وبمعزل عن أحقيّة هذا الاعتصام وشعاره بوجه حكومة تعمل "من أجل حماية حيتان المال، من مصارف وشركات عقارية... وتنهب البد مع أزلامها وتحمي الفاسدين"، لم يكن حضور أحد أبرز وجوه إعلام حزب الله، بين المتظاهرين مطابقاً لمواصفات التظاهرة أو الاعتصام لحجب الثقة عن الحكومة. فوزراء حزب الله مثل غيرهم من زملائهم في الحكومة، وقفوا أمام البرلمان، غير البعيد عن تجمع المعتصمين، لنيل الثقة التي سيمنحها لهم نوّاب حزب الله الكثر في المجلس. هذا رغم انزواء هذا الوجه الإعلامي الشرس وعدم احتلاله موقعاً بين المعتصمين. فرطانة خطاب اليسار المتماشي مع خطاب "المقاومة" يحيل "متصفّح" وجوه الحاضرين، إلى "حضور" هذا الإعلامي رغم مجهريّته الجسدية.
النبرة اليسارية
لغة اليسار كما وجوه الحاضرين واضحة المعالم، ولا يسقطها مجيء الدعوة للاعتصام من أحزاب سياسية ومجموعات مدنية. ففتح المجال لإلقاء الخطابات الكثيرة، أتى بعد الوقوف دقيقة صمت على وقع نشيد "يا رياح الشعب" الشهير. وهذا يتنافى مع ما يطالب به القيّمون على الاعتصام من توسيع رقعة الاحتجاج لتطال جميع اللبنانيين بغية تشكيل حالة شعبية ضاغطة. فتوسعة "البيكار" لمخاطبة الفئات المدنية والعلمانية والديموقراطية وجميع المتضررين، لا تتحقق في ظل تلك الأناشيد الضيقة الانتشار وقلّة مستمعيها. وتظهر أن اليسار لا يستطيع إلّا مخاطبة فئات مرتبطة بصلة رحم معيّنة مع "السنديانة الحمراء".
ورغم ذلك يسجّل لليسار المنفتح على بعض المجموعات المدنية حراكه الشارعي في زمن القحط اللبناني. إذ ما زال يرفع الصوت بوجه السلطة، وسياساتها المفقرة للبلد، وما نتج عنها من أزمة اقتصادية ومعيشية، تطال السواد الأعظم من مواطنيه. وهو محقّ في القول "إن مكتوب الحكومة الجديدة يُقرأ من بيانها الوزاري" الذي لم يأت "نتيجة دراستهم (أصحاب المعالي) للأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة، التي يمر بها الشعب اللبناني، تلبية لحاجات الناس الملحّة، وإنما تنفيذا لما تضمّنه مؤتمر "سيدر" واستجابة لشروطه، التي ستضع مصالح الشعب اللبناني، من تقديمات اجتماعية، في أول سلّم استهدافاته". لكن خطاب اليسار وحراكه المطعّم "مدنياً"، ما عاد يجدي نفعاً في ظل الاستقطاب السياسي والطائفي القادر على حشد آلاف المتضرّرين والفقراء خلف مفقّريهم.
منعاً للصمت
هو اعتصام رمزي يأتي تزامناً مع عقد المجلس النيابي جلسات منح الثقة للحكومة، كي لا يمرّ هذا الحدث بصمت ومن دون تسجيل أي اعتراض عليه، تخلله مشاداة بين الشبان المتحمسين وقوى الأمن. لكن التخوّف من مضيّ الحكومة الجديدة بإجراءات تقشفية تطال القطاع العام ونوايا "في رفع الضريبة على القيمة المضافة، ورفع أسعار المحروقات، والمسّ بحقوق العمال"، كما أشارت إحدى الخطابات، فإن رفع الصوت في الشارع هو خيارهم الوحيد، لتحصيل الحقوق. وفي هذا الإطار سيتمّ تنظيم تظاهرة مركزية حاشدة يوم الأحد المقبل في 17 شباط في وسط بيروت.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها