الخميس 2015/03/19

آخر تحديث: 14:22 (بيروت)

الأغنية الحزبية: حرب، مقاومة وشهادة

الخميس 2015/03/19
الأغنية الحزبية: حرب، مقاومة وشهادة
منشدون في مهرجان لـ"حزب الله" في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
تستخدم البروباغاندا أساليب شتّى لاستمالة الجمهور والرأي العام، ومن هذه الأساليب الأكثر تأثيراً هي الأغاني والأناشيد الحزبية. فلسهولة حفظ الكلام المُلحَّن، تستخدم الأحزاب السياسية هذه الأغاني والأناشيد لترسيخ العقيدة أو الأيديولوجيا عند الجمهور أو للتعبئة في بعض الحالات. كما في جميع دول العالم، كذلك في لبنان. فمع تفاقم الإنقسامات السياسية إبّان الحرب الأهلية، صارت تعبئة الجماهير الحزبية أولويةً لدى جميع الأحزاب بدون استثناء. كما أنّ الإجتياح الإسرائيلي للبنان جعل من ترسيخ عقيدة المقاومة عند الرأي العام أولوية لدى الأحزاب التي كانت تُعنى بمقاومة إسرائيل بشكلٍ مباشرٍ، فظهرت فعالية الإستعانة بالأناشيد لتلبية هذا الغرض. 


وإن أردنا تحليل محتواها، يتبيّن لنا بأنّ المقارنة التي تأتي بأكثر النتائج إثارةً للاهتمام هي المقارنة بين أناشيد وأغاني "حزب الله" من جهة وأناشيد وأغاني "القوات اللبنانية" من جهةٍ أخرى، فأوجه الشبه عديدة بينهما، وإن كان الإختلاف واضحاً من الناحية العقائدية.

فمن ناحية "حزب الله"، من غير المستغرب أن تكون جميع أناشيده ترتكز الى فكرة الحرب والمقاومة والشهادة، نظراً لطبيعة نشأته وعمله. وبسبب بقائه على الصورة التي تأسس عليها، حتى اليوم، بقيت أناشيده الجديدة تحمل الأفكار نفسها. وهذا ما يظهر في نشيد الحزب الأساسي "مشينا إلى النصر يوم الكفاح"، الذي يتحدّث عن حتمية الإنتصار على العدو، مع تركيز كبير على العامل الديني عبر ذكر جملة "ألا إنّ حزب الله هم الغالبون" في الكورس، وهي جملةٌ تستلهم جزءاً من آيةٍ قرآنية، بالإضافة إلى ذكر دور المعونة الإلهية في تحقيق أهداف الحزب.

ويشتهر "حزب الله" بوفرة أناشيده وكثرتها، إذ أنّ أنشودةً على الأقل تصدر بعد كلّ حدثٍ ذي أهمية، نذكر منها "لبنان بالشهدا انتصر" بعد تحرير الجنوب في العام 2000، "نصرك هز الدني" بعد انتهاء حرب تمّوز في العام 2006، و"الأرض تحكي عمادها" بعد اغتيال عماد مغنية في العام 2008. ويمكن ذكر أغنية "أحبّائي" لجوليا بطرس، التي وإن لم تكن نشيداً من تأليف الحزب نفسه، إلّا أنها أضحت وسيلة بروباغاندا أكثر فعاليةً من الأناشيد التقليدية، كونها وصلت إلى شريحةٍ أكبر من الشعب اللبناني.

أمّا من ناحية "القوات اللبنانية"، فإنّ نشأته كانت مشابهةً لنشأة "حزب الله"، بمعنى أنّه كان حزباً عسكريّاً أصدر أناشيد تتجلّى فيها أيضاً روح الحرب والمقاومة والشهادة. نذكر منها "دق الخطر" و"هزة منازلنا" و"عسكر نحنا ما منخاف"، التي تركّز أيضاً على فكرة المقاومة، كما على أحقية القتال من ناحيةٍ دينية. لكن مع انتهاء الحرب اللبنانية وحلّ حزب "القوات" في العام 1994، عاد لينخرط الحزب في الحياة السياسية من ناحيةٍ مؤسساتيةٍ بحتةٍ بعد رفع الحظر عنه في العام 2005. وبالتالي غابت الأناشيد التي تُعنى بالحرب والقتال، وبقيت الأغاني ذات الطابع السلمي مثل "وعد يا لبنان"، التي غنتها باسكال صقر، وقد أُلِّفت في ذكرى بشير الجميّل، وهي تعد بإكمال مسيرته مع التركيز على الكرامة والمجد وغياب العبارات الهجومية الموجودة في الأناشيد الأخرى، الأقدم زمنياً. وهذه النقلة في نوعية الأغاني عند "القوات" تظهر في وسائلها الإعلامية الحزبية، التي تبثّ أغاني لاعنفية فحسب، بعكس ما هو متداول في وسائل إعلام "حزب الله".

هذا من ناحية المضمون، أمّا من الناحية التقنية، أي الأسلوب الغنائي والموسيقى المستخدمة، فيبدو واضحاً الاختلاف في توجّهات الحزبين الثقافية. فـ"حزب الله" يستخدم موسيقى ذات طابعٍ شرقيٍّ أكثر من "القوات"، وهي مستوحاة من ألحان أناشيد إيرانية. كما يتبيّن بأنّ الألحان المستخدمة من قبل "القوات" لها طابع مماثل لأغاني الپوپ اللبنانية، التي كانت سائدة آنذاك. وفي هذا السياق، تصبح توجّهات الحزبين الثقافية كما العقائدية واضحة. إذ أنّ "حزب الله" مرتبطٌ بإيران من الناحية الثقافية أيضاً وليس الدينية والسياسية فحسب. كما أنّ عقيدة "القوات"، في اعتبارها لبنان وطناً نهائياً، يمكن أن تُمثل باستخدامها اللهجة اللبنانية، بينما يميل "حزب الله" الى استخدام لغة فصيحة معظم الأحيان. وهذا ما يمكن تفسيره بسعي الأخير لاستمالة الشارع العربي، في حين أنّ "القوات" تتوجه الى جمهور لبناني فقط.

وتبقى المفارقة بأنّ الظروف التي منعت "القوات" من المضي بالأسلوب التأليفي نفسه، هي التي سمحت لـ"حزب الله" بتحسينه وتحويره ليلقى استحسان قاعدته الشعبية. وفي حين أنّ "حزب الله" يعرض هذه البروباغاندا الحربية، يومياً، عبر وسائله الإعلامية، تقتصد "القوات" في استخدام هذا "السلاح"، كأن تستعيد أغانيها القديمة في ذكرى شهدائها فقط، كأنه حنينٌ غير منقطع لتلك الأيام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها