ذلك، على شركة الطيران مراعاة وضعهم أقله. أما في حال كانت بطاقة السفر باهظة الثمن، فهو شخصياً سيفضل البقاء في إيطاليا.

هناك أخطاء كثيرة أرتكبها الإيطاليون في مواجهة الوباء عندما بدأ بالتفشي في مقاطعات الشمال، كما يقول كريمة. فعندما أعلنت الحكومة الإيطالية الإجراءات الجديدة وطلبت من جميع السكان عدم مبارحة منازلهم، وأقفلت المؤسسات، غادر أهالي الجنوب من ميلانو وعادوا إلى بيوتهم للبقاء بجانب أهلهم. فنقلوا العدوى من الشمال إلى الجنوب. لكن رغم ذلك هو شخصياً يريد العودة إلى لبنان.

يدرك كريمة أنه ربما يكون مصاباً بكورونا، حتى أن سعاله ما زال واضحاً على الهاتف. لكنه يؤكد أن القنصلية ستجري فحوصاً لجميع الراغبين بالعودة قبل سفرهم. وفي حال تبين أنه مصاب سيعدل عن الفكرة ويبقى في إيطاليا، كما قال. 

كما أنه عندما يعود إلى لبنان سيحجر نفسه لمدة أسبوعين في منزل أخيه في عكار. فهو طبيب ويعرف كيف يتعامل مع هذا الفيروس، كي لا ينقل العدوى لذويه. وبعدها يذهب إلى مستشفى الحريري ليجري فحصاً للتأكد من أنه معافى، كما قال.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها