الجمعة 2015/03/27

آخر تحديث: 15:29 (بيروت)

مَن يقف على المسرح؟

الجمعة 2015/03/27
مَن يقف على المسرح؟
المسرح هو الطريقة الفورية التي يشارك فيها الإنسان مع غيره المعنى الحقيقي لأن يكون إنساناً" (Getty)
increase حجم الخط decrease
"كل يوم هو عيد للمسرح، وأنا لا أعرف لماذا لا يشترك جميع الناس في الأعمال المسرحية، ولا أعرف كيف يختارون أن يكونوا في أعمال أخرى. اذ لا شيء عندي أهم من المسرح، انه خبزي اليومي"، تقول المخرجة لينا أبيض، في حديث عن "اليوم العالمي للمسرح" الذي يصادف، اليوم، في 27 آذار.



الفصل الأول
فجأة، يفتح باب خشبي في وسط أرض المسرح، وتخرج منه فتاة ترتدي بيجاما بلوني الأسود والأحمر، وتحمل في يدها قالباً كبيراً من الكاتو. تجلس على الأرض وتبدأ بالكلام. تأخذنا معها في مونولج لمدة 15 دقيقة تكون فيها قد مست مشاعر غالبية الحضور إذ تتحدث عن مشاعر انتابت معظمنا يوماً ما. تنتهي المسرحية بانتحارها، وانتحار الشخصيتين الأخريين في المسرحية، وقد جسدت كل واحدة منها وجهاً لفتاة هجرها حبيبها بعد خمس سنوات، والأساليب التي كانت تعاقب بها نفسها قبل الانتحار.

تتحدث كيندا حنا عن "الصوت البشري" بشغف كبير. كانت تقف في الأسفل بانتظار أن يحين دورها ليفتح لها المخرج الباب فتخرج لمواجهة الجمهور وحيدة على خشبة المسرح. "كانت هذه اللحظات صعبة جداً. انتابني شعور بأنني لا أريد الخروج للوهلة الأولى. للحظة شعرت بأنني نسيت كل ما حفظته. ولكن ما إن صعدتُ إلى المسرح وواجهت الجمهور نسيتُ كيندا. ارتديت الروب وأصبحت فعلاً لـ15 دقيقة من الزمن امرأة في الـ35 من عمرها، هجرها حبيبها، تقضي وقتها في التهام الطعام، تعاتبه وتنتحر في النهاية". تقول حنا أن ما يميز المسرح هو أنه عليك أن "تنسى من أنت وتختار من تكون لفترة زمنية محدودة".

تشرح المخرجة لينا خوري لـ"المدن" عن تمارين "التحمية" التي يقوم بها الممثلون في أول أسبوعين تقريباً من التدريبات. تتنوع هذه التمارين بين جسدية لترخية الجسم وجعله أكثر ليونة ومرونة، وصوتية لتمرين الحبال الصوتية ومساعدتها على التعبير الصحيح وإعطائها القدرة لتوسيع مدى الصوت. وتوجد أيضاً تمارين فيزيولوجية وعاطفية تساعد الممثل على الغوص في الشخصية التي يؤديها.

في الواقع، تختلف الأساليب التي يتعامل فيها المخرجون مع الممثلين، خصوصاً بشأن هذه التمارين. إذ تتفق المخرجتان لينا أبيض ولينا خوري على أن نوعية هذه التمارين ومدتها تتحدد وفقاً للمخرج والممثل ونوعية النص أيضاً. ففي مسرحية "الديكتاتور"، وهي من إخراج أبيض، التي تعاملت في مسيرتها مع ممثلين محترفين ومبتدئين على حد سواء، لم تكن بحاجة لهذه التمارين بوجود عايدة صبرا وجوليا قصار. فبالنسبة لها العمل مع هاتين الممثلتين هو كالعزف على آلة موسيقية من الطراز الأول. تسترجع أبيض مشهداً من التمارين مع قصار، حيث كانت الأخيرة توقف نقاشاً يدور بينهما حول الدور، وفي ثوان معدودات، تتحول من جوليا الى الشخصية التي تؤديها في المسرحية. وهذا ما لا يتمكن غالبية المبتدئين من القيام به. تخبر حنا "المدن" كيف كان مخرجا العمل يسألان الممثلين عن كل تفصيل دقيق في حياتهم لمساعدتهم لاحقاً في الوصول إلى الأحاسيس المناسبة وكيفية خلق الشخصية الصحيحة، من خلال تذكيرهم بشعورهم في لحظات معينة.

"هؤلاء الأشخاص هم في حالة تأهب دائم للمسرح. حياتهم عبارة عن مسرح في كل يوم وكل وقت"، تقول أبيض عن صبرا وقصار. تفسر أبيض أهمية التمارين للشباب والمبتدئين. فهم بحاجة لبعض الوقت لتجميع طاقتهم المتناثرة وإبعاد التشتت الذهني لتشكيل فريق متناغم ومنضبط. وفي وقت تتاح للمخرج خيارات إخراجية أوسع وأعمق في حال تعامل مع ممثلين محترفين تبقى متعة التجربة واكتشاف الذات مع الممثلين الجدد.
"كنت أقول للمثلين أنني أريد أن أغمض عيني لأسمع صدقكم وأشعر بعفوية طبيعية"، يقول فراس بو زين الدين. فراس الذي أخرج مسرحية "فخامة الرئيس" لجلال خوري، تعامل مع نوعين من الممثلين في العمل ذاته، وأعطى أهمية كبيرة لتمارين "التحمية". كانت الحصص التدريبية تنطلق بابتكار تمارين جديدة تُكتشف من خلالها نقاط الضعف الصوتية أو الجسدية أو حتى النفسية. فـ"المسرح يحتاج إلى جاهزية تامة"، بالنسبة لفراس، وقد باتت هذه التمارين في وقت قصير من مسؤولية الممثلين، بعد أن أدركوا أهميتها ومدى تأثيرها عليهم.


استراحة
يقول أوسكار وايلد أن "المسرح هو الطريقة الفورية التي يشارك فيها الإنسان مع غيره المعنى الحقيقي لأن يكون إنساناً". المسرح هو حالة من المواجهة المتناقضة. فهو بالإضافة الى الراحة النفسية التي يبعثها يثير القلق في الوقت نفسه. إذ يعري الممثلين، والأفكار نفسها، أمام الجمهور، فيبدون كأنهم عراة على الخشبة، متجردين من شخصياتهم الحقيقية، للغوص في مكان وزمان مختلفين عن الواقع لفترة من الزمن. فالخشبة هي المكان الذي تستطيع أن تكون من تريد متى تريد. تخبرنا حنا كيف أن المسرح يساعد على فهم الآخر. فكما تريد أن تغوص في أعماق الشخصية لفهمها، تصبح قادراً على استيعاب جميع من حولك.


الفصل الثاني
تسيطر حنا على الخشبة. الجميع ينظر إليها ويتفاعل معها. يضحكون فتضحكهم أكثر. يبكون فتبكيهم أكثر. "على المسرح تشعر بنفَس الجمهور، تسمع صوته وتدرك ردة فعله"، تقول حنا. الفرق بين المسرح والسينما هو أن المسرح فرصة لمرة واحدة لا غير لكسب الجمهور أو خسارته. ففي آخر عمل لها "شي متل ألاسكا" أدركت حنا أن الجمهور كان يريدها أن تضحكه في وقت لم يكن دورها "كوميدياً"، فأيقنت أن عليها أن تمشي بحسب ما يريد الجمهور كي لا تخسره.

تعتقد أبيض أن الجمهور هو من أهم عوامل المسرحية، فهو إما يدمرها أو ينهض بها. والممتع بالنسبة اليها، أنه "من الصعب معرفة كيف ستنتهي المسرحية وكيف ستتطور الأحداث، فهذا يتحدد خلال العرض ووفقاً للجمهور". إذ تتوضح المسرحية عندما تلتقي بالجمهور. فهي كمخرجة تشاهد المسرحية عن بعد ومع أشخاص آخرين لتصبح قادرة على نقد نفسها وطرح الأسئلة. أخيراً، في مسرحياتها مثل "فنتازيا"، "هيدا مش فيلم مصري"، "ألاقي زيك فين يا علي؟" بات الجمهور يشكل جزءاً من المسرحية، إما لكونه مخاطباً بشكل مباشر، كما في الأخيرة، وإما لمشاركته في الديكور كما في "فنتازيا". إذ كان الجمهور والممثلون يجلسون سوية داخل خيمة الطفولة. وهي تعمل على فكرة من هذا النوع في عمل جديد لها.

الجدير ذكره أن الجمهور يختلف في تعاطيه مع المسرح من بلد لآخر. قدمت نائلة الحارس مسرحية "الرائعون" في لبنان ومصر. تنقل الحارس لـ"المدن" قلق فريق العمل خلال العرض، عندما لاحظوا ان الجمهور المصري يصفق خلال المسرحية عند إعجابه بأي تفصيل. وهذا ما كان يمكن أن يؤثر على أدائهم لـ"كونه لا يعتمد على الحوار بل على التعبير الجسدي". والحارس، التي قدمت حتى الآن عروضاً عديدة، لا تزال تعاني من رهبة المسرح. "بحس معقول انسى كيف اتنفس بأول عشر ثواني عالمسرح".

على الرغم من كونه تراكماً لخبرات وتجارب سابقة يبقى المسرح تحدياً كبيراً. وفي كل مرة يجب البدء من الصفر. وفي صراع بين الخوف من الفشل والتكرار يكمن التحدي الأكبر في هذا العالم، الذي يبدو مطابقاً للحياة. لكن الفرق اننا في المسرح ندرك أن هذا قناع مؤقت، أما في الحياة فكل شخص هو بطل مسرحية يخوضها. ولكن في الوقت نفسه يبقى المسرح هو المكان الذي تشكل فيه عائلة من غير دمك.


                                                ** الستارة **

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب