الأحد 2020/01/05

آخر تحديث: 00:04 (بيروت)

عقاب جماعي لأهل عكار.. والانتحار فقراً بالمنكوبين

الأحد 2020/01/05
عقاب جماعي لأهل عكار.. والانتحار فقراً بالمنكوبين
في مثل هذا المنزل انتحر المواطن عبد القادر (Getty)
increase حجم الخط decrease

يبدأ العام 2020 بمآسٍ في طرابلس وعكار، تنذر بانفجار اجتماعي كبير يصعب ضبطه، في ظلّ جشع المصارف وكبار المتمولين بقضم حقوق الفقراء، وإذلالهم بلقمة عيشهم ورواتبهم.

في الشمال، بلغ الغضب الشعبي من الأحوال المعيشية ذروته، مقابل تفاقم الفقر المدقع وتسريح آلاف العمال يوميًا من أشغالهم واحتجاز أموال الناس داخل البنوك. الفاجعة الإنسانية، وقعت صباح السبت في 4 كانون الثاني، بعد أن لقي المواطن عبدالقادر.ج. (45 عامًا) حتفه في منزله في منطقة المنكوبين، إثر إقدامه على إحراق نفسه أمام زوجته بسبب أوضاعه المعيشية الصعبة.

وفي المعطيات الأولية لملابسات الحادث، فإنّ عبد القادر يعاني من تراكم الديون، ويعجز عن تسديدها. أقدم صباح السبت على محاولة حرق نفسه بواسطة رمي كمية من البنزين على جسده. وبعد أن حاولت زوجته، التي طلبت النجدة من الجيران والقوى الأمنية، منعه من هذه الخطوة.. لجأ إلى إشعال سيجارة فاشتعل جسده ومنزله بالكامل، إلى أن حضر فوج إطفاء طرابلس وأخمد الحريق في المنزل وساعد زوجته، لكنّ عبد القادر سرعان ما فارق الحياة جراء إلتهام النار لجسده.

هذا المواطن، وهو واحد من آلاف يعيشون ظروفاً مماثلة وأصعب منها، خسر حياته بنهايةٍ مأساوية. ويبقى دمه في ذمّة السلطة التي لا تؤمن أدنى مقومات العيش بكرامة.
واليوم، أحدثت قصّته صدمةً في المدينة وأنحائها، إزاء الخوف من لجوء آخرين إلى هذه الخيار للتخلص من ضغوطهم المعيشية والاقتصادية.

انتحر حارقاً نفسه ومنزله


أمّا في محافظة عكار، فكانت الصدمة يوم الجمعة بإصدار جمعية مصارف لبنان قرارًا يقضي بإقفال جميع فروع المصارف في عكار حتى إشعار آخر. وفي وقت لا تتوقف فيه المصارف عن تجاوز القوانين والدستور، وتجاهر بحجزها عنوةً لأموال المودعين الصغار ورواتبهم الشهرية، علّلت الجمعية قرارها، بـ"إزاء ما تتعرض له فروع المصارف في بعض المناطق اللبنانية من تعدّيات وانتهاكات تخالف القوانين المرعية، وتتعارض مع كلّ التحركات والطروحات الإصلاحية المشروعة، وشجباً للهجوم المستنكر والمدان على فرع بنك لبنان والمهجر في بلدة حلبا الشمالية، وما تخلله من تهديد لحياة وسلامة موظفيه وزبائنه".

ماذا جرى دار المصرف؟
هذا القرار التعسفي والمجحف بإقفال المصارف الذي يشكل عقابًا صريحًا لأهالي عكار، جاء على خلفية إطلاق ثوار ساحة حلبا حملة "التحرك ضدّ المصارف"، التي تهدف لـ"مساندة المودعين وإجبار الإدارة على إعطاء المواطنين أموالهم المحتجزة". لكنّ الإشكال الكبير، وقع داخل مصرف "لبنان والمهجر" في ساحة حلبا، بعد أن طلب أحد المواطنين مساندة أصحاب الحملة، للحصول على أمواله من المصرف. وبعد فشل المفاوضات بين المعتصمين الثوار والإدارة، على وقْع ترديد الشعارات ضدّ المصرف واتهامه بالسطو على أموال المودعين، تطورت الأمور إلى تضارب كبير مع بعض عناصر الأمن الداخلي، أسفر عن سقوط جرحى من الجانبين، واحتدم العراك ضرباً وتكسيراً للمحتويات وتحطيم مكاتب المصرف.. فحضرت تعزيزات أمنية إضافية من قوى مكافحة الشغب، وأطلقت القنابل المسيلة للدموع داخل المصرف!


وفي السياق، يشير الناشط في الحملة غيث حمود لـ "المدن"، أنّ الهدف من دخول المصرف لم يكن للتضارب مع القوى الأمنية، وإنّما بطريقة سلمية لمساندة المودعين. يقول: "دخلنا مع المواطن بدر الضناوي الذي طلب مساعدتنا، لأن المصرف كان يرفض أن يعطيه وديعته المستحقة، وكانوا يريدون إعطاءه نصف قيمتها فقط، بحجة انتهاء الدولارات لهذا اليوم، بينما كنّا نشاهدهم يجمعوها قبل وقف استقبال السحوبات". لكنّ ما أشعل التشابك في المصرف، وفق غيث، كان بسبب إقدام أحد عناصر القوى الأمنية على إهانة المعتصمين بكلامٍ طائفي، وتوجه إليهم قائلًا "هاجمين علينا الإسلام"، بينما "لسخرية القدر كان جزء كبير منا من الطائفة المسيحية"، يضيف غيث.

يستغرب غيث لجوء فئة من المواطنين إلى توجيه أصابع اللوم للثوار، بعد قرار الجمعية بإقفال المصارف. ويعتبر أنّ معظهم تربطه شبكة مصالح مع هذه البنوك، ويتشارك بطريقة غير مباشرة لتعزيز سطوتها على الناس. فـ"نحن ندخل للمطالبة بحقوق الناس وأموالهم، وللدفاع عن جميع المودعين الذين يتعرضون لأبشع الضغوط، وقرار الجمعية أخذ الإشكال ذريعة للانطلاق بقرار البدء في إقفال جميع المصارف أمام الناس".

في طرابلس أيضاً
ورغم أن قرار جمعية المصارف هدف إلى ترهيب المودعين، استمرت التحركات التصعيدية ضدّ المصارف في طرابلس، فدخلت مجموعة من المتظاهرين صباح اليوم السبت، إلى بنك لبنان والمهجر في شارع عزمي، ونجحوا في مساندة أحد المواطنين لسحب راتبه. وقد علقت الناشطة إيمان ابراهيم بالقول: "اليوم، من بلوم بنك فرع عزمي ما فلّينا حتى أخدنا مصرياتنا! نحن مش زعران! نحن مش شبيحة! نحن ناس ما رح تسكت عن حقا ونحن تحت سقف القانون اللي بيمنع المصارف تحجز أموال المودعين الصغار والحسابات الجارية. ما تخلوّهن يضحكوا عليكن بخبرية ما في مصاري!".

آلاف العائلات
وحيال هذه الأوضاع، بدأت تظهر في الأسابيع الأخير على امتداد المناطق الشمالية، حالات سرقة بيوت ومحال تجارية وجزادين ودرجات نارية، مقابل إقدام آلاف العائلات على تسجيل أسمائها بجميعات خيرية، بغية تلقي المساعدات الطبية والمعونات الغذائية. أمّا الخوف، مع تدهور الأوضاع في هذه المناطق معيشيًا ونفسيًا واقتصاديًا، هو أن يطال التدهور الأوضاع الأمنية، من دون أن تُقدم هذه السلطة والقيادات السياسية على تحريك ساكن. فمن ينقذ الشمال من كلّ مآسيه؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها