الإثنين 2023/04/03

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

قضاء و"أمن" بمواجهة أحرار الصحافة: من الفار من العدالة؟

الإثنين 2023/04/03
قضاء و"أمن" بمواجهة أحرار الصحافة: من الفار من العدالة؟
سجّل لبنان تراجعًا صادمًا في التصنيف العالمي لحريّة الصحافة (المدن)
increase حجم الخط decrease

هل يخسر لبنان تدريجيًا، آخر ما تبقى له من حيز الحريات المتضائل، لصالح غلبة السّلاح، وتفشي العنف، واستحكام اللصوص، والقتلة، والأشرار والفارين من العدالة؟ من يردع هؤلاء في محاولاتهم لطمس جرائمهم، وتبكيت وتكميم أفواه الفاضحين لها، المصرين على سبر الحقيقة المطموسة؟ وهل هامش الحريّة بكل أنساقها في تضاؤلٍ مطّرد؟ هذه الأسئلة وما يتناسل عنها، تراود سواد المطلعين على المشهد اللّبناني اليوم.. بعدما باتت جليّةً شبهة الانهيار الكليّ والشامل والانحدار المزمن في معايير الحقوق والحريات. فمهما علا صوت المُتَهِمين واشتد العصيان، فإن صوت الطغمة الفاجر، عالٍ وقاهر.

فمنذ حوالى الأربعة أيام، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بخبر استدعاء كل من الزميلين جان قصير ولارا بيطار، بصورة مباغتة واعتباطية، ليتهافت غداة انتشار الخبرين، الغيارى على الحريات في لبنان ومن جملتها حرية الصحافة، إعلاميين، وصحافيين، وحقوقيين، ونواب تغيير، ببيانات الشجب والاستنكار للمسلك القمعي المُنتهج، باعتباره ترهيبًا وتكميمًا لأفواه المعارضين لهذا الفساد والقمع المنوط بالسّلطة الحاكمة. فيما دعا "تجمع نقابة الصحافة بالبديلة" إلى تحرك رمزي أمام قصر العدل، صباح اليوم الإثنين 3 نيسان الجاري.

استدعاء صحافيين
ليتبين لاحقًا أن استدعاء قصير الذي لم يتم وفق الأصول في مكان إقامته أو عمله، بل عبر اعتراض طريقه وهو يقود سيارته من قبل عنصرين من أمن الدولة كان للتحقيق معه على خلفية منشور على موقع "ميغافون" مطلع آذار من العام الجاري، تناول قائمة بأسماء ساسة ومسؤولين رسميين، عُنونت بـ"لبنان يحكمه فارون من العدالة"، تضمنت ذكر مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، الاسم الأبرز والأكثر جدليّة والمُشار إليه بتعطيل ملف تفجير المرفأ، بشبه إجماع في صفوف أصحاب الحقّ بهذا الملف والمتضررين منه.

وفيما لم يتوجه قصير إلى المديرية العامة لأمن الدولة، باعتبار أن لا "صلاحية لها بالتحقيق مع الصحافيّين"، حضرت عنه وكيلة "ميغافون" المحامية والناشطة الحقوقية ديالا شحادة. وقد تقدمت الأخيرة بطلب " تكريس الحصانة المكفولة بموجب قانون المطبوعات للصحافيّين فيما يتعلق بأفعالهم الصحافية"، وهو ما تمّ تدوينه في المحضر حرفياً. فيما ذيلت المنصة منشورها بمطالبة القاضي عويدات، بالمثول أمام المحقق العدلي طارق البيطار في قضية تفجير المرفأ، اتباعًا للأصول القانونيّة، ذلك كي يزيل اسمه من "قائمة الفارّين من العدالة".

أما عن رئيسة تحرير موقع "مصدر عام" لارا بيطار، فأشارت الأخيرة في حديثها لمركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز" أنها استدعيت للمثول أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في السادس من نيسان الجاري، على خلفية شكوى مقدّمة من حزب القوات اللبنانية، بسبب تحقيق نشره موقع "مصدر عام" الذي تديره بيطار، في 4 آب الفائت، تحت عنوان " القنابل الزمنية البيئية التّي تمّ تفريغها في مرفأ بيروت منذ عقود".

تحرك رمزي
وعليه حضر إلى أمام قصر عدل بيروت، صباح اليوم الإثنين الثالث من نيسان الجاري، وتلبيةً لدعوة تحرك أطلقها "تجمع نقابة الصحافة البديلة" للتضامن مع جان قصير وموقع "ميغافون" بوجه بطش السّلطة وترهيبها للصحافيين المعارضين لها، تحت شعار "زمن القمع ولّى.. وحان زمن المحاسبة"، مجموعة من الصحافيين والعاملين في القطاع الإعلامي وحقوقيين ومجموعات طلابية وثوريّة ذلك فضلاً عن حضور لافت لنواب "التغيير" كحليمة القعقور وإبراهيم منيمنة وفراس حمدان ومارك ضوّ، في تظاهرة حاشدة نسبيًا.

وقد رُفعت الشعارات المنددة، لاستدعاء جهاز أمن الدولة بإشارة من القاضي عويدات للصحافي، حيث تبنى الحضور صفة "الفار من العدالة" التّي أطلقها الموقع عليه. وعقب إلقاء التجمع بيان الشجب والاستنكار لهذه الممارسات القمعية، وإدانة القاضي والأجهزة البوليسية.. علّت أصوات المتظاهرين بالهتافات.

قانونية الاستدعاء
لدى تواصل "المدن" مع وكيلة "ميغافون" المحامية ديالا شحادة، للاستفسار عن تفاصيل استدعاء الصحافي جان قصير، أكدّت شحادة أن "أصول التبليغ المنصوص عنها بأصول المحاكمات المدنية تنصّ على تبليغ الشخص المعنيّ في مكان إقامته أو عمله، ويمكن تبليغه في مكانٍ آخر، إلا أن العرف والتطبيق درج على التبليغ في مكان الإقامة أو العمل، إلا أذ نصّ قرار القاضي المكلف خطيًّا أينما وُجِد وفي أي وقت إذا ما تعذر تبليغه في مكان الإقامة أو العمل. والأجدى كان في حالة قصير، تبليغه وفق الأصول، وإذا تعذر ذلك، فاللجوء إلى التبليغ الذي اعتمده عناصر أمن الدولة، بعد أخذ إذن خطي من القاضي طبعًا".

وأضافت:" جهاز أمن الدولة ضابطة عدلية، تستمد صلاحياتها من القضاء والقانون، وفيما يقدم قانون المطبوعات الحصانة للصحافيين فيما يتعلق بالأفعال ذات الطابع الصحافي، والتّي يلاحقون عليها، لجهة عدم المثول إلا أمام قاضي التحقيق أو محكمة المطبوعات، وبما أن الضابطة العدلية ليست منوطة بالتدقيق بأسباب الاستدعاء، فبرأيي أن القاضي تجاوز قانون المطبوعات بالطلب من أي ضابطة عدليّة استدعاء صحافيين. وإذا كان القاضي لا يعلم بأن الشخص الذي استدعاه صحافي، فالخطأ يجوز. أما إذا كان يعلم أن مؤسسة "ميغافون" هي مؤسسة صحافية، والعاملين فيها صحافيون، وطلب من الضابطة العدلية استدعاء صحافيين، فإنه بذلك يتجاوز الأصول المنصوصة في قانون المطبوعات، والتّي تزود الصحافي بالحصانة لجهة الأفعال المرتبطة بالأعمال الصحافية والتّي عليه التمسك بها في هذه الحالات".

صيغة محيِّرة
وفي سؤالها عن مدى قانونية الإشارة الصادرة عن القاضي عويدات، تشير شحادة إلى أن الإشارة ليست مخالفة للقانون، لكنها ليست سليمة تمامًا ومُحيرة، قائلةً "القاضي عويدات طلب من الضابطة العدلية التحقيق، لمعرفة من هم أصحاب موقع "ميغافون" واستدعاء القيمين عليه حول منشور إعلامي على هذا الموقع، الذي لم يتضمن أي قدح، وإنما تحدث عن عدد من الحكام والمسؤولين في السّلطات الثلاث، وهو من ضمنهم. فهنا يقع التساؤل، ما هو الفعل المشكو منه؟ أهو الذم (وهو نسبة أمر مسيء)، فكيف تستدعي هؤلاء من دون وجود ادعاء شخصي، خصوصاً أنه من الجرائم التّي لا تتحرك الدعوى العامة إلا بادعاء شخصي. فهل الإشارة للتثبت من أن ميغافون مؤسسة إعلامية؟ أم ما الهدف من هذه الإشارة؟".

ونوهت المحامية أنها من أصحاب الرأي الذي يعتبر أن جرائم القدح والذم يجب أن تنزع عنها الطبيعة الجزائية (بتعديل في قانون العقوبات) وتستبدل بطبيعة مدنية، حيث على المتضرر اللجوء إلى المحكمة المدنية، بعد إثبات الضرر وحجمه، عوضًا عن هدر طاقات الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية في استدعاءات لا طائل لها، على خلفية كلمة قيلت هنا ونشرت هناك، وتتكثف هذه الجهود في الجرائم الحقيقية. أضف إلى ذلك أن الملاحقة القضائية في قضايا الذم الواقعة على أشخاص الدولة وموظفي قطاع العام في معرض عملهم، تحولت إلى أداة لترهيب وكمّ أفواه أصحاب الرأي والصحافيين، خصوصًا على ارتكابات هؤلاء.

كما أكدّت أن صفة السّلطة الرابعة المنوطة بالإعلام هي ليست عن عبث، باعتبار أن الاعلام هو جهة التوثيق والمرجعية المؤثرة على مستقبل لبنان. دوره جوهري في كل القضايا، وعلى رأسها قضية تفجير المرفأ.

تراجع صادم
في تقرير أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود" تحت عنوان "عصر الاستقطاب الجديد"، حلّ لبنان في المرتبة 130 بين 180 دولة، مسجلاً تراجعًا صادمًا في التصنيف العالمي لحريّة الصحافة للعام 2022. واستدعاء الصحافيين المناوئين للمنظومة تارةً وقمعهم بحجج مواربة تارةً أخرى أو حتّى إخضاع المحامين للرقابة المسبقة، هو توكيد على هذا التراجع الرهيب في هامش الحريّات عامةً وهامش حرية الصحافة على وجه التخصيص.

بل ويشعل أوار الحديث مجددًا على أزمة لبنان الحقوقية المستفحلة، والتّي تآلف قسرًا معها المواطنون باختلاف مواقعهم. الأزمة التّي كانت المدخل للتطبيع مع عجز الشعب اللبناني المرير على مجابهة حكامه ومسؤوليه، من زعماء الحرب وحيتان المال وصولاً للقضاة الذين ارتهنوا بأحكامهم ووظائفهم المنبثقة من الشعب لصالح نادي الحكّام الفاسدين، والذي يُعطل بعضهم مسار التحقيق في قضايا كبرى كتفجير المرفأ، عبر المزايدة والمناكدة وقمع الغيارى على إبقاء الملف مفتوحًا لحين تحقيق العدالة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها