الإثنين 2016/03/07

آخر تحديث: 16:54 (بيروت)

الانتخابات البلدية فرصة أمام النساء.. نحو السياسة

الإثنين 2016/03/07
الانتخابات البلدية فرصة أمام النساء.. نحو السياسة
سجّلت بيروت في دورتي 2004 و2010 أعلى نسبة مقاعد فازت بها سيدات من إجمالي المقاعد (المدن)
increase حجم الخط decrease
يبدو الحديث عن حق المرأة في الترشح إلى الانتخابات البلدية، في اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف في 8 آذار، أقرب إلى الـ"كليشيه" أو الفكرة المتوقّعة، خصوصاً أن هذا الحق مكفول بالقانون نفسه. لكن، من جهة أخرى، تبدو أبعاد "الحق في الترشح" أكثر اشكالية، لناحية إمكانية الوصول إلى هذه المجالس التمثيلية وآلياته، وتأمين مشاركة النساء الفاعلة في عمليات صنع القرار داخلها.

الأرقام
يمكن القول، عموماً، إن إقبال النساء على الانخراط في المجال العام يتحسّن من سنة إلى أخرى. وهذا ما تثبته الإحصاءات التي قارنت من خلالها "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية" المشاركة النسائية في الانتخابات البلدية بين عامي 2004 و2010 وفقاً للمحافظات، والتي بينت زيادة ملحوظة في عدد النساء المرشحات والفائزات في الإنتخابات البلدية في العام 2010 مقارنة بالدورة السابقة. ففي العام 2010، بلغ مجموع المرشحات للإنتخابات البلدية 1346 مرشحة مقابل 552 مرشحة في العام 2004، كما ارتفع مجموع الفائزات إلى 536 امرأة في العام 2010 مقابل 215 فائزة في العام 2004، أي ما نسبته 4.7% من اجمالي المقاعد مقابل 2.02% في العام 2004. 

وسجلت بيروت في الدورتين أعلى نسبة مقاعد فازت بها سيدات من اجمالي المقاعد، ووصلت نسبتها إلى 4.17% في العام 2004 وارتفعت إلى 12.5% في العام 2010. أما المحافظة التي سجلت فيها أقل مشاركة للنساء في الترشح والفوز بالمقاعد البلدية فهي النبطية في كلا الدورتين، إذ حصلت النساء على 17 مقعداً فحسب من أصل 1503 في العام 2004، وعلى 25 مقعداً من أصل 1548 في العام 2010. تعكس الأرقام حقيقتين متضادتين حول وصول المرأة إلى المجالس البلدية. فمن جهة يبدو واضحاً تزايد ترشح النساء إلى الإنتخابات البلدية، ومن جهة أخرى نرى أن عدد المقاعد التي تحوز عليها النساء أقل بكثير من تلك التي يحوز عليها الرجال، بمعنى أنه تطور ملحوظ، لكن لا يعول عليه كثيراً.

النساء في المجال العام
يعود تطور انخراط المرأة في الانتخابات البلدية بطبيعة الحال إلى "تطور أوضاع المرأة في لبنان بشكل عام، الذي يعود إلى جهود جمعيات المجتمع المدني خصوصاً النسائية منها، ومن ضمنها التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني، في سعيها إلى تمكين النساء. زد على ذلك ما يقدمه الإعلام من مواد تضج بقضايا النساء"، وفق المحامية في "التجمع النسائي" منار زعيتر. لكن في المقابل، يعبّر تدني نسبة ترشح النساء في الإنتخابات البلدية، على الرغم من ارتفاعها تدريجاً، عن لامبالاة النساء تجاه العمل في الشأن العام. وترى رئيسة اللجنة التسييرية في "الهيئة الوطنية من أجل شؤون المرأة" الدكتورة فاديا كيوان في مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية وسواها، إن كان في الترشح أو الانتخاب، "واجباً قبل أن يكون حقاً". على أن انكفاء النساء عن هذا النوع من المشاركة العامة يشير إلى "قصور"، ذلك أن "المرأة، وإن كان تأخرها في الإنخراط في المجال العام يرجع إلى أسباب تاريخية تتعلق بتركيبة المجتمع التقليدية، فهي الآن مواطن يتمتع بجميع القدرات العقلية، وقد أقر القانون اللبناني حقها في المشاركة السياسية منذ العام 1935، كما أننا نشهد ارتفاع نسبة الفتيات المتخرجات من الجامعات مقارنة بنسبة الشباب، فلا أرى أي سبب يحول دون مشاركة المرأة في الشأن العام، لأن هذا الحقل يعنيها تماماً بمقدار ما يعني الرجل".

لكن العمل السياسي لا يقتصر على حيازة الشهادات العلمية وتحقيق مراكز عالية مهنياً، بل يتطلب امتلاك المرشح لشبكة علاقات عامة واسعة ومتنوعة، تشمل العلاقة بالإعلام والقدرة على إيصال الصوت إلى المجتمع، بالإضافة إلى امتلاكه مستوى اقتصادي متقدّم، كما يشرح الأمين العام لـ"الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" (LADE) مكرم عويس، فـ"كثيرات هن النساء اللواتي لم يستطعن خرق الحياة العامة بعد، وبالتالي هن لا يتمتعن بهذه المعايير التي تخولهن منافسة المرشحين من الرجال المتمرسين في العمل في المجال العام".

في الوقت نفسه، تكثر الأسئلة حول جهوزية المرأة وكفاءتها لتولي المناصب العامة. وهذا النوع من الأسئلة، فضلاً عن كونه وسيلة لتعطيل نجاح المرأة في المجال العام وعرقلته، يحرمها من حقها في الإنخراط في العمل السياسي. ويقول عويس: "الديموقراطية تكتسب بالممارسة وهي تقوم على فسح المجال أمام كل فئات المجتمع للوصول. أما الممارسة فلا تأتي إلا بإنخراط المرأة في العمل السياسي. فمن المعيب أن نتحجج بانتظار زوال صورة نمطية غير صحيحة عن المرأة".

وما يبدو ملحوظاً أن النساء اللواتي وصلن إلى عضوية المجالس البلدية أو رئاستها كن ناشطات في خدمة المجتمع، ما أمن لهنّ بالتالي قاعدة شعبية مؤيدة وواثقة بجهودهن. فجوزفين زغيب، وهي عضو في بلدية كفرذبيان ورئيسة اللجنة البيئية فيها، تقول إن سبب ترشحها "كان محاربة المشاكل الطبيعية التي تعاني منها المنطقة، وتمكنت من الوصول إلى عضوية المجلس من خلال دعم وثقة الأشخاص الذين آمنوا بأهدافي وقدرتي على التغيير. أما ثقتهم فيّ فأعتقد أنها نابعة من رؤيتهم لعملي وطريقتي الشفافة والواضحة في العمل. أما التحديات التي واجهتها فلم يكن سببها يوماً كوني إمرأة، بل هي تحديات قد يواجهها أي شخص يعمل بشفافية".

خصوصية
تبدو الانتخابات البلدية فرصة أولى تخطوها المرأة للإنخراط في الحقل السياسي. إذ تشكل النساء نصف الكتلة الناخبة في اللوائح الإنتخابية، ما يدل على دورهن الأساسي في اختيار من يمثلهن. وترى كيوان أن فرصة المرأة تتبلور في الانتخابات البلدية تحديداً لأن "صناعة القرار فيها تتمحور حول أمور تمس حياة الناس اليومية، فالبلدية لا تسن القوانين ولا تقرر السياسات، لذلك فإن منافسة المرأة للرجل في الانتخابات البلدية تبقى أسهل وأضمن، فالجاه الذي ينتجه العمل البلدي يبقى محلياً، أما الرجال إجمالاً فيهتمون بالقدر الأكبر من الجاه الذي تنتجه السياسة". وهذا ما تشي به تجربة هبة مراد وهي عضو في مجلس بلدية طرابلس، التي لم تكن منخرطة إلى حد كبير في العمل الاجتماعي، لكنها كانت عضواً في "جمعية النجاة". فبعد تسويات سياسية، تقول مراد، "رشحتني الجماعة الإسلامية لعضوية المجلس، نظراً للاتفاق على وجود عدد محدد من النساء في المجلس. هكذا، زادت هذه التجربة من تفاعلي مع المجتمع المدني وخبرتي في العمل في المجال العام، فأحسست بقدر عال من المسؤولية وبأنني في قلب المواضيع".

هذه الخصوصية الإيجابية التي تتفرد بها الانتخابات البلدية، والتي تزيد من حظوظ النساء في الإنخراط في العمل السياسي يهددها توتر الأوضاع الأمنية والسياسية. فإذا حصلت الإنتخابات البلدية في ظل ما يشهده لبنان حالياً من انقسام عمودي بين فريقين سياسيين، انعكاساً للنزاعات الإقليمية، قد تصبح الإنتخابات البلدية مجالاً مباشراً لإثبات كل فريق هيمنته على العدد الأكبر من البلديات بهدف فرض وجوده، خصوصاً في ظل التمديد لمجلس النواب. هكذا، فالتوتر السياسي والأمني واتباع مبدأ "الديموقراطية المنتقصة" سيقلل من حظوظ النساء في الانتخابات البلدية المقبلة، إذ إن اختيار النساء كأشخاص ممثلين لحزب أو قوى سياسية ما يزال نادراً في العمل السياسي في لبنان، وهذا ما تقول زعيتر إنه يقلقها، وما تؤكده العضو في مجلس بلدية صيدا عرب كلش، في اشارتها إلى "دور السياسة السلبي في وصول المرأة إلى المجال العام، لأن نظرة السياسيين إلى المرأةلا تزال ذكورية. أما أنا فتمكنت من الوصول إلى عضوية المجلس البلدي بكفاءتي وإصراري، فأنا ناشطة في الحقل الاجتماعي ورئيسة جمعية المواساة في صيدا ولدي علاقات عامة كثيرة".

الكوتا
تولى "التجمع الوطني الديموقراطي" في "الحملة الوطنية للإصلاح الانتخابي"، التي تنظمها "LADE"، الاهتمام بالشق المتعلّق بتشجيع ترشح النساء عبر إدخال الكوتا النسائية في لوائح الترشيح. أما النسبة التي اقترحت من ضمن الحملة فكانت 33%. ويعرّف عويس الكوتا على أنها "إحدى طرق الإصلاح الإنتخابي من خلال تخصيص عدد معين من المقاعد في الإنتخابات للنساء من أجل ضمان مشاركة المرأة في العمل السياسي. على أن هذه الإصلاحات مرحلية، إلى أن تصبح النساء قادرات على الوصول إلى المجال السياسي العام من دونها، فهي ليست تمييزاً عكسياً ضد الرجل وبعد تطبيقها في دول كثيرة أثبتت نجاحها". تأتي الكوتا في "الحملة الوطنية" من ضمن توصيات أخرى للإصلاح الإنتخابي، ما يعكس ضرورة تطبيقها من ضمن حزمة إصلاحات انتخابية أخرى "لكي لا تعيد إنتاج النمط نفسه من النساء اللواتي لا يحملن قضايا النساء على عاتقهن"، تقول زعيتر. ويرتبط تطبيق الكوتا وجدواها بالنظام الإنتخابي ارتباطاً مباشراً، إذ إن القانون الانتخابي الأمثل لفاعليتها هو "نظام نسبي لا طائفي وعادل، تتمثل فيه الأقليات ويمنع استمرار المحادل الطائفية"، وفقها. 

وتعطي الكوتا للشابات ذوات الطموح السياسي أملاً في إمكانية تحقيق هدفهن في المجال العام، وتساعدهن في سعيهن إلى تحسين واقع النساء من خلال وصولهن إلى مراكز القرار. كما تشكل الكوتا في كثير من الأحيان فرصة للنساء لأن يخطين الخطوة الأولى باتجاه تمكنهن من بناء العلاقات العامة اللازمة في العمل السياسي، لكن هذا "يتطلب أن يكون الرجال مقتنعين بما للمرأة من دور أساسي في المجتمع والعمل السياسي"، وفق عويس.

استطلاع LADE
الواضح أن المجتمع اللبناني بدأ بالتخلي التدريجي عن الأفكار الذكورية التقليدية التي توارثها جيلاً بعد جيل، إذ أثبت استطلاع الرأي الذي قامت به "LADE" من ضمن حملة "البلدية نص البلد"، المطالبة باجراء الانتخابات البلدية في موعدها، أن مواقف المستطلعين من ترشح المرأة لرئاسة البلدية وفقاً للمحافظات كانت ايجابية. وبدا لافتاً في النتائج، التي نشرتها الجمعية مطلع هذا العام، ارتفاع أرقام المؤيدين لترشح المرأة لمنصب رئاسة البلدية في المحافظات جميعاً، إذ وصلت أعلى نسبة من المؤيدين إلى 81% في محافظة جبل لبنان، بينما سجلت محافظة البقاع تدنياً لافتاً عن المحافظات الأخرى، حيث بلغت نسبة المؤيدين لترشح المرأة فيها 48.6%.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها