السبت 2019/10/19

آخر تحديث: 22:32 (بيروت)

الطابور الخامس المدعو "مجتمع مدني"

السبت 2019/10/19
الطابور الخامس المدعو "مجتمع مدني"
طهرانيو المجتمع المدني يحاولون حرمان الشباب من غضبهم الحقيقي (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

في كل حراك شعبي يتهافت المجتمع المدني وإعلاميوه ومثقفوه وناشطوه إلى التقاط سموم فتنة السلطة وتعليبها وتغليفها على شكل منتج جديد، تحاكي شعاراته الحقوقية والبيئية سوق العرض والطلب في تجارة التسلق. وبينما تفقد السلطة مصداقيتها وقدرتها على كسر التلاحم والتواصل والعفوية الشعبية التي ترعبها، وتكفل وحدها إسقاط النظام المقتات على وصم الناس وتفريقها، تطلق تلك المنابر منتجها بين الناس المخدوعة بمواقفها الراديكالية الفايسبوكية وصورها البطولية الأنيقة والحضارية.

الطهرانيون
فشلت السلطة في اليومين الأخيرين وإعلامها المتعطش والمتمرس في البحث عن هفوات  الناس وتحوير كلامهم لاستخراج خطاب طائفي أو تقسيمي، أو إثبات تهمة الاندساس و"الزعرنة". وكنا في حينها مذهولين أمام وحشية القوى الأمنية وبلطجة حركة أمل ودماء أهالي صور، فأتانا طهرانيو المجتمع المدني بآرائهم المنزهة عن كل "شر"، ليقولوا لنا أن هناك انسان يرتقي لاستحقاق إنسانيته، شرط عصمته عن الخطأ والخطيئة وفق معايير وأخلاق نخبة المؤتمرات والتوصيات والاجتماعات والشعارات، وبالطبع في مقابل هذا الانسان هناك أزعر موصوم بجهله بإتيكيت التحضر والتعبير بما يتوافق مع صورة لبنان ومجتمعه المدني المهفهف. وهكذا، ينقسم الشارع بين: حضاري وهمجي، مندس ومواطن، نظيف ووسخ، مخرب وحريص على صورة الوطن وبيئته.

وإذا كان الاختلاف مسارًا طبيعيًا يكفل حرية الناس في طرق تعبيرها في مساحات تتسع للجميع، فلا مكان إذن لمطاوعي التظاهرات المانحين أنفسهم حق كتابة دساتيرها وسيرورتها، ولا مكان لفوقيتهم التي تستوقف الناس لتعطيهم جلسة توعية حول النظافة أو البيئة وشهادات حسن سير وسلوك، ولا قيمة لتفاهة تجربتهم المرفهة وحراكهم السياسي المتعثر دائمًا بطموحات النجومية، ليوزعوا كاتالوغ إرشادات الثورة.

أصحاب الأجر
ولكن، قبل أن تحكموا على غيركم وتصنفونا بين أخيار وأشرار، لنتذكر معًا من أنتم.

أنتم الذين وصفتم الناس بالمندسين في حراك 2015، فأعطيتم السلطة نصرًا بلا خسائر.

أنتم الذين قلتم المتظاهرين متحرشين، وغطيتم لاحقًا على التحرش لحماية صورة ثورتكم.

أنتم الذين تتأنقون للاجتماع بالوزراء والنواب وكلاء المحارق والمطامر الحصريين، لمناقشة الإصلاحات والتنمية العتيدة، وتشمئزون من بضعة دواليب تعبر عن غضب مشروع.

أنتم الذين تريدون محاورة السلطة بحضارة وسلمية، والتهجم على شبان أعياهم القهر والذل بألفاظ خبيثة وعنيفة.

أنتم الذين تتقاضون أجرًا مقابل نشاطكم السياسي، وتسكتون آراء من لا يمتلك امتياز وظيفتكم النضالية.

بين صورة "جميلة" وصورة حقيقية
والأهم من ذلك، أنكم مجرد صورة، تدعي النقاء لمجرد انحياز مواقفها للصوابية السياسية، وتفترض تفوقها لمجرد التعبير (أو التشيير) المتكرر عن رأي جذري يتضامن مع الفئات الأكثر تهميشًا (بحسب تعبيركم)، ويسلب تجربتها بفرض أحقيتها في سردها وتحديد أولوياتها وخطواتها، كما يجب أن تكون، منسجمة تمامًأ وفورًا مع الموقف السياسي "الواعي والصحيح"، ومغتربة عن إنسانيتها المجبولة بتناقضها وغضبها وخيرها وشرها الأصيلين.

أنتم تريدون للصورة أن تبقى جميلة، أما نحن فنريدها حقيقية. نريد أن نتحاورمع بعضنا البعض، نريد أن نقول، لا أن ننطق، نريد أن لا نخجل بعيوبنا وأخطائنا وآرائنا "المتخلفة"، حتى نتعامل معها بصدق، ونتخطاها بتجاربنا المشتركة والمعاشة وليس بإنكار وجودها وإخضاعها لفوتوشوب الصوابية السياسية. نريد أن ترانا الناس كما نحن، وأن نراهم كما هم. فالوضوح هو سبيلنا الوحيد إلى التلاقي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب