الخميس 2019/10/24

آخر تحديث: 15:28 (بيروت)

بقدم واحدة وعكاز.. وجع طرابلس كلها

الخميس 2019/10/24
بقدم واحدة وعكاز.. وجع طرابلس كلها
تعرض لحادث سير عندما كان طفلًا يبلغ عامين فقط
increase حجم الخط decrease

من ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور)، "عروسة الثورة" والساحات، انتشرت صورة لرجلٍ طويل يُحني ظهره، يقف على قدمٍ واحدة، ويستعين بعكازٍ بدل قدمه المبتورة، يضع على عنقه منشفةً لتمتصّ عرقه، ويحمل بيديه مكنسةً لينظفّ الساحة المبلولة بزخّات المطر. وفي ساعاتٍ قليلة، تحولت الصورة إلى أيقونة يتناقلها اللبنانيون، وتحول صاحبها إلى حكاية رجلٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة يُقاوم ويساهم في انتفاضة مدينته وثورتها.

العمق الإنسانيّ في الصورة، منحها أهميتها ورمزيتّها، دفعت الطبيب رائد لطوف في بيروت، أن ينشر صورته ويرفقها بتعليقٍ قائلًا: "إذا هيدا الشب الطيب حابب وبيقبل وبيسمحلي اتكفل بتركيب طرف اصطناعي مع تأهيل كامل، فأنا مستعد قوم بهيدا الواجب. لكل شخص بيعرف كيفية الوصول لشخصو الكريم يتواصل معي تنباشر بالإجراءات اللازمة".

وصلت الرسالة إلى الرجل المجهول صاحب الصورة، وتواصل معه الطبيب، واتفقا أن ينزل إلى بيروت فور انتهاء قطع الطرقات من أجل تلقي العلاج. لكن من هو؟

أب أربع بنات
استطاعت "المدن" الوصول إلى هذا المواطن، وهو محمد خضر الزعبي، البالغ من العمر 42 عامًا. لم يكن يتوقع محمد أن تنتشر صورته التي التقطت بشكلٍ عفويّ بهذه الكثافة، فـ"تواصل معي الطبيب. وأنتظر فتح الطرقات من أجل النزول إلى بيروت وتلقي العلاج".

يعتبر محمد أنّ ما قام به كان طبيعيًا وبديهيًا بالنسبة له، وأنّ همّته تتجاوز همّة من يمشي على قدمين. فـ"أنا لا أقبل أن أمدّ يدي لأحد، وأكسب لقمتي بالعكاز وعلى قدمٍ واحدة من عرق جبيني من دون أن أربح جميلًا من أحد، وهذه نعمة كبيرة أفتخر بها". محمد هو ابن مدينة طرابلس، يعيش في منطقة أبي سمراء، و"مواطن من هؤلاء المواطنين" وفق تعبيره. تعرض لحادث سير عندما كان طفلًا يبلغ عامين فقط. وعندما بلغ التاسعة من عمره، تعرضت قدمه لسموم و"غرغرينا" فاضطرّ لقطعها. ومنذ ذلك الوقت، يعيش بهذه الحالة، ومعاناة مستمرة لكنّ صبره طويل جدًا.  

يعمل محمد موظفاً في شركة سبينيس منذ 16 عامًا، بالتعتيل ونقل البضائع رغم وضعه الصحي، ويواظب على كلمة "الحمدلله على كلّ حال". هو أبٌّ لأربع بنات، أكبرهن تبلغ 15 عامًا، وزوجته غير عاملة. لديه ضمان صحي لكنه يتكلف بعد الضمان مبالغ باهظة من أجل العلاج وتغطية نفقات الدواء. حاول العلاج عدّة مرات لكن الجهاز الذي يضعه في قدمه "لا يُضاين كثيرًا".

لن أبقى في منزلي

لا يتلقى محمد مساعدات من جميعات خيرية، ويقول: "ليست شغلتي ولا أعرف أن أطلب شيئًا من أحد".

لكن، لماذا يشارك في التظاهرات الشعبية في ساحة النور؟ يجيب: "نزلت لأتظاهر ضدّ القلّة التي نعيش بها، ولن أبقى في المنزل بينما الشعب كلّه ينتفض ضدّ العهد والحكومة، وأبادر للمشاركة بمختلف النشاطات، وأساعد في التنظيف ولا أقبل البقاء على الهامش من دون أن أطالب بحقوقي".

أمّا أبرز ما يطالب به محمد، فهو تركيزه على قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعتبر أنّ الدولة اللبنانية لو كانت تنفذ القوانين، لما بقي أحد من ذوي هذه الاحتياجات يحتاج لشيء من أحد. يضيف: "مطلبي كحال غيري من أمثالي، وهو أن تعيد الدولة اللبنانية والوزارات المختصة تأهيل الطرقات لتسهيل حركتنا وتنقلنا، وأن يكون لدينا معاش من الدولة كحال أمثالنا في الدول التي تحترم نفسها، وأن لا نجد أنفسنا مشلوحين على أبواب المستشفيات عاجزين عن سدّ تكاليفها التي ترهقنا، وهذا همّنا الأكبر".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها