السبت 2020/01/18

آخر تحديث: 00:09 (بيروت)

رصاص لقتل الحيوانات يطلقه عسكريون على شباب طرابلس

السبت 2020/01/18
رصاص لقتل الحيوانات يطلقه عسكريون على شباب طرابلس
شبان طرابلس يوم ثلاثاء الغضب (نذير حلواني)
increase حجم الخط decrease

"أسبوع الغضب" الذي انطلق يوم الاثنين الفائت، حافل بعنفٍ سلطوي وبوليسي في الشارع، لم يشهده اللبنانيون منذ اندلاع ثورتهم في 17 تشرين الأول 2019. القبضة الأمنيّة تنفلت على اللبنانيين بغطاءٍ سياسي واضح، بينما الثائرون والثائرات الذين يتعرضون لأعتى أنواع الشيطنة، ما زالوا يدفعون أثمانًا باهظة من أجسادهم وحياتهم.

ثمن باهظ
في هذا الأسبوع، لم يكن شارع الحمرا ومحيط ثكنة الحلو في بيروت وحدهما مسرحًا لشتى أنواع المواجهات العنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنيّة. وكما كل مرة، يقدّم مسؤولو المؤسسات الأمنية مبرراتهم وأحكامهم، تأمينًا لمشروعية هذا العنف، بحجة أن كلّ هؤلاء المتظاهرين هم من فئة "المندسين". لكن، وكما كل مرّة أيضًا، غالبًا ما يبقى مندسو السلطة وأجهزتها من دون أدنى ملاحقة أمنية أو "ضربة كفّ"، فيما المتظاهرون الحقيقيون يُضربون ويهانون ويصابون وتمارس بحقهم أقسى أشكال التعنيف والمهانة.

في طرابلس، وبينما هي تقاوم منذ الأيام الأولى للانتفاضة، كلّ محاولات خرقها سياسيًا وأمنيًا عبر مندسين ومشبوهين يجتاحون المدينة، ومن دون حسيبٍ ولا رقيب، يدفع المتظاهرون والمتظاهرات العُزّل أثمانًا باهظة من العنف الأمني في الشارع. ومن اليوم الأول لـ "أسبوع الغضب"، وقع الشاب عبد الرؤوف المصري ضحية رصاصةٍ أطلقها عليه أحد عناصر الجيش اللبناني.

وعبد الرؤوف وهو طالب في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية في طرابلس، أكمل سنته الـ 18 عامًا في يوم إصابته الأليمة. رصاصة عنصر الجيش أدخلته المستشفى في العناية الفائقة، وأخضعته لعملية جراحية استأصلت إحدى خصيتيه، وإصابة عضوه التناسلي وفخذيه.

وثّقت الحادثة بالنقل المباشر والفيديوهات في ذلك اليوم. وتروي والدة عبد الرؤوف، سمية العتر، لـ"المدن"، أن ابنها الذي كان يتظاهر مع العشرات من زملائه في كلية الهندسة عند مستديرة البحصاص، وكان يشارك بقطع الطرقات  بشكلٍ سلمي وحضاري، كأي تظاهرة طلابية، "تفاجأوا بعد محاولات منع إحدى السيارات من عبور الطريق، بوقوع مناوشات بين عناصر الجيش ومجهولين آخرين قاموا برشقهم بالحجارة". حينها، وأثناء الكرّ والفرّ بين الجهتين، أطلق أحد العسكريين رصاصة مباشرة باتجاه عبدالرؤوف، الذين كان يرفع يديه مع زملائه "سلمية سلمية"، فوقعت إصابته الخطرة.

لم تكن الرصاصة التي أطلقها العسكري "مطاطية"، وإنما كانت رصاصة "بيل" التي يجري استخدمها في صيد الحيوانات البرية، بحسب ما أفاد الطبيب الشرعي في مستشفى المظلوم، وفق الوالدة، التي أرسلت لنا صورة رصاصة الحديدية.

رصاص "بيل" المخصص لصيد الحيوانات البرية


قضية ضد عسكري
لقي عبد الرؤوف تعاطفًا كبيرًا من طلاب جامعته وأساتذته وجميع رفاقه في الشارع، لا سيما أنّ إصابته الحرجة قد تؤثر على حياته مستقبلًا. نفذوا لأجله وقفةً تضامنيًة مطالبين بالعدالة. لكن  اللافت في قضية الشاب، وفي سابقةٍ غير معهودة بين الثائرين في الشارع والعناصر الأمنية، هو أنّ عبد الرؤوف قرر عدم التنازل عن حقّه أو السكوت، من دون اللجوء إلى القانون والقضاء.

وبعد مشاورات عديدة، قرر عبد الرؤوف إثر خروجه من المستشفى، أن يكلّف أحد محامي الحراك في طرابلس خالد مرعب، من أجل توكيله في قضيته وبدعمٍ كبير من عائلته. وحول الدعوى التي من المرجح أن تُرفع ضدّ العسكري في الجيش، وكلّ من يتحمل مسؤولية هذه الإصابة، يشير المحامي مرعب في اتصال مع "المدن"، أنه توكل رسميًا في قضية الشاب يوم الجمعة. ويقول: "أدرس حاليَا الملف بعد أن استلمته من العائلة التي أعطتني وكالة، وحضّرت ملفاً للأدلة مع تقرير الطبيب الشرعي، وأتابع التحقيقات لدى أحد مخافر طرابلس، حتّى أستطيع تحديد الجهة المباشرة التي سنرفع دعوة قضائية ضدّها، لا سيما أنّ التساهل بدا واضحًا في إطلاق العنصر العسكري للنار باتجاه عبدالرؤوف".

القضاء والثورة
أمّا إذا تحمل العنصر المسؤولية من تلقاء نفسه في اطلاق النار، وفق مرعب، فـ"تجري معاقبته مسلكيًا ثمّ يتحول إلى المحكمة العسكرية، وقد تشمل الدعوة كلّ من يثبت تورطه في توجيه أمر إطلاق النار". هذا، وبينما ينشط مرعب مع مجموعة من "محامي الحراك" في بيروت ومختلف المناطق، وهم يتوكلون عن الثوار مجانًا، يشدد على ضرورة اللجوء إلى القانون لدى تعرّض أي أحد من المتظاهرين لعنفٍ أمني، "لأن المسلك القضائي هو واحد من أهم أدوات الضغط في الثورة، وحتّى يكون رادعًا يحدّ من إفراط العناصر الأمنية بالعنف".

عشرات حالات التعنيف في طرابلس وخارجها يجري توثيقها وتسجيلها. وفيما ينتظر عبدالرؤوف نتائج الدعوة التي قرر رفعها انصافًا لحقّه بالعدالة، يقول لـ"المدن": "المؤسسة العسكرية هي لكل اللبنانيين، ونحن أبناؤها، لكن لن نسكت عن حقّنا. وبعد هذه الحادثة الموجعة ازداد إصراري على البقاء في الشارع والاستمرار بالثورة ضدّ السلطة".

فهل يتجرأ جميع المصابين في الشارع من العنف الأمني أن يسلكوا درب عبد الرؤوف في رفع الدعاوى القضائية؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها