الأحد 2015/10/04

آخر تحديث: 12:12 (بيروت)

مشروع المعمار جاد الحاج: السجن كمكان "اجتماعي"

الأحد 2015/10/04
increase حجم الخط decrease
تعتبر السجون من أكثر القضايا الشائكة في لبنان، خصوصاً لجهة غياب التوجه لإعادة تأهيل السجناء فيها، وعدم تأمينها الحقوق التي تقرّها المنظمات الدولية الحقوقية والانسانية. "بعد ظهور المؤسسات التأهيلية، ومنظومة التأهيل الحديثة، والتطور الكبير الذي طال مجالات تنفيذها، لم تعد المؤسسات العقابية أو السجون مجرّد أبنية يتمّ فيها عزل السجناء عن المجتمع وإنزال شتى أنواع الحرمان بحقهم، بل صارت مؤسسات لها وظيفتها الاجتماعية الكامنة في إستغلال فترة سلب الحرية في إصلاح المحكوم عليهم وتأهيلهم بهدف إعادة دمجهم في المجتمع بعد الافراج عنهم"، على ما جاء في مقدمة أطروحة المهندس المعماري جاد الحاج المتخرج حديثاً من كلية الفنون في "الجامعة اللبنانية" والحائز على المرتبة الأولى لأفضل مشروع تخرّج بعنوان "ما وراء قضبان السجن، مركز اعادة تأهيل في المدينة".


اختار الحاج أن يكون مشروع تخرّجّه سجناً أو مركز إعادة تأهيلٍ، لكن في رؤية جديدة مبتكرة تختلف عن سجون لبنان البالغ عددها 21 سجناً. عن سبب اختيار هذه القضية يقول الحاج: "اخترت هذا المشروع في فترة تزامنت مع موجة الأوضاع المأساوية في السجون اللبنانية، خصوصاً سجن رومية. اقتراح الفكرة والحصول على موافقة الأساتذة كان صعباً فمعظهم كان يرى في خاتمة المشروع سجناً كالسجون اللبنانية الأخرى. ولكنّي أردت أن أقنعهم بأن تصميمي سيحوِّل ما يسمى بالسجن الى مركز اعادة تأهيل له أثر ايجابي". هكذا، انتقى الحاج موقع المشروع على أطراف المدينة في منطقة كورنيش النهر المحازية لنهر بيروت. هذا الموقع المهم لا يجعل من المركز مكاناً منعزلاً ولا يشكّل عائقاً أمام سكان المدينة في آن. اضافة الى ذلك، فالمشروع المُقترح قريب من نواة العاصمة حيث توجد أبرز المؤسسات العسكرية والقضائية الى جانب المستشفيات.

في لقاء مع "المدن"، شرح الحاج أنّ استناده الى الكثير من المراجع والدراسات، خصوصاً تلك المتعلقة بعلم السجون الحديثة والسلوك النفسي للسجين، ساعد تصميمه المعماري على مراعاة ثلاث مراحل تُسهم في اصلاح السجين. وهي العزل، اعادة التأهيل ومن بعدهما التفاعل مع المحيط الخارجي. كل مرحلة تحتاج إلى وحدة سكنية خاصة بها. فعلى سبيل المثال، فالمرحلة الأولى تحتاج إلى وحدة سكنية صغيرة منعزلة تكون جدرانها شفافة بالكامل بحيث يستطيع رجال الأمن مراقبة السجين الذي يمتلك مكتباً ومخرجاً واحداً نحو وحدة طبيعية صغيرة جداً مخصصة لغرفته، ولا تتصل بالمحيط الخارجي بتاتاً. بعد ذلك ينتقل السجين إلى وحدات أكبر حجماً تتيح التفاعل والعيش مع السجناء الآخرين والقيام بأعمال زراعية وأنشطة رياضية في مراحل أخرى. هذا التدرج في التصميم يظهر تطور العلاقة مع العالم الخارجي، بحيث يؤثر ذلك على الحالة النفسية للسجين الذي يشعر بالتدرّج والترفّع كلما اجتاز مرحلة ما.

تعاني سجون لبنان من مشكلة إكتظاظ، وغياب انشاءات حديثة تأخذ في الاعتبار المعايير العالمية المعتمدة في السجون، والتي تضمن الحفاظ على حقوق الانسان، كما تفتقد السجون إلى عنصر بشري متخصص وإلى البرامج التأهلية. والحال أن هذه الركائز هي أساس ما يقترحه الحاج، الذي اعتبر أنّ "المشروع هو نموذج يسعى إلى طرح منظومة تأهيلية جديدة في بلادنا، وإلى تحويل الفكر السائد لدينا عن السجون وعن التعاطي مع المحكوم عليهم".

والمشروع مصمّم ليتسع لـ300 سجين يتقاسمون بالتساوي المراحل الثلاث. وهو يضم برج مراقبة عالياً يشرف على جميع غرف السجناء في مراحلهم كلها، بالاضافة الى الحدائق المخصصة لهم لضمان حفظ الأمن. التعرجات في واجهة المشروع تضمن دخول أشعة الشمس الى كل الغرف، وبالتالي تأمين كافة المتطلبات القانونية في أنظمة السجون. ينهي الحاج حديثه بالتأكيد على الدور الأساسي والفعال الذي يمكن للمعماري أن يلعبه في تفعيل الرسائل الانسانيّة والاجتماعيّة في المجتمع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها