الخميس 2014/11/20

آخر تحديث: 15:32 (بيروت)

عن جاذبية "14 آذار"

الخميس 2014/11/20
عن جاذبية "14 آذار"
من ذكرى 14 آذار (تصوير: علي علوش)
increase حجم الخط decrease

 

يعيدنا إدلاء النائب مروان حمادة بشهادته أمام المحكمة الخاصة بلبنان إلى مرحلة لبنانية نشعر منذ مدة أنّها أصبحت من الماضي، وأنّ الأحداث حولنا تجاوزتها. أعادت شهادة حمادة إحياء الربط بين ما كان يجري في لبنان زمن الوصاية السورية، وما يجري في سوريا اليوم من أحداث كانت بدايتها انتفاضة شعبية في وجه الحكم في دمشق. وهذا سجال لم يحسم أصلاً. فهل يمكن اعتبار ما جرى في لبنان في آذار 2005 مقدمة لأحداث الربيع العربي، وخصوصا في سوريا، أم كان دينامية خاصة لا علاقة لها بما جرى في الجوار العربي ؟

 

أكثر من ذلك، أحيت شهادة حمادة السردية المحفزّة لـ"انتفاضة الاستقلال"، من خلال رواية تدخلات الحكم في دمشق في السياسة اللبنانية، و"مضايقته" الرئيس رفيق الحريري الذي كان اغتياله حدثاً مؤسساً لهذه الانتفاضة في آذار 2005. والحقيقة أنّ هذه السردية ترتبط جوهريا بخطاب "الوطنية اللبنانية" الذي حملته "14 آذار" من دون أن تتمكن من تجسيده بطي حقبة الوصاية السورية وآثارها على السياسة والاجتماع اللبنانيين. وبهذا المعنى تشكل شهادة حمادة أمام "المحكمة الدولية" مناسبة استعادية لمسار "14 آذار" وخطابها، بعد أن تملكنا الشعور بأن فاصلا نفسيا وسياسيا شاسعاً بات يفصلنا عن لحظة 14 آذار 2005.

 

تبدو "14 آذار"، اليوم، عاجزة عن إحياء خطابها "التأسيسي". ويكفي للدلالة، ولو رمزيا، على ذلك، معاينة اهتمام اللبنانيين بشهادة حمادة، التي على استعادتها حقبة مهمة من "المأساة" اللبنانية، لم تحظ بالاهتمام الذي حظي به، مثلاً، إعلان الوزير وائل أبو فاعور عن أسماء مؤسسات مخالفة للسلامة الغذائية. بمعنى آخر، فقدت "14 آذار" وخطابها قدرتهما الاستقطابية، وهذا مفهومٌ إذا ما قيس على الفارق الزمني الكبير نسبياً بين الحدث وروايته مع كل ما شهده لبنان من تحولات. وإذا ما قيس أيضاً على هول الأحداث في المنطقة وخصوصا في العراق وسوريا، ناهيك عن التخبطات والإلتباسات "الربيعية" في مصر واليمن وحتى في تونس.

 

وتجاوزاً لمراجعة مسيرة "14 آذار" بأخطائها ومكتسباتها، من دون إغفال الهجمة الشرسة التي تعرضت لها بالاغتيال والترهيب، هناك اليوم متغيرات جذرية حولنا، ومشهد مختلف تماماً عن المشهد المحيط بآذار 2005. انقلبت المنطقة رأسا على عقب، وبالتالي بديهي أن لا يبقى خطاب "14 آذار" بمنأى عن هذا الانقلاب، محافظاً على سرديته الأولى ومستمدا منها شرعيته وحركيته.

 

فالوقائع اليوم تحيلنا إلى صعوبة أي عملية استنهاضية لـ"السردية الاستقلالية" وبالتالي لـ"الوطنية اللبنانية". وإذا كان من خلاصة من تجربة "14 آذار" فهي أن لا إمكانية لإحياء أي "وطنية لبنانية" بمعزل عن "حزب الله" وقاعدته الجماهيرية، في وقت يستمر هذا الحزب في مشروعه الأكبر من لبنان، وآخر ترجماته انخراطه في الحرب السورية، متجاوزاً تداعيات هذا المشروع على العلاقات اللبنانية اللبنانية، وبالتالي على إمكان إحياء أي "وطنية لبنانية". وهذا بطبيعة الحال تناقض لن يستطيع لبنان تحمّله مدة طويلة، وقد يطيح به وبتجربته كلها ربما.

 

بين هذين الحدين، أي فشل "14 آذار" في إحياء "الوطنية اللبنانية" ومكابرة "حزب الله" عليها، تموت السياسة في لبنان تدريجاً، ويتراجع اهتمام الناس بها، خصوصا في ظل تزايد همومهم المعيشية وآخرها أمنهم الغذائي. وهذا غير مستغرب بعد التاريخ الطويل من التفكك اللبناني، وفي ظل التخريب الهائل حولنا، والذي يصعب معه توقع مصير بلدان المنطقة ومجتمعاتها، ولبنان دولة ومجتمعا في صلبها. وهذا أيضاً سبب رئيسي لفقدان "14 آذار" جاذبيتها، وحتى لفقدان لبنان جاذبيته.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها