من بين هؤلاء الوسطاء وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، ووزير الدفاع الفرنسي، ورئيس الاستخبارات، والموفد الرئاسي الخاص للرئيس إيمانويل ماكرون. لكن الأكثر نشاطاً آموس هوكشتاين، موفد الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي توسط بين إسرائيل ولبنان في قضية الحدود البحرية. لقد زارنا هذا الأسبوع، والتقى متخذي القرارات، قبل أن يعود بعدها إلى بيروت.
عودة إلى 1701
بصورة عامة، يقترح الوسطاء اتفاقاً دائماً لوقف إطلاق النار بين الطرفين، وبعده انسحاب ناشطي حزب الله إلى مسافة تبعد 10-12 كلم عن الحدود، وتدعيم وتعزيز انتشار قوات اليونيفيل والجيش اللبناني في الجنوب. بكلام آخر، إعادة تطبيق القرار 1701 الذي اتُّخذ في سنة 2006، بعد حرب لبنان.
في مقابل ذلك، سيُطلب من إسرائيل الموافقة على تعديل حدودي ضئيل نسبياً في 12 نقطة، هي موضع خلاف على طول الحدود المشتركة. لكن المشكلات الأكثر تعقيداً هي في منطقة مزارع شبعا وقرية الغجر المقسومة إلى نصفين، ومؤخراً فقط، جرى توحيدها تحت سيطرة إسرائيلية كاملة.
كما في غزة، كذلك في لبنان، لا تجري المفاوضات بصورة مباشرة مع التنظيم "الإرهابي". ولبنان بعكس غزة، هو دولة ذات سيادة، ظاهرياً، لكن ظاهرياً فقط. وحكومة تصريف الأعمال هي تماماً مثل الحكومة القطرية، تنقل الاقتراحات إلى حزب الله، الذي يُعتبر السيد الحقيقي في هذا البلد، وتنتظر ما يقوله.
لقد سبق أن أعلن نصرالله، أكثر من مرة، أنه لن يوافق على وقف إطلاق النار قبل توقُّف القتال في غزة (ومن الجيد أنه لم يطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي ورفع الحصار)، لكنه لمّح إلى أنه منفتح ومستعد للاستماع إلى أي مقترح لاتفاق سياسي يوقف الاشتباكات على الحدود الشمالية، ويمنع الحرب الشاملة.
هناك عدة أسباب وراء هذا الموقف. الأهم بينها أن حزب الله أقامه الإيرانيون، قبل كل شيء، للدفاع عن مصالح إيران (الشيعية)، وكموقع متقدم في حال تعرُّضها للهجوم، وليس لكي يُدمَّر من أجل إنقاذ تنظيم فلسطيني (سنّي). ومن أجل فلسطين، يُسمَح بالتضحية بمئات الناشطين، لكن لا ضرورة للانتحار.
الرابح..
استعداد حزب الله لـ"الاستماع" إلى الوسطاء له علاقة أيضاً بحقيقة أن الحرب المحدودة التي يخوضها الحزب ضد إسرائيل تسببت بإخلاء المستوطنات الإسرائيلية في الشمال، وبأضرار جسيمة، لكنها أيضاً أجبرت أكثر من 100 ألف من السكان اللبنانيين، أغلبيتهم من الشيعة، على مغادرة منازلهم في الجنوب اللبناني.
هناك سبب آخر منع نصرالله من إغلاق الباب في وجه تسوية سياسية وفق الخطوط المطروحة، هو أنه سيخرج في الوضع الراهن كالرابح الأكبر. أحد الأمثلة لذلك، تعهدت إسرائيل إجراء تعديلات على الحدود، وربما القيام بانسحابات صغيرة، لكن قدرة حزب الله على البدء بحرب ضد إسرائيل في أي لحظة لن تتضرر. ذلك بأن معظم الصواريخ التي في حوزته يمكنه إطلاقها من وراء الليطاني، وليس هناك أي قوة في العالم، وبالتأكيد، لا اليونيفيل، ولا الجيش اللبناني، قادرة على منع عودة ناشطي "قوة الرضوان" إلى الجنوب، ولا سيما أن معظمهم من سكان القرى في المنطقة.
اليوم التالي
هل يشكل هذا سبباً لكي ترفض إسرائيل التسوية السياسية وتصرّ على فتح حرب أخرى في الشمال؟ كلا. إن اندلاع حرب في الشمال في أي مرحلة من أجل إزالة تهديد حزب الله، هو أمر غير مستبعد، وربما لا مفرّ منه في وقت قريب، إذا حاول حزب الله التشدد في شروط التسوية المقترحة، وطالب، على سبيل المثال، بوقف تحليق سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية.
لكن من أجل بدء حرب في لبنان لنزع سلاح حزب الله، نحن بحاجة إلى الوقت، ليس فقط من أجل التخفيف من معارضة الأميركيين، بل أيضاً من أجل الاستعداد لمواجهة حرب على أكثر من جبهتين، وتجديد قواتنا ومخازن السلاح، وأيضاً من أجل إعداد الجبهة الداخلية الإسرائيلية لمواجهة مستوى غير مسبوق من الهجمات والدمار.
حتى ذلك الحين، من المفيد أن نتحدث مع الأميركيين بشأن إيران، و"اليوم التالي" في لبنان عموماً، على سبيل المثال، رفع الحظر السعودي عن الزعيم السنّي اللبناني سعد الحريري، الذي يتزعم المعسكر المعادي لحزب الله. لكن من الصعب القيام بذلك، بينما لا يوجد حتى القليل من التفاهم مع واشنطن بشأن "اليوم التالي للحرب" في غزة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها