الخميس 2022/05/19

آخر تحديث: 14:30 (بيروت)

عكار: التهريب هو السياسة.. والمستقبل ربّح العونيين نكاية بالقوات

الخميس 2022/05/19
عكار: التهريب هو السياسة.. والمستقبل ربّح العونيين نكاية بالقوات
معظم ممثلي عكار ونوابها يمتهنون التهريب وكل أشكال التجارة غير النظامية (المدن)
increase حجم الخط decrease
أظهرت نتائج الانتخابات في دائرة الشمال الأولى، دلالات كثيرة حول واقع عكار. وبدا الحضور السوري جليًا في هوية معظم نوابها المستقبليين والعونيين. وإذا كان البعض يعتقد أن غياب تيار المستقبل أدى إلى تقدم التيار العوني في هذه المحافظة الطرفية، بفوزه بثلاثة مقاعد من بين أربعة، إلا أن جوهر هذه النتائج، هو أن عكار بحضور المستقبل أو غيابه، لا سياسة فيها تدور خارج خطوط التهريب وحماتها، من نافذين وتجار وسياسيين وقيادات لها تاريخها هناك، ولها مصالح كثيرة في سوريا. والسياسة فيها معبر لهذا الاقتصاد الرديف.  

وللأهداف عينها، جرى تعاطي معظم المرشحين مع شريحة واسعة من الناخبين في عكار، واعتمدوا على شغل الماكينات الانتخابية فحسب لشراء أكبر قدر من الأصوات.  

خريطة عكار الانتخابية  
بلغت نسبة التصويت في عكار نحو 49.72 في المئة، إذ ناهز عدد المقترعين 146667 مقترعًا، من أصل 309513 ناخبًا. وخلافًا لما كان مقدرًا، تجاوز الحاصل الانتخابي في الشمال الأول 21 ألف صوت. وهذا ما أدى إلى حصر المنافسة بين لائحتي "الاعتدال الوطني" التي ألفها نواب المستقبل، و"عكار أولًا" المدعومة من التيار العوني، في حين لم تتمكن اللوائح الست المتبقية من بلوغ عتبة الحاصل.  

وعليه، توزع نواب عكار حسب النتائج على الشكل الآتي:
حازت لائحة المستقبليين على 41848 صوتًا. وهذا رقم مرتفع يوازي نسبيًا الأصوات التي حازت عليها لائحة العونيين، إذ بلغت 41761 صوتًا. 
وعن المقاعد السنية الثلاثة، فاز كل من وليد البعريني (مستقبلي سابق نال 1109 أصوات تفضيلية). وكان لافتًا فوز نائبين من وادي خالد عن المقعد السني، وهما محمد سليمان (مستقبلي سابق نال 11340 صوتاً تفضيلياً)، ومحمد يحيى (حليف التيار العوني وحزب الله، ونال 15142 صوتًا تفضليًا)، أي نحو ضعفي ما ناله في انتخابات 2018 التي لم يفز بها.   
أما عن المقعد الأورثوذوكسي ففاز سجيع عطيه على لائحة المستقبليين بـ1948 صوتًا تفضيليًا، في حين فاز أحمد رستم عن المقعد العلوي من اللائحة نفسها بـ324 صوتًا تفضيليًا.  

غير أن مكاسب التيار العوني، لم تقتصر على نجاح حليفه السني الأقوى من وادي خالد، بل إن التيار انتزع المقعد الماروني من النائب السابق هادي حبيش (نال 7546 صوتًا) في القبيات، وفاز بالمقعد مرشح التيار جيمي جبور بـ8986 صوتًا تفضيليًا، مقابل حفاظه على المقعد الاورثوذوكسي لنائبه أسعد درغام بـ5754 صوتًا تفضيليًا.  

وإذا كانت خسارة حبيش لأول مرة منذ دخوله البرلمان في العام 2005 شكلت مفاجأة في عكار، خصوصًا أنه وضع كامل ثقله في تشكيل لائحة مع المستقبليين وسعى لجذب أصوات سنية هائلة بالمال الانتخابي كما منافسيه. لكن سجلت الانتخابات أيضًا خروج آل المرعبي من الندوة البرلمانية، نتيجة الخسارة المدوية التي لحقت بلائحة "عكار" التي نالت 19334 صوتاً وكان يرأسها طلال المرعبي (نال 3159 صوتًا تفضيليًا) بالتحالف مع حزب القوات اللبنانية عبر مرشحها وسام منصور عن المقعد الأورثوذوكسي (8264 صوتًا تفضيليًا).  

نواب التهريب  
ويبدو أن التيار العوني تمكن من فهم طبيعة اللعبة الانتخابية في عكار أكثر من القوات اللبنانية، وكذلك أصحاب الخبرة الطويلة من النواب المستقبليين الذين يتعاطون مع محافظتهم كجغرافيا لمشاريعهم غير النظامية وتكريس نفوذهم المناطقي والعشائري. ونستشهد هنا بما سبق أن صرح به النائب المنتخب وليد البعريني لـ"المدن" قبيل الانتخابات حين قال: "نريد الحفاظ على وجودنا، وإن كنا كنواب لا نتمكن من تحقيق أي إنجاز للمنطقة، و لا نريد الضحك والكذب على الناس وإيهامهم أننا نملك برامج، ولا أحد يملكها في ظل الظروف الراهنة، فنحن فقط نريد تمثيل أنفسنا وبيئتنا". ولعل أهم ما قاله في تصريحه حينها أيضًا: "لا أحد لم ينخرط بالتهريب في عكار، وكفانا خداعًا للناس، وحتى جماعتنا ومناصرينا انخرطوا فيها".  

وإذا كان معظم ممثلي عكار ونوابها يمتهنون التهريب وكل أشكال التجارة غير النظامية في المحافظة، وما تدور حولها من مصالح سياسية واقتصادية، فإن المفارقة كانت بما حققته وادي خالد على مستوى الانتخابات، التي جاءت بنائبين سنة. وإلى جانب النائب سليمان، تمكن مرشح التيار العوني محمد يحيى من التقدم عليه بنحو 4 آلاف صوت. علمًا أنه في انتخابات 2018، فاز محمد سليمان بالمقعد السني، فيما حصد يحيى حينها نحو 8400 صوت على لائحة التيار العوني.  

غير أن يحيى حظي بهذه الانتخابات بدعم استثنائي من التيار ومن خلفه حزب الله، ومن النظام السوري أيضًا وفق معلومات "المدن"، كونه واحد من كبار المتمولين ورجال الأعمال مع شقيقه رجل الأعمال مصطفى يحيى، وتجارتهما نشيطة في سوريا وعلى خط الوادي، وتتقدم بأشواط على تجارة الآخرين هناك (راجع "المدن").  

وللتذكير، فإن وادي خالد من أكثر المناطق الحدودية التي يدفع أهلها ثمن التفلت الأمني ونشاط التهريب، مقابل حرمانهم التاريخي من حقوقهم في الخدمات العامة والإنماء، كما يعانون من ضعف حاد بشبكات الهواتف. ويوجد في وادي خالد وحده -التي تضم تجمع قرى الدريب الأعلى- نحو 21 ألف ناخب على لوائح الشطب، وينتمون إلى طوائف متنوعة: السنية نحو 15 ألف ناخب، والعلويين نحو 4400 ناخب، والشيعة نحو 1000، وروم أرثوذوكس 2500 ناخب، وأقلية أخرى مارونية.  

وهذا ما تمكن كل من النائبين سليمان ويحيى الاستفادة منه، وإن تقدم الأخير على الأول بأشواط، خصوصًا أنه استفاد من علاقاته ومصالحه بالداخل السوري لاستمالة الناخبين.  

وهكذا،  تداخلت عوامل كثيرة بنتائج انتخابات عكار، وكان محركها الأول المال السياسي، كمحطة انتقالية لتكريس نفوذ الفائزين بكل ما هو مرتبط بالداخل السوري، وما هو مرتبط بالاعتبارت العائلية والصراعات السياسية التي تبلغ ذروتها على التنافس في جذب الأصوات السنية.  

ومثلما كان متوقعًا، دارت المعركة السياسية في عكار بين تيار المستقبل والقوات، ففاز الأول وسقط الثاني، نظرًا لقدرة المستقبليين على تجيير الأصوات واستنهاض العكاريين عاطفيًا. وهذا ما شكل خدمة مجانية للتيار العوني، الذي تقاسم مع المستقبليين تمثيل عكار. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها