الأحد 2022/06/19

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

بكركي وسينودسها: آخر محاولات إنقاذ المسيحيين والرئاسة والبلد

الأحد 2022/06/19
بكركي وسينودسها: آخر محاولات إنقاذ المسيحيين والرئاسة والبلد
يستعد المسيحيون لمواكبة متغيرات جذرية في لبنان (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
يقف المسيحيون، الموارنة تحديداَ، على مسافة أشهر من انتهاء "العهد القوي"، ويطلون على مرحلة جديدة وحرجة. كانت مقولة انتخاب الرئيس الأقوى في طائفته، قد خرجت من اجتماعات عقدت للزعماء الموارنة الأربعة في بكركي، فتكرّست وأسهمت في وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.

اليوم تتغير المعطيات والقراءات المسيحية، ولدى بكركي تحديدًا. فقبل مدة خرج البطريرك الماروني بشارة الراعي بمعادلة خلاصتها ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، قوي في علاقاته مع الداخل والخارج، وقادر على إخراج لبنان من سياسة المحاور. وهذه المعادلة لا تنطبق على أي من الزعماء الأربعة.

قوة بكركي المعنوية
تاريخيًا، لم تكن بكركي ملحقة بأي طرف سياسي في لبنان. وهي على هذه الحال حتى اليوم. وهذا على خلاف حال المؤسسات الدينية لدى الطوائف الإسلامية. فالأقوياء سياسيًا لدى المسلمين، وتحديدًا السنّة والشيعة، غالبًا ما يأتون برجال دين من الداعمين لهم. لكن الواقع مختلف لدى المسيحيين. فغالبًا ما يكون تأثير البطريركية المارونية، المعنوي، السياسي، والاجتماعي كبيرًا على الرعية. وحتى الزعماء السياسيون الموارنة يحتاجون في الغالب إلى غطاء بكركي، نظرًا لتأثيرها الملحوظ على الرأي العام المسيحي. وهذا ما تشهد عليه وقائع انتخابات العامين 2005، و2009. وحتى انتخابات العام 2022، خرج المسيحيون من الاستحقاق الانتخابي بتكريس جملة وقائع.

فشل الرئيس القوي 
أظهرت الحيوية السياسية لدى المسيحيين إنتاج قوى سياسية متنوعة. فالتقدم الذي أحرزته القوات اللبنانية دليل على الحيوية والديناميكية في البيئة المسيحية. وكذلك حفاظ حزب الكتائب على وضعيته وتحسنه الملحوظ. وقد يكون الأهم تراجع التيار العوني، ووجود هامش واسع للقوى المستقلة.

يستعد المسيحيون لمواكبة متغيرات جذرية في لبنان، تبدأ سياسيًا بمحطتها البارزة: انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ثمة قناعة مسيحية أن تجربة الرئيس القوي لم تنجح. بل أدت إلى كثير من الانقسامات الداخلية والتبعات الخارجية السلبية، وأنتجت الكثير من الأزمات، مادام الرئيس القوي غالبًا ما يكون محسوبًا على طرف أو محور.

مراجعة بسيطة للعهود الرئاسية، تظهر أن كل رئيس قوي للجمهورية حمل عهده أزمات أو صدامات: من بشارة الخوري وكميل شمعون، إلى سليمان فرنجية وبشير وأمين الجميل، وصولًا إلى ميشال عون. أما الحقبات الرئاسية التوافقية فكانت تنتج نوعًا من التسويات أو تحقق الاستقرار والنمو. وهذه حال عهدي فؤاد شهاب وشارل حلو، إلى عهد الياس سركيس الذي أدار الأزمة بعد حرب السنتين، وصولًا إلى حقبة الياس الهراوي وميشال سليمان.

التجربة الرائدة.. والمرة  
سنتان بعد القرن على ولادة لبنان الكبير المعتبر تجربة نموذجية في الشرق، تمتع فيه المسيحيون بكثير من الامتيازات: أنتجوا نظامًا ديمقراطيًا، حفل بقطاعات ليبرالية منتجة، كالقطاع المصرفي، الشركات الاستثمارية، قطاع التعليم والتربية والصحة وسواها. وها يقف المسيحيون متفرجين على انهيار كل هذه القطاعات وذوبانها. فيما مؤسسات الدولة تسجّل أسوأ أنواع التدهور والانهيار.

لذا، تعالت صرخات البطريرك الماروني بشارة الراعي حول ضرورة البحث عن عقد مؤتمر دولي، لإقرار تحييد لبنان والبحث عن حلّ لأزمته السياسية الآخذة بالتعمق، مطاولةً القطاعات والمؤسسات كلها. ولا يُغفل المسيحيون، ولا سيما البطريرك الراعي، كيفية تحويل المواقع الأساسية في الدولة إلى ميادين تصفية حسابات مصلحية وشخصية. فلطالما انتقد الراعي استغلال النفوذ والمناصب للتشفي. وقد يعبر هذا عن أسى أعمق، يرتبط برؤية المسيحيين لإضعاف كل مقومات قوة مواقعهم في الدولة، كالحرب على حاكمية المصرف المركزي، وقيادة الجيش ورئاسة مجلس القضاء الأعلى.

سينودس الدولة والحياد 
شطر من هذه الاهتمامات حضر في مداولات سينودس الأساقفة الموارنة. فمقرراته الختامية جددت الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، هدفه إنقاذ لبنان بإعلان حياده حيادًا ناشطاً. وذلك لقناعة منهم بأن حياد لبنان ضمان وحدته وتموضعه التاريخي في هذه المرحلة المليئة بمتغيرات الجغرافيا السياسية.

والحياد كفيل باستعادة دوره ورسالته في الانفتاح والحوار والعيش معًا واحترام تعددية الانتماءات الدينية والطائفية والثقافية. وهذا يحتاج إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، وتطبيق القرارات الدولية التي لم تطبق حتى الآن. وطالب السينودس باستكمال تطبيق الدستور في بنود اللامركزية الإدارية الموسعة، واحترام استقلالية القضاء وتحصينه ضد التدخلات السياسية، وفصل السلطات لتستقيم الأمور.

والأهم أيضًا هو تأكيد السينودس على التمسك بالثوابت الوطنية: العيش المشترك، الميثاق الوطني، الصيغة التشاركية بين المكونات اللبنانية في النظام السياسي وتطبيقها تطبيقًا سليمًا. إضافة إلى العمل على بناء دولة حديثة بكل مقوماتها. أي دولة وطنية لبنانية جامعة، دولة قانون وعدالة ومشاركة، ودولة مواطنة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.

الحوار والتسوية
يخشى المسيحيون خسارة مميزات نجحوا في تكريسها في دولة لبنان الكبير. تتركز القناعة لديهم على أن حماية هذه المميزات تتحقق بالحوار والاتفاق على تحصين صيغة الدولة. وأي حوار لا بد أن ينتج حلًا توافقيًا لإطلاق عهد جديد، برئيس وحكومة على قدر من الانسجام والتفاهم، بعيدًا عن سياسة التحدّي أو القطع مع طرف على حساب الآخر.

هذا على الأرجح ما تركز عليه بكركي في الأشهر الفاصلة عن موعد انتخاب رئيس للجمهورية، وتحاول تعزيزه وتحقيقه على قاعدة ما تشهده المنطقة والعالم من تحولات ومتغيرات، تفرض في النهاية تسوية في الداخل اللبناني. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها