الخميس 2022/05/19

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

حيوية المسيحيين: تقمصات باسيل الكثيرة.. وواحدية جعجع الجامدة

الخميس 2022/05/19
حيوية المسيحيين: تقمصات باسيل الكثيرة.. وواحدية جعجع الجامدة
ثبات جعجع يمكّنه من مواجهة العواصف (Getty)
increase حجم الخط decrease
تحتاج نتائج الانتخابات النيابية، مسيحيًا، إلى قراءات مختلفة ومتعددة. لكن الأكيد -رغم حيازة القوات اللبنانية والتيار العوني أكبر كتلتين مسيحيتين- أن المسيحيين أثبتوا مجددًا قدرتهم على التجدد والمحاسبة والمساءلة. يشير ذلك إلى حيوية سياسية لا مثيل لها، قابلها أيضاً "طفرة وعي" في الطائفة السنّية. وهذا يبنى عليه مستقبلًا.

أما الطائفة الشيعية فقد أظهرت "حيوية شعبية" لم تظهرها صناديق الاقتراع (لأسباب معروفة)، ولكن يمكن المراكمة عليها مستقبلًا. فالمفاجأة التي تحققت بخرقين في الجنوب الثالثة، وانخفاض نسبة التصويت الشيعي، يحفزّان كثيرين للمشاركة في المرحلة المقبلة، وحينذاك قد يحدث التغيير.

لكن الحركية المسيحية وحيويتها، تظهران قدرة لافتة لدى المسيحيين على التجديد، رغم أن التيار العوني والقوات اللبنانية يحتاجان إلى مراجعات.

باسيل: الوهم واقعًا
خسر التيار مثلًا في معقله الأساسي جزين، لعدم توفر حليف أساسي له في صيدا. وخطاب شد العصب قد يفيد في مكان ويضرّ في آخر. وبيّن التجديد المسيحي مقومات تؤسس لمرحلة ما بعد طيّ صفحة العصبوية، ورفع شعارات تمتاز بالفوقية. وتحتاج القوات لمراجعات كثيرة، سواء في الأداء السياسي أو الشعبي.

عمليًا، نجح التيار العوني مجددًا بالعودة إلى الصدارة، داحضًا الكثير من القراءات والتقديرات بأنه سيتعرض لانخفاض كبير. صحيح أنه مني بخسائر مسيحية كثيرة، أبرزها تفوق القوات عليه بأكثر من 50 ألف صوت مسيحي. لكن هذا العجز قد يتمكن جبران باسيل من الالتفاف عليه ومواجهته بنوع من الحيوية السياسية الاستثنائية: أولًا، بقدرته على التصميم والصمود والإصرار على التقدم، ولو بخلق أجواء بعضها وهمي، ينجح في تكريسه واقعًا في عقل بيئته وجمهوره. ثانيًا، ظهر بوضوح أن جبران باسيل عند حزب الله "مقدس" ومتقدم على ما عداه من حلفاء. فليسقط الجميع كرمى لعينيه. والمهم مواجهة القوات وعدم السماح لها بالتفوق مسيحيًا.

ما بين العام 2018 و2022 نجح باسيل في تثبيت موقعه السياسي، بغض النظر عن التراجع في عدد كتلته النيابية. ففي العام 2018 صنع باسيل من الوهم نصرًا وبطولة، معتمدًا على تحالفات سياسية متشعبة وبراغماتية، خارج نطاق "الأدلجة" أو التشبث بالمواقف. فهو ابن مدرسة براغماتية بامتياز، وقادر على التحالف مع طرف ومهاجمته ومهاجمة سياسته باستمرار.

هذا نموذج لا يروق لكثيرين في السياسة. لكنه يثبت فاعلية ويستهوي كثرًا ويوصف بـ"الذكاء" أو البطولة في أذهان العامّة. في الانتخابات الماضية نجح باسيل باستغلال المصالحة المسيحية لعقد تحالفات واسعة مسيحيًا: من ميشال معوض إلى نعمة أفرام وغيرهما من أبرز خصومه الذين التحقوا بتكتله، رغم انسحابهم لاحقًا. لكن باسيل أظهر آنذاك أنه صاحب التكتل المسيحي الأكبر.

شخصيات باسيل المتعارضة 
في العام 2022 دخل باسيل في تحالفات عدة متناقضة مع حركة أمل وإيلي الفرزلي، فحوّل الحلفاء على لوائحه إلى أحصنة لوصوله. وهذا لا يروق لكثيرين، لكنه يلقى ترحيب آخرين. ثمة سرعة فائقة لدى باسيل على الحركة السياسية. فهو يخلط في شخصيته شخصيات عدة: في لعبة الدولة والمحاصصة يستعير شخصية نبيه برّي وحنكته. في مسارعته إلى مواقف على أكثر من حبل سياسي، يستنجد بشخصية وليد جنبلاط. في جعله التراجع أو الهزيمة نصرًا، تتجسد فيه شخصية صانعه ميشال عون. وهو لطالما يحبّ أن يقدّم نفسه مسيحيًا في صورة بشير الجميل وكميل شمعون. وفي هذا كله لا يخلو الأمر من البراغماتية والتلفيق. 

وهو يحاول تقديم هذا المزيج للمسيحيين وتذكيرهم به دومًا. سرعته الحركية تمكنه من اعتماد موقف متناقضة، فيدعي بأن القوات جزء من المشروع الإسرائيلي- الداعشي، فيما هو يعلن أن لا مشكلة أيديولوجية لديه مع إسرائيل، ويمكن إبرام سلام معها. يتبنى خطابًا سياسيًا يسهل نقضه نخبويًا، لكنه يلقى قبولًا شعبيًا. يكون إلى جانب حزب الله، ويقدّم نفسه في موقع منفصل عنه، وسطي أو وسيط، على ما يقول.

ثبات جعجع وثقله 
أما سمير جعجع فشخصيته مختلفة كليًا. صحيح أنه حقق تقدمًا هائلًا على الصعيد المسيحي. وهذا احتاج إلى جهد استثنائي طوال سنوات، فوصل إلى أكبر تكتل مسيحي. لكن طبيعته الشخصية تثقل حركته وتلزمه بقواعد كثيرة تعوِّق من قدرته على  المبادرة، فيظهر قليل الحيوية. ويبدو كأنه لا يزال في الماضي. ثباته يمكنه من مواجهة العواصف، وهو الذي دفعه إلى دخول المعتقل. وهذا يظهر الاختلاف بينه وبين ميشال عون.

خاضت القوات اللبنانية معركتها الانتخابية وحيدة، بلا أي حليف. كان لديها رهان على السنّة، لكن حملات التشويه الكبرى حالت دون ذلك، إضافة إلى الحرب الواضحة التي خاضها تيار المستقبل ضد القوات. وهذا على خلاف دعم حزب الله الدائم للتيار العوني منذ العام 2005. لكن القوات رغم ما تعرضت له من حروب، نجحت في طرابلس واخترقت قواعد كثيرة، ونجحت في البقاع الشمالي.

القوة الذاتية الصافية
لكن كان يمكن القوات أن تخوض المعركة على نحو مختلف. وهذا ما يحتاج إلى مراجعة تميز بين الأداء السياسي، والثبات في الموقف والعقيدة. فالقوات كررت خطأ ارتكبته بعيد توقيع اتفاقها مع التيار العوني: إلغاء المسيحيين المستقلين. ولو راجعت ذلك وتفادته في الانتخابات، لكان حجم الكتلة المسيحية المعارضة لباسيل أكبر بكثير. وكان يمكن للقوات أن تشكل تكتلًا منسجمًا مع تطلعاتها السياسية، ولو من غير الحزبيين. فلا مبرر لخسارتها التحالف مع فارس سعيد مثلًا. وخطؤها في توزيع الأصوات في دائرة الشمال الثالثة، سمح باختراق وليم طوق في بشري، ونجاح جورج عطالله، ورسوب مجد حرب. وهذا ينطبق على دوائر أخرى.

يدل هذا على أن سمير جعجع يريد أن يكون هو هو لا غيره. لا يحاول تقمّص أحد والتشبه بأحد. إنه رهين محبسه وثوابته. وفي هذا شيء من الصوفية. ويتجلى ذلك في إصراره على أن يكون التكتل المسيحي الأكبر بقوته الذاتية. وهو في هذا يختلف عن حركية باسيل التي تسمح له بتوسيع عدد كتلته إلى أقصى الحدود، ولو بتحالفات هجينة أو متناقضة، وبالرهان على البراغماتية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها