الإثنين 2019/10/28

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

من هم "حراس المدينة" وساحات الثورة في طرابلس؟

الإثنين 2019/10/28
من هم "حراس المدينة" وساحات الثورة في طرابلس؟
هدفنا هو إنجاح ثورتنا (جنى الدهيبي)
increase حجم الخط decrease

أن تحمل عاصمة الشمال لقب "عروسة الثورة"، وأن تتحول ساحة النور إلى أيقونة الانتفاضات الشعبية في لبنان، لم يأتِ من عبث. هذه المدينة التي تعيش انتفاضتها على طريقتها، بعد عقودٍ من القهر والعزلة، كان لأسباب نجاح ثورتها المستمرة رغم كلّ التحديات الصعبة والمقبلة، سرٌّ إضافيّ يكمن في الجهود الجبارة التي يبذلها متطوعو "حراس المدينة"، الذين لا مبالغة بوصفهم بـ"حراس الثورة" في طرابلس.

في وسط ساحة النور، وعند فروعها ومفارقها، ينتشرون بالمئات. يعرفهم أبناء المدينة عن بُعدٍ كما يعرفون العلم اللبنانيون. لا صعوبةً في تمييزهم، وهم يرتدون ستراتٍ صفراء، طُبع على ظهرها هاشتاغ "لبنان ينتفض" مع اسم طرابلس، ومن عنقهم يتدلى بطاقة كُتب عليها اسم كلّ متطوّع، يعملون كخلية نحلٍ، في التنظيم والتنسيق والتنظيف وحفظ الأمن.

بداية 2015
انطلقت فكرة "حراس المدينة" في شهر آب من العام 2015، مع أزمة النفايات التي عمّت جميع المناطق اللبنانية، وما نتج عنها من حراكٍ شعبي. في ذلك العام، كان يتوافد إلى مدينة من خارجها شاحنات مهربة تحمل أطنانًا من النفايات، ثمّ تقوم رميها خلسةً إمّا في المطمر أو على مفترق الطرق. عندها، قررت مجموعة شبابية أن تبادر إلى حراسة المدينة من الشاحنات التي تدخلها ليلًا، فنزل إلى الشارع في كلّ ليلة 18 شابًا يرأسهم محمد شوك المعروف بـ "أبو محمود"، وهو حاليًا رئيس "حراس المدينة". حينها، نجحوا على مدار أكثر من 50 يومًا أن يحرسوا المدينة في العام 2015، فـ"قررنا بما أنّ أعداد حراس المدينة المتطوعين تتزايد، أن نقوم بنشر ثقافة العمل التطوعي لحماية المدينة، وقمنا بحملات عدّة، من تجميل للطرقات والمساهمة في إنشاء شوارع نموذجية، بالإضافة إلى حملة "جود من الموجود" في شهر رمضان الكريم"، يقول أبو محمود في حديث مع "المدن". ومنذ ذلك الوقت، لم يتلقَ حراس المدينة أيّ تمويل من أحد، وإنّما غذّت نفسها بنفسها"، و"بدأنا نجمّع من بعضنا البعض الأموال، وننتظر إلى حين اكتمال المبلغ بغية انجاز مبادراتنا".



لكن، كيف بادر حراس المدينة إلى "حراسة الثورة"؟
يشير أبو محمود أنّ متطوعي "حراس المدينة" لم ينزلوا إلى ساحة النور في 17 تشرين الأول، إلّا بعد مطالبة أبناء طرابلس، الذين بادروهم بثقةٍ كبيرة. يقول: "أول يوم، نزلنا ميدانيًا بحدود 40 عضوًا اعتادوا العمل الميداني، وحاولنا سويًا ضبط الأمور قدر المستطاع، وبعد ذلك فتحنا باب التطوع، واليوم تخطّت أعداد حراس المدينة الألف متطوع، يخضعون جميعًا لتوجيهات من غرفة العمليات التي تنظم تحركات الجميع وتقوم بتوجيههم".

في الساحة، ينتشر "حراس المدينة"، ويقومون بالتنسيق الكامل مع القوى الأمنية من أجل حفظ الأمن، "لا سيما أنّ هناك خشية من دخول أيّ طرف يحدث خللًا أمنيًا مع ذهاب وإياب الدراجات النارية وانتشار البسطات، فنظمنا دخول الدراجات ووسّعنا البيكار لانتشار البسطات على الأطراف، إفساحًا لمجال توافد المتظاهرين إلى قلب الساحة". يؤكد أبو محمود أنّ نفس "حراس المدينة" طويل جدًا، وأنّ بقاءهم في الساحة سيبقى ما دام الناس في الشارع ومن أجل خدمتهم وخدمة قضيتهم، ويتوجه بالشكر لمؤسسات البلد التي تقدم الدعم للحراس، ويضيف: "نحن تمويلنا هو من مؤسسات البلد، في الأكل والشرب، وصفحتنا على الفايسبوك، نضع فيها أسماء جميع المؤسسات التي تقدم المعونة والدعم، حتّى يكون عملنا بشفافية مطلقة، وحتّى نقطع الطريق على أيّ تشكيك بنزاهتنا".



هيكلية إدارية وتنسيقية
عبدالقادر الرفاعي (22 عامًا)، طالب جامعي متطوع في حراس المدينة، يقول: "التعب لا بدّ منه، وهدفنا خدمة طرابلس من أجل إيصال صوتها. وعندما نؤدي واجبنا على أكمل وجه، ننسى التعب". يعتبر الرفاعي أنّ كل مواطن في هذه الثورة والانتفاضة الشعبية يجب أن يؤدي واجبًا، لأنّ هناك قضية يؤمنون بها، و"كلّ مواطن من واجبه أن يلعب دورًا في هذه المسيرة الصعبة". أمّا ميزة حراس المدينة، فـ"هي أنّ لها هيكلية إدارية وتنسيقية، وكلّ يوم تكون النتيجة إيجابية أكثر من قبله، وكان التحدي الكبير بالنسبة لنا هو أنّ الثورة وقعت بشكلٍ مفاجئ، ولم نكن مجهزين، ومع ذلك استطعنا أن نثبت أنفسنا ونكون على مستوى عالٍ من التحدي، وهناك أعداد كبير من المتطوعين، نجحنا في بناء ثقة فيما بيننا".

تواصل الحديث ضحى عكاري (26 عامًا)، هي طالبة جامعية، وتعمل في غرفة العمليات التنظيمية لحراس المدينة تقول: "رغم كلّ الجهود التي نبذلها، هدفنا هو إنجاح ثورتنا، وأن تكون الفيحاء بالصدارة. هناك ضغط كبير علينا، وليس من السهل أن نقوم بتنظيم هذه الأعداد الهائلة من المتطوعين، لكننا فريق متكامل، ونبقى في عملنا التنظيمي من التاسعة صباحًا حتّى العاشرة ليلًا".

السلسلة البشرية
هذا، وكانت طرابلس يوم الأحد قد شاركت في السلسة البشرية التي حملت عنوان "إيد بإيد من الجنوب للشمال". نقطة الإنطلاق في هذه السلسلة بدأت من دوّار الميناء. المشاركون والمشاركات في السلسلة بدت على وجهوهم الحماسة، وكانوا سعداء في خوض هذه التجربة رغم صعوبة التلاقي بشريًا، وكانت أعداد المشاركين بالآلاف. بعضهم رفع العلم اللبناني ورسم على وجهه الأزرة وشعار الثورة، والبعض الآخر ارتدى اللون الأبيض، للتّعبير عن سلمية هذا التحرك. آية قصقص (18 عامًا) طالبة جامعية شاركت في السلسلة البشرية، تقول لـ"المدن": "أشارك في هذا التحرك الحضاري من أجل إحداث تغيير جذري في البلد، وحتّى نعكس صورة حقيقية عن لبنان، وعن طرابلس تحديدًا، وحتى نقول للسياسيين: نحن اللبنانيون يد واحدة، ولن يفرقنا أيّ اختلاف أو طائفة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها