الثلاثاء 2020/03/31

آخر تحديث: 18:02 (بيروت)

مهاجرون لـ"المدن": كورونا إيطاليا أرحم من مصائب لبنان

الثلاثاء 2020/03/31
مهاجرون لـ"المدن": كورونا إيطاليا أرحم من مصائب لبنان
مواد غذائية في ساحة عامة ببلدة إيطالية هبة لكل من يحتاجها (Getty)
increase حجم الخط decrease
عندما سمعت أن لبنانيين في إيطاليا يستغيثون الدولة اللبنانية لإعادتهم إلى لبنان، راودني الشك بأنني لم أعش في ذاك البلد لست سنوات.

قرأت، حقاً، أن جمعية أصدقاء لبنان في إيطاليا (مقربة من حزب الله، وتنظم مراسم عاشورائية في إيطاليا، وينشر القيّمون عليها صوراً وملصقات لدعم حزب الله) والجمعية الثقافية في سردينيا (زار وفد منها بشار الأسد في العام 2013 لدعمه "في التصدي للحملة الإمبريالية عليه") دعتا الجالية اللبنانية في إيطاليا للمشاركة في استطلاع رأي لمعرفة ما إذا كانوا يرغبون في العودة إلى لبنان، في ظل أزمة فيروس كورونا التي تجتاح إيطاليا. وينتهي الاستطلاع يوم الأربعاء في 1 نيسان، لمعرفة العدد الفعلي للراغبين في العودة. وتبين -حقاً- أن هذه الجمعيات تنشط لمساعدة اللبنانيين المحتاجين هناك ولا سيما الطلاب، لمواجهة أزمة التحويلات المالية. وجمعت لهم تبرعات. 


لكن هل فعلاً يفكر اللبنانيون في العودة إلى لبنان؟ هل يتركون بلدهم الثاني الذي رعاهم وطببهم ومنحهم حقوقهم، ليعودوا إلى بلد هجروه منذ عشرات السنوات بعدما ألقى بأهاليهم أو أقاربهم موتى على أبواب المستشفيات؟ 

استغربت فعلاً وسألت نفسي: هل إيطاليا التي عشت فيها مجحفة بحق المهاجرين وتتركهم خائرين جوعاً وبلا طعام؟!

هنا قصة لبنانيان يعيشان في مقاطعتي لومبارديّا وإيميليا رومانيا حيث التفشي الفعلي لوباء كورونا. 

يعيش حسن سبيتي في منطقة فاريزي، غير البعيدة كثيراً عن بؤرة الوباء في بيرغامو، في مقاطعة لومبارديّا. وهاجر منذ نحو ثلاثين عاماً إلى إيطاليا، وأنجب أربعة أولاد هناك. وكان يعمل في مجال التجارة وتوقف عن العمل منذ أربع سنوات.

يقرأ سبيتي يومياً عن ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بهذا الوباء، الذي بدأ بالتفشي في المقاطعة حيث يعيش، وما زال يفتك بها وبمواطنيها. يشعر بالهلع كلما سمع سيارات الشرطة وهي تنادي المواطنين عدم مبارحة البيوت. لكنه لم يفكر أبداً أن خيار العودة إلى لبنان أفضل له ولعائلته في انتظار انتهاء الأزمة الحالية.
لقد تأقلم حسن سبيتي مع الشعب الإيطالي، واندمج في العلاقات الاجتماعية. وبات لا يفكر بالعودة أبداً إلى لبنان. ففي النهاية، ستتخلص إيطاليا من هذا الوباء بعد حين، ليعود إلى مسامرة أصدقائه الإيطاليين، كما قال في حديث إلى "المدن". 


ويسأل سبيتي مستغرباً: هل فعلاً هناك من يريد العودة من إيطاليا إلى لبنان؟ هل يريدون العودة إلى بلد يموت فيه مواطنوه على أبواب المستشفيات؟ ويجيب: أنا أعيش بكرامة وحقوقي محفوظة وإنسانيتي أيضاً. لقد اختبرت شخصياً كيف يهرع الإسعاف لنجدتي ونقلي إلى المستشفى، وكيف أخرج منها من دون أن يسألني أحد عن دفع أي مبلغ قبل الحصول على الطبابة اللازمة. بينما ما زلت أذكر كيف كنت أعيش في لبنان بلا ضمان صحي وبلا استشفاء، وهذا من أبسط الأمور. ما زلت أذكر كيف يتوسل المواطن طبيباً قريباً كي يتطبب مجاناً، لأن الاستشفاء في لبنان للأغنياء فحسب.  

البلدية والإسعاف والشرطة
ليس بعيداً عن سبيتي، تعيش منى مصطفى في مدينة لم يتفشَّ فيها الوباء الذي يفتك بمقاطعة إيميليا رومانيا. إذ ما زال عدد الإصابات في قضاء رافينّا، حيث تعيش، نحو 400 حالة. 

انتقلت إلى العيش هناك مع أسرتها منذ قرابة العشر سنوات، بعدما اختبرت العيش في لبنان لعقود. وتقول: نسمع ونقرأ يومياً في بعض المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي الإيطالية عن أن الأطباء باتوا يعاينون المرضى على الهاتف، ويطلبون منهم الحجر المنزلي، ولا يسعفون إلا الحالات التي تستدعي الدخول إلى المستشفى. حتى أن بعض المواطنين ارتفعت صرختهم بسبب تأخر سيارة الإسعاف لنقل مرضاهم لأكثر من سبع ساعات، وماتوا قبل وصول فرق الإسعاف. لكنها تجزم أنه "حتى لو أمنت لي الدولة اللبنانية طائرة تحط في الحديقة التي بجانب بيتي لا أريد الذهاب إلى لبنان". 


وأضافت، منذ عشرين يوماً بتنا محتجزين في المنازل. وإذا أردنا الخروج للتسوق علينا إثبات السبب عبر تعبئة استمارة ننسخها عن موقع البلدية، ونكتب فيها مبررات الخروج. ونسمع عن أن الشرطة توقف كل الأشخاص وتتثبت من الأسباب، وإذا لم تقتنع بسبب الخروج تسطر محاضر ضبط، باتت حاليا نحو ثلاثة آلاف يورو. والتسوق محصور بالمتاجر القريبة من المنازل. ويجب تثبيت دواعي الخروج للعمل أو لطلب الطبابة... بالتالي، إذا نظرنا إلى الأمور من هذه الناحية نخاف. لكن ورغم توقف عمل زوجي لأكثر من عشرين يوماً، وتعويض الدولة له لا يتخطى الـ600 يورو في الشهر، فإني أفضّل الحجر المنزلي هنا على الذهاب إلى أي بلد آخر. لقد أعتدت على الحياة هنا، تقول.
وتتابع، تعرفت على ممرضين إيطاليين وعاملين في القطاع الصحي، وهم يطمئنون بأن الوضع الحالي في المدينة جيد، ليس هذا فحسب، بل أن المستشفيات هنا تستقبل مصابين من أقضية إيطالية أخرى. 

الطلاب وحاجاتهم
وعن كيفية تلبية متطلبات العائلة تقول: استطيع أن ألبي طلبات أسرتي من الطعام بعشرين يورو أسبوعياً إذا أردت. نستطيع أكل الباستا يومياً مع أنواع صلصة مختلفة، وبعض الخضار، بهذا المبلغ الزهيد، إلى حين انتهاء الأزمة. فهل تستطيع أي عائلة في لبنان تأمين هذه الحاجيات بهذا المبلغ؟ وتجيب أسمع يومياً عن الغلاء الفاحش في لبنان وعن أن سعر كيلو البازيلاء بات أكثر من 13 ألف ليرة... 

لسبيتي شابة وشاب كبيران. الشابة تخرجت وحصلت على شهادة دكتوراه، والشاب سيتخرج في الهندسة. وعن وضع الطلاب اللبنانيين يقول: سمعت أن بعض الطلاب لا يجدون ما يأكلونه، لأن أهلهم لم يتمكنوا من تحويل الأموال إليهم، ويريدون العودة إلى لبنان. لكن أنا على ثقة تامة إن الطالب الأجنبي له حقوق أكثر من ابني الإيطالي. أعلم جيداً أن الأغنياء وميسوري الحال في لبنان يزودون أولادهم بورقة فقر حال، ليحصلوا هنا بموجبها على منح تعليمية، وسكن طلابي ومصاريف معيشة. بينما لا يستطيع ابني الحصول عليها، لأنني ميسور الحال في إيطاليا. 

ويضيف سبيتي: قد يكون العمل الجزئي لبعض الطلاب توقف بسبب الأزمة. فمعظم الطلاب يعملون في المطاعم ليلاً. لكن الأزمة مؤقتة، وستعود الأمور إلى طبيعتها عاجلاً أم آجلاً. والجميع يعلمون أن الطالب في إيطاليا حقه في التعليم مصان بالدستور. وهذا ما يجعل إيطاليا ملجأ للأجانب للتعلم. 

أما منى مصطفى فتقول: البلدية، حيث أسكن، أصدرت قراراً بتأجيل دفع فاتورة تسوق الأغراض المنزلية. وسمعت أن الدولة ستسدد كل المبالغ المتراكمة للسوبر ماركت لاحقاً. وهناك مساعدات للطلاب شبيهة بالمساعدات التي تحصل عليها العائلات. وهذا النوع من القرارات يشمل كل البلديات، وتختلف التقديمات من بلدية إلى أخرى. إذ أن بعضها يقدم "كوبونات" لشراء الحاجيات الأساسية. لذا لا أعتقد أن في إيطاليا يوجد عائلة غير قادرة على سد رمق جوعها. ما سمعناه من بعض اللبنانيين مبالغ فيه حقاً، كما قالت. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها