الثلاثاء 2024/04/09

آخر تحديث: 18:01 (بيروت)

الرواية الأمنية غير مقنعة.. باسكال كان يصرخ: "لا تقتلوني"

الثلاثاء 2024/04/09
الرواية الأمنية غير مقنعة.. باسكال كان يصرخ: "لا تقتلوني"
كان هاتفه مفتوحاً: "لا تقتلوني.. أنا أب ولديّ أولاد.." (الانترنت)
increase حجم الخط decrease

إلى جانب إحداثها حالةً من التأجج الشعبيّ، وإن صحّ القول "التفرقة الأهليّة"، تمكنت حادثة مقتل منسق القوات اللبنانية في جبيل، باسكال سليمان، من اجتذاب اهتمام السّلطات القضائية والأمنيّة. هذا الاهتمام الذي تحول لاحقًا في السّاعات الأخيرة إلى أولويّة أمنيّة وسياسيّة، حثّت القضاء اللبناني على تكثيف محاولاته للكشف عن أسباب هذه الجريمة، واحتواء تداعياتها الأمنية والسياسية.

الرواية الأمنيّة
ليل أمس، عاش اللبنانيون صدمة بالغة عقب انتشار خبر مقتل سليمان، ونظرًا لخطورة هذه الجريمة، عُقد  اليوم الثلاثاء 9 نيسان، اجتماع استثنائي لمجلس الأمن المركزي، وصرّح وزير الداخلية والبلديات، القاضي بسام المولوي، قائلاً: "إن جريمة قتل سليمان نفذها سوريون، وأن السيارة المستخدمة في العملية سُرقت من الرابية قبل أيام، وأن خلفيات الحادثة وغايتها يكشفها التحقيق، مؤكدًا أن التحقيقات تجرى بطريقة شفافة ومحترفة، لافتًا إلى أن نسبة الموقوفين في السوريين في السجون اللبنانية بلغت 35 بالمئة".

وحسب معلومات "المدن"، فقد ألقي القبض على تسعة أشخاص، أحدهم من منفذي عملية الخطف، وجرى التحقيق معهم في قضية خطف سُليمان وقتله. ووفقًا للمصادر القضائية البارزة في حديثها لـ"المدن"، فإن عددًا من الموقوفين لا علاقة لهم بقضية سليمان بشكل مباشر، وهم أفراد من عائلة المدبرين لهذه العملية، ولكنهم شاركوا في عمليات نشل سابقة ويُجرى التحقيق معهم على هذا الأساس.

إذن، فإن الرواية الأمنيّة الرسمية جاءت كالتالي: تمت ملاحقة سليمان بهدف السرقة، وقامت مجموعة مؤلفة من ثلاثة أشخاص من التابعية السورية بخطفه، وضُرب بالمسدس على وجهه بسبب مُقاومته لهم، ووضع في صندوق السيارة ونُقل إلى عكار ومن ثم إلى منطقة القصر التي تقع عند الحدود اللبنانية-السورية، وأدخل بعدها إلى سوريا. وخلال نقله من لبنان إلى سوريا، انخفض منسوب الأوكسيجين في جسمه وفارق الحياة فورًا.  

ووفقًا لإفادات الموقوفين، فقد أكدوا أن غايتهم الأساسيّة هي سرقة سليمان لا قتله، وقد جاء القتل "كحادثةٍ غير متوقعة وغير مقصودة"، ذلك بعد تعرضه لضربات على وجهه ورأسه لقمع مقاومته للجناة، تخوفًا من إثارة الضجّة وحشد سكّان المنطقة. وأفادوا أنهم نفذوا ما طُلب منهم وحسب، وقد تلقوا الأوامر من شخص مقيم في سوريا. ورُجح بكونه رئيس هذه العصابة، كما واعترفوا بأن هذه العصابة نفذت سرقات متعددة في المتن وجبيل كسروان لسيارات باهظة الثمن.

ملابسات مبهمة، وسوابق جنائيّة
وهذه الرواية التي خرجت بها الأجهزة الأمنيّة، والتي يعمل بموجبها القضاء حاليًّا حول ظروف جريمة القتل التي وقع ضحيتها سُليمان، مفيدةً عن تعرضه لعملية سرقة من قبل "عصابة مسلحة"، ومستبعدةً فرضية الاغتيال السّياسي وفق ما يشيعه حزب القوات اللبنانية وباقي الأحزاب المسيحية أو غيرها، تبقى رواية مثيرة للشكوك لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، بوصفها روايةً غير مقنعة.

وكانت الأجهزة الأمنية قد باشرت في التحقيقات فور تبلغها بخطف منسق القوات اللبنانية في جبيل منذ يومين، ليتبين لاحقًا أن السيارة التابعة لهذه "العصابة" قد تُركت في طرابلس. وحسب مصادر "المدن"، فبعد الاستماع إلى إفادات الموقوفين، برروا نقل سليمان إلى سوريا تجنبًا لانفضاحهم.

عمليًا، الرواية الأمنية لم تكن مُقنعة بشكل كافٍ، خصوصًا لناحية تركهم لسيارتهم في طرابلس، والإصرار على نقل سليمان إلى سوريا، فهل من المنطقي أن تسرق سيارة أحد المواطنين، وتتخلى العصابة عن السيارة الخاصة بها؟ وهل من الطبيعي أن يُنقل المخطوف من لبنان إلى سوريا؟ والأهم كيف أدخلت جثة سليمان إلى سوريا؟ وكيف عبرت الحدود اللبنانية-السورية؟

وحسب معلومات "المدن"، فإن جثة سليمان وصلت إلى بيروت وتسلمها المستشفى العسكري، وقد حُدد موعد الدفن يوم الجمعة المقبل، وذلك ليتمكن الطبيب الشرعي من الكشف على الجثة. وحسب هذه المصادر، فإن النيابة العامة وافقت على أن يُشارك أطباء من القوات اللبنانية خلال عملية تشريح الجثة، وذلك للتأكد من آثار العنف المميت على الجثة، إن كانت فعلًا نتيجة ضربه بالمسدس على وجهه أم أنه قتل بشكل مقصود.

من جهة أخرى، أفاد  أحد الموقوفين أنهم سبق واقترفوا عمليات سرقة ونشل في المتن وكسروان وجبيل، ولكن حتى الساعة، لم تتمكن الأجهزة الأمنية من إثبات هذا الأمر، وهو ما يبعد فرضية قتل سليمان بهدف السرقة.

هاتف باسكال سليمان
مصادر أخرى مطلعة أفادت لـ"المدن" أن باسكال سليمان، الخمسيني والمتأهل من ميشلين وهبة، ووالد ثلاثة أولاد، حسن السيرة، وينتمي إلى الطبقة الوسطى الاقتصاديّة، وكان يشغل منصب مدير المعلوماتية في بنك بيبلوس، وتحديدًا في الإدارة المركزية في الأشرفية – بيروت، وأصله من بلدة "ميفوق". ويتنقل بصورة دوريّة بين الحازمية وعمشيت. وقبل اختطافه بدقائق قليلة، كان على اتصال هاتفي مع رئيس مركز القوات اللبنانية في عمشيت لأكثر من ثلث ساعة وبقي الخط مفتوحًا لحوالى النصف دقيقة لدى عملية الاختطاف، وقد سمع رئيس مركز القوات، صراخه وكلماته الأخيرة، قبل أن ينقطع الاتصال: "لا تقتلوني.. أنا أب ولديّ أولاد..".

ورجحت مصادر أخرى أن تكون حادثة القتل ناتجة عن منصبه في بنك بيبلوس، وأن تكون هذه الحادثة شبيهة لقضية انطوان داغر، مدير الأخلاقيات وإدارة المخاطر في بنك بيبلوس أيضًا الذي قُتل في ظروف غامضة، وخُتمت الجريمة بالإشارة إلى مجهول آنذاك. وفرضيات أخرى أيضًا طُرحت حول مشاركة العشائر البقاعيّة في خطف سُليمان. هذه العشائر التي تضم بعض العصابات المسلحة والإجرامية الخطيرة.

على أي حال، وفيما تبقى ظروف قتل سليمان مبهمة وملتبسة وبانتظار انتهاء ملف التحقيقات، حتى لحظة كتابة هذا التقرير، فإن الحادثة وبكل ملابساتها تطرح إشكالية لا يمكن إغفالها، هي التدهور الأمني الطردي وغير المتدارك حتى اللحظة، أكان بسبب انهيار أسس الدولة وإفلاس السلطات، والتغطية المستمرة على المتفلتين والجناة، تلبيةً لمآرب سياسية تارة، وتقاعسًا تارةً أخرى. هذا ويبقى موت المواطنين مجانيًّا، وتبقى عدالتهم خبرًا مؤجلًا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها