الأحد 2022/12/04

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

اللامركزية في مقاربة وطنية: مدخل إلى العدالة والتنمية

الأحد 2022/12/04
اللامركزية في مقاربة وطنية: مدخل إلى العدالة والتنمية
أيَّ نِـظـامِ حُـكـمٍ نَعـتَـمِدُه سَــيـكـون وَلّاداً لـلأزَمـات إذا لَـمْ نُـغَــيِّــر فـي توجهاتنا ومقارباتنا(Getty)
increase حجم الخط decrease

تَضجُّ الأوساط السياسيّة والفكريّة بمُقاربات وطُروحات حَول النِظام الأمثَل للخُروج من أزماتنا المُعقَّدة والمُتناسِلة على الصُعد السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والماليّة. ويعتبر كثيرون أنَّ مُشكلات البَلد باتَتْ تهَدِّد كِيانه ومستَقبَله، فتخرُج أصوات تبحَث عن حُلول، بعضُها متطَرِّف وجَذري في خياراته كالفيدراليّة وحتّى "الطَلاق"، وهي طروحات لا توَلِّد إلّا مزيداً من الشرذمة والمآسي، وبعضها الآخر يحاوِل التمسُّك بصيغة تترَنَّح وقد تهاوَت، مفتَرِضاً استِئثاره بحجمٍ أكبرَ مِن السُلطة. فهلْ من إمكانيّة بعد لاجتِراح حلُول تنطلِق من الدُستور واتِّفاق الطائِف وتسير بالبَلد إلى أفُق من الاستِقرار والعَدالة؟.

حانَ الوَقت، وَسط كُلّ أزماتِنا، وبسبَبها، أن نعَمَل على تَطوير الـنِـظامِ الـقـائِـم، أو لِنَقُل النَموذَج المُتَّبَع، بـاجـتِـراح حُلولٍ مُستَدامَة تُطَمئِنُ الجَميع، فَـيـسـتَـطـيـعُ كُلُّ إنسانٍ أنْ يَـنموَ ويُـجـاري الحَـداثـة ويَـعـيـشَ خُصوصِيَّـتَـهُ وهُوِيَّـتَـهُ كَـمـا يَــراها مُـنـاسِـبـة.

تفرض علينا الـواقِـعـيَّـة السِـياسـيَّـة الـمَحَـلِّـيَّـة والـدَولـيَّـة، فَـضلاً عَـن الجُـغـرافـيا والـتـاريـخ   "إنْ أرَدنـا أنْ نُـطـاع أنْ نَـطـلُــبَ الـمُـسـتَـطـاع ".

وقَـــد تَـقَـصَّــدتُ هَــذا الاســـتِـشـهــاد بـالإمـام عَــلـيّ لأنـطَــلِــقَ مِـنـه، لَـيــسَ فَــقَــط مِـنْ بـابِ الـمُـوافَــقــة عـلى مَـضـمـونـه، إنَّـمـا لأُشــيـرَ إلى تَــداخُــلٍ كَــبــيــر بَـيـنَـنـا كــلُـبـنـانـيّـيـن، في الـلُـغـة وبَـعـض الـثَـقـافـة، ويـجـمَـعُــنـا، اضـافـةً إلـى الـمُـواطَـنَـة، الـكَـثـيــرُ مِـنَ الـمُـشتَـرَكـات.

إنْ أرَدنـا الـتَـركِـيـزَ عـلى هَـذه الـمُـشـتَـرَكـات، لـوَجَـدنـا الـعَـديـدَ مـنهـا. وإنْ أرَدنـا أنْ نُـفَـتِّـشَ عَـمَّـا يُـفَـرِّقُـنـا، لـوَجَـدنـا أعـداداً قَـد تـكـونُ مُـماثِـلـة. لَـكِـنْ يَجـِـب أنْ لا نَنـسى أبــداً أنَّـنـا أبـنـاءُ حَـضـارةٍ واحِـدة فـي هَـذه الـبُـقـعـة الـصَغـيـرة مِـن الـعـالَـم، فـي هَـذا الـلُـبـنـان. فـالحَـضارةُ هي نِـتاجُ تَـفـاعُـلِ مَجـمـوعـاتٍ بَـشَـرِيَّـة مَع ثـابِـتَـة الجُـغـرافـيـا أي الأرض الـتي يَـعـيـشـون عَــلــيـهـا، بِـغَــضِّ الـنَـظَــر عن الدين. ويَـبـقى الانـتِـمـاءُ، هــوَ لِـهَـذِه الـحَـضـارة، قَــبـلَ أيِّ انــتِـمـاءٍ آخَــر. كَـمـا أنَّ غِــنـانــا الــثَــقـافـي هُــوَ نـتـيـجـةُ تُـراثِــنـا الـلـبـنـانـي والـمَشـرِقـي والـتَـزاوج فـي ذواتِـنـا بَـيـنَ الـثَـقـافَـتَـيـن الغَـربـيَّـة والـمَـشرِقــيَّـة بـأبـعـادِهـمـا الـروحِـيَّـة والـفِـكـرِيَّـة والـعـِـلـمِـيَّـة.

وأتـسـاءَلُ: حِـيـنَ قــالَ الــبـابـا الــقِــدِّيــس يـوحَــنَّـا بـولُــس الــثـاني عَــن لـبـنـان " أنَّـه رِسـالـة "، تُــراه مـا كـانَ يَـعـلَـم أنَّ مُعـظَـمَ دوَلِ الـعـالَـم فـيـهـا طـوائِـفٌ وأديـانٌ وحَـتَّى أعــراقٌ وجِـنـسِـيَّـاتٌ مُخـتَـلِـفـة ومُـتَـنَـوِّعـة؟

أنـا مُـتـأكِّـدٌ أنَّـه كـانَ يَـعـلَـم. لَـكِنَّ سِـرَّ لــبـنـان يَـكـمُــن فـي عَـيــشـه الـمُـشـتَـرك، الـتـاريخي، الــفَــريـد والـمُـمَـيَّــز، في حـيـن تَـعَـرَّفَـتْ شُـعـوب الـغَـربُ عـلى الإسـلام مـؤَخَّـراً، وَتَـعـايـشَ أبـنـاءُ بُـلــدان الـخَـلـيـج مَـع الـوافِـديـن إلَـيـهـم مِـنَ الـمَـسيحـيّـيـن، من دون تلك "الخلطة" البنيوية المتجذرة. وتَـبـقـى هذه "الـخَــلـطَـةُ الـلـبـنـانـيَّـة"، ذاكَ الـعَـيــشَ الـمُــشـتَـرَكَ الـذي عَــرَفَــتـهُ الــبَــلـداتُ والـقُــرى، واخـتَـبَــرَتـهُ عَــبـرَ الـسِــنـيـن، مَـصـدَرَ غِــنـىً عَــمـيــق ورُقـيٍّ إنـساني.

أعـرِفُ أنَّ مِـثـلَ هَــذا الـكَـلام قَــد يَـبـدو لـلـبَعـضِ مَـمجـوجـاً، لأنَّـنـا عِـشـنـا فَـتَــراتٍ مـِنَ الاقـتِـتـالِ الـدَمـوي وفَـتَـراتٍ أُخـرى مِـنَ "الحُـروب الـبـارِدة" إذا جـازَ الـتَعـبـيـر، تُــوازي تِـلـكَ الـتي عِـشــنـاهـا في سَــلامٍ وازدِهــارٍ وبَـحــبـوحَـة. وقَــد جـعَــلْــنـا مِـنَ الـطـائِـفـيَّـة شَـمَّـاعـةً نُـعَـلِّــقُ عَـلَـيـهـا كُـلَّ أخـطـائِـنـا وخَـطـايـانـا. لَـكِـنَّـني مُـقـتَـنِـعٌ أنَّ أيَّ نِـظـامِ حُـكـمٍ سَــنَعـتَـمِدُه سَــيـكـونُ وَلّاداً لـلأزَمـات والـحُــروب إذا لَـمْ نُـغَــيِّــر فـي فِــكــرِنـا وتَــوَجُّـهـاتِـنـا وسُـــلـوكِـيَّــاتِــنـا ومَـفــاهــيـمـِنـا الـسِـيـاســيَّـة والاقــتِـصـاديَّـة والـمـالـيَّـة والاجـتِـمـاعــيَّـة وحـتّى الـثَـقـافــيَّـة، ولَــمْ نُحَـــدِّد مُـنـطَـلَـقـاتِـنـا وأهـدافَــنـا.

وفي الـمُـنـاسَـبـة، أوَ لَـيـسَـتْ أقـسى الحُـروبِ هـيَ تِـلـكَ الـتي خـاضَـهـا الـمَـسـيحِـيّـون فـي وَجـهِ بَـعـضِـهـم بَـعـضـاً؟ والـمُـسـلِـمـون كَـذلـك؟

لِذا، علينا أن نبحث عَـن حُـلـولٍ تَـسـمَح لـنـا جَـمـيعـاً بأنْ نَحـيـا بـسَـلام ونـنـشَغِـلَ بـتَــطـويـر ذواتِـنـا وفِـكـرِنـا وأنْ نعـيـشَ في بـلَـدنـا عِـيـشَـةً حُــرَّة كَـريـمَـة، وبِأنْ نـكـونَ أصحابَ قــرارٍ فــي حـاضِـرِنا وفـي تَـحـديـدِ مُـسـتَـقـبَـلِـنـا، فـنُعـيـدُ بِـذَلـك مُـعـظَـمَ مَـنْ هــاجَــروا مِـنْ إخـوتِـنـا وأبـنـائِـنـا إلى وطـنِـهِـم كَـي لا يَـتَـحَـوَّل لــبــنـان أرضَ حَـنـيـنٍ وتَـقـاعُــدٍ لـلـعَـجَــزة مِـنْ بَـيـنِـنـا.

مــا الـعَــمَـل؟

لا شَــكَّ أنَّ الـقَـلَـقَ الذي نعـيـشُه في هَـذا الـسِـياق وهَـذِه الاسـئِـلة الـمَصـيـريّة، لا نَجِـدُ لـهـا الـوَقـعَ نَـفـسَه عِـنـدَ كل اللبنانيين الـذيـن يَـبـدو وكـأنَّ بَعـضَ قـيـاداتِـهـم تُـفَـضِّـل الإبـقـاء، مَـع تَعـديـلاتٍ شَــكـلِـيَّـة، عـلى مَـركَـزِيَّـة الـدَولـة الـتي يُـعـانـي مِـنْ جَــرَّائِـهـا الـمُـواطِـنـون الأمَــرَّيــن، مِـنْ إنـمـاءٍ مَـبـتــور غَــيــرِ مُـتَـوازِن وزبـائِـنِـيَّـة وفَـسـادٍ وعَــدَم كَـفــاءَة ونِـظـامٍ إداريٍّ مُـهـتَــرِئ. وأيُّ نَـمـوذَجٍ حُــكــمٍ وأيُّ مَـشــروعٍ لِـتَـقـسـيـماتٍ إداريّـة ومــالـيّـة، يـحــتـاجُ إلـى تَـوافُــقٍ وطَـني واسِـع، كَـي لا أقـول إلى شِــبـهِ إجـمـاع. وهَـذا غَـيـرُ مُـتَـوافِــر، ولَـيـسَ مِـنْ مـؤَشِّــرٍ أنَّـه سَــيَـكـون قَــريـبـاً.

فَــلِـمـاذا لا نَـرتَـكِــز إلـى مـا تَــمَّ الإجـمـاعُ عَــلَـيـه، مُـنـذُ بِـضعِ سَــنَـوات، فـي لَـجـنَـة مُـتَـخَـصِّـصـة رَســمــيّـة، ونَـنـطَـلِــق، مِـنْ هُــنـاك، نَـحــوَ مَــزيــدٍ مِـنَ الـلامَـركَـزِيّـة والـعَـصـرَنـة؟ أقـصِـدُ بـذَلـك الـتَـمَـسُّـك بـمَـشـروعِ الـلامَـركَــزِيّـة الإداريّـة والـمالـيّـة. وإنَّـني أضَـعُ سَــطـرَيـن تَـحــتَ كَـلِـمـة الـمـالـيّـة، فـهـيَ الـمُـفــتـاح لِـكُــلِّ نُـمُــوٍّ وهـيَ الـبـابُ لـمُـمـارَسـة الـمَـسـؤولـيَّـة العَـمَـلِـيَّـة في الـشَـأن الـعـام، مَـنـاطِـقِــيَّـاً، طـالَـمـا أنَّ الـمـالَ هــوَ عَــصَـبُ الاقـتِـصـاد والإنـتـاج.
وبَـيـنَ أيـديـنـا الـيَـوم مَـشـروعُ قـانـونٍ مُـتَـكـامِـل شَـارَكَ في إعــدادِه بـشكـلٍ أسـاسـي الـوَزيـر زيـاد بـارود، عـلى رأسِ لَجـنـة كَـلَّـفَـهـا مَجـلِـس الـوزَراء بـتـاريـخ ٧ تـشـريـن الـثـاني٢٠١٢، بِــرِضى كُــلِّ الأطــراف وقُـبـولِـهـم. فَــلِــمـاذا لا نَـعـتَـمِـدُه ونُـطَـوِّرُ مـا قَــد نَـجِـد في الـمُـمارَسـة وُجـوبَ تَـطويـره؟ وهَــذا لا يَـسـتَـفِــزُّ أحَــداً لا فـي الــداخِـل ولا فـي الـخـارِج.

لِـهَـذه الـلامَـركَـزِيَّـة الإداريَّـة والـمـالـيَّـة الـمُـقـتَـرَحـة، الــذي يَـقـبَـع مَـشـروعُـهـا مُـنـذ سَـنَـوات في أدراجِ لِـجـان مَجـلِـس الـنُـوَّاب، إيـجـابـيّـات وحَـسَـنـات كَـثـيـرة، أبـرَزُهـا عـلى سَــبـيـل الـمِـثـال لا الـحَـصـر:

١ـ   يُـفـتَــرَضُ، بِــرأيـي، أنْ تُــؤَمِّـن الـلامَـركَـزِيَّـة لِـلـمَـنـاطِـق، ٢٠٪؜ إلـى ٢٢٪؜ مِـنْ مُـجـمَـل إيـرادات الـدَولَـة، في حِـيـن لَــمْ تَـصِـلْ عـائِــداتُ وإيـراداتُ الـبَـلَـديَّـات يَـومـاً إلـى نِسـبَـة ٦٪؜ مِـن مُجـمَـل إيـرادات الـدَولَـة الـلـبـنـانـيَّـة الـمَـركَـزِيّـة. وأتَـوَقَّـف هُــنـا عِـنـدَ نُـقـطـةٍ مُهِـمَّـة لأُشـيـر إلى أنَّ مُجـمَـل إيـرادات الـدَولَـة الـلـبـنـانـيَّـة شَــكَّـلَـت في خِـلال الأعـوام ٢٠١٧ وَ ٢٠١٨ وَ ٢٠١٩، نَـحـو ٢٠٪  فَــقَــط مِـنْ إجـمـالي الـنـاتِـج الـمَحَـلِّي، أي أنَّ إيـرادات الـبَـلَـديَّـات في لـبـنان لا تَـتَـعَـدَّى ١،٢٪ مِـنْ هَـذا الــنـاتِـج.

أمّــا فـي الـدوَل الـغَـربـيَّـة، فَـإنَ إيـرادات الـدَولَـة تَـتَـراوح مـا بَـيـن٤٠٪؜  وَ ٤٥٪ مِـن إجـمـالي الـنـاتِـج الـمَحَـلِّـي.

وصار مُـلِـحَّـاً تَعـديـلُ الـنِـظـام الـضَـرائِـبي في لـبـنـان لـيُـصبـِح أكـثَـرَ كـفـاءَةً وعَـدالَـة بِـما يُـؤَمِّـن زيـادة إيـرادات الـدَولَـة، تَـدريـجـيَّـاً، لـتُـقـارِب نِـسـبَـة ٣٠٪ مِـنْ إجـمالي الـنـاتِـج الـمَحَـلِّي. ويَـجِـب رَفـع حِـصَّـة الـمَـنـاطِـق، في إطـار الـلامَـركَـزِيَّـة، إلى مـا بَـيـن ٢٠٪  وَ ٢٢٪ مِـنْ مُجـمَـل الإيـرادات، مـا يـمَــثِّــل ٦٪  إلـى ٦،٦٪ مِـنْ الـنـاتِـج الـمَحَـلِّي، بِـزيـادة ٥٠٠٪ إلى ٥٥٠٪ عَـن حِـصَّـتِـهـا فـي الـنَـمـوذَج الـحـالـي.

 ٢-  إِنَّ مَشـروع قـانـون "لَجـنـة بـارود"، يُـقَـسِّـم مُحـافَـظـة عـكَّـار إلى ثَـلاث دَوائِـر (حَــلــبــا، بـِبـنـيـن، الـقـبَـيَّــات)، ومُحـافَـظـة بعـلـبَـك – الـهِـرمِـل إلى خَـمــس دَوائِـر (بعـلـبَـك، شـمسطار، الـلَّبـوة، الـهِـرمِـل، دَيـر الأحـمَـر)، ويَـفـصُل قَـضاءَي حاصـبَـيّـا ومَـرجِـعـيـون عَـن بَعـضِهـما، لـيُـصبـِح ٣١ عَــدَد الـدَوائِـر الاجـمـالي. أمَّـا بَــيـروت، فَـتُـقَـسَّـم إلـى ١٢ دائِـرة انـتِخـابـيَّـة (٥+٧)، مـع الـمُحـافَـظَـة عـلى وِحــدَة الـعـاصِـمـة كَـحـال بـاريـس مَـثَـلاً. إنَّ هَــذا الـتَـوَسُّع في الـتَـقـسِـيـمات في بَــيـروت وفي مَـنـاطِـق شَــمالــيَّـة وبـِقـاعــيَّـة وجَـنـوبـيَّـة، يُـخَـفِّـــف مِـنَ الاســتِـئـثـار والـطُـغــيـان الــفِـئَـوي، ويُـشَـجِّـع مَـنْ يَـعـتَـبِـرون أنَـفُـسَـهُـم أقَــلِّــيَّــة هُــنـاك، عـلـى الانـخِـراط بِـفـعـالــيَّـة في الـعَـمَـل الـتَـنـمَـوي الـمَـنـاطِـقـي.

٣-  يُـفـتَـرَض بِالـلامَـركَـزِيَّة الإداريَّة والـمالـيَّة الـمُـوَسَّعـة أنْ تـؤَمِّـنَ بَـوتَـقـة أفـضَل لـجَـلـبِ الاستِـثـمارات في الـمَـنـاطِـق في قِـطاعـات إنـتـاجـيَّة، مِنْ صِنـاعـاتٍ خَـفـيـفـة ومـشاغِـلَ حِـرَفـيَّـة إلى قِـطـاعـاتٍ زِراعـيَّـة وسِـيـاحـيَّـة ذاتِ قـيـمـة مُـضافـة عـالِـيـة. وبـالـتـالـي، فـإنَّـهـا تُحَـفِّــزُ إنـشـاءَ مؤَسَّــساتٍ صَـغـيـرة ومـتـوَسِّـطة الحَـجـم الـتي هيَ رَكـيـزةُ الاقـتِـصادِ الحَـقـيـقي ونُـمُـوِّه الـمُـسـتَـدام الـذي لَـمْ يَـشـهَـدْهُ لــبـنـان يَـومـاً مُـنـذُ أواسِـط سَـبعـيـنـات الـقَـرن الـماضي، لا فـي خِـلال الـحُـروب، بـطـبـيعـة الـحـال، ولا بَـعـدَهـا مُـنـذُ اوائِـل الـتِـسعـيـنـات.

٤-  إضـافَـةً إلى تَـحـفـيــزِ نُـمُــوِّ الاقـتِـصـاد الـمُـنـتِـج، لا بُــدَّ لـلامَـركَـزِيَّـة الإدارِيَّـة والـمـالــيَّــة مِـنْ أنْ تُـسـاهِــمَ أيـضـاً فـي الإنـمـاءِ الاجـتِـماعــي والـتَـنـمـيَـة الـتَـربَـويَّـة الـتي هي شَـرطٌ مُـلازِمٌ لـلـتَـنـمـيَة الاقـتِـصاديَّـة، وأنْ تُعَــزِّزَ روحَ العَـمَـلِ الـجَــمـاعي وفِــكــرَةَ الـمُجــتَـمَـع الـمَـدَنـي الـمُـنـفَـتِـح، عـلـى حِـسـابِ الأفـكـار شِــبـه الـمُـنـغَـلِـقـة.

٥-  تُـسـهِّـلُ الـلامَـركَـزِيَّـة الإدارِيَّـة والـمـالـيَّـة الـمُـوَسَّـعـة إنـجـازَ مَـشاريـع كَـبـيـرة في الـمَـنـاطِــق، اجـتِـمـاعِــيَّـة ورِيـاضـيَّـة وثَـقـافـيَّـة وبـيـئـيَّـة، لـهـــا أبـعـادٌ تَـنـمَـوِيَّـة فِـكـراً واقـتِـصـاداً ونُـظُـمَ حَــيـاة، مِـنـهـا عـلى سَــبـيـل الـمِـثـال لا الـحَـصـر:

-  تَـطـويـرُ الخَــدَمـات الـصِحِّــيَّـة، الـوِقـائـيَّـة والـعِـلاجِـيَّـة، وتَـوســيـعُ إطـارِهــا.
-  إنـشـاءُ مَـدارِسَ مِـهَـنِـيَّـة فـي الـمَـنـاطِـق، مَـع مُـراعـاة خُـصـوصـيَّـة كُــلّ مِـنـطَـقـة وحـاجـاتِ الـسُـوق. ولا بُــدَّ مِـنَ الـتَـذكـيـر بالـوَضع الـكـارِثي لـلـتَعـلـيـم الـرَسـمي فـي لـبـنـان عـلـى كـافّـة الـمُـسـتَـوَيـات، الـثـانَـوي والـمِهَـني والـجـامِعي، حَـيــثُ أنَّ أبــرَزَ مُـسَـبِّـبـاتِـه تَـتَجَـلّـى بِـمَـركَـزيَّة الـقَـرار والإدارة والـتَـمـويـل، الـتَي طَغـى عـلَـيـهـا في خِـلال الـعُـقُـود الـثَـلاثـة الـمـاضِيـة، طـابَـعُ الـمَحـسـوبِـيَّـات والـلّا كَــفـاءَة والـهَـرهَـرة وعَــدَم مـواكَـبـة مُـتَـطَـلِّـبـات الـحَــداثـة.
-  تَـشـجـيـعُ إحــداثِ الـتَـعـاونـيّـات الـتي مِـنْ شــأنِـهـا تَـفـعــيـل الــدَورَة الاقـتِـصـادِيّـة في الـمَـنـاطِـق.
-  زيـادةُ الـخَـدَمـاتِ الـبـيـئـيّـة كَحِـمـايَـة مَـجـاري الـمِـيـاه والأنهُــر وشَـواطِئ الـبَحـر، والحِـفـاظُ عـلى ثَـرَواتـِنـا الـطَـبـيـعِـيَّـة.
-  إنـشـاءُ الـجَـمعـيّـاتِ والـنَـوادي الـتي يُـفـتَــرَض أنْ تُجَـسِّــد الـوَعـي الجَـمـاعـي وأنْ تـكــونَ فـاعِــلاً لـلــدَفـع قُــدُمـاً بـاتِّـجــاه تَـجــاوب الـمُـواطِـنـيـن مَـع مـشـاريـع الإدارة الـتَـنـمَـوِيَّـة فـي الـتَـوعِــيـة الاجـتِـمـاعــيَّـة والـبـيـئـيَّـة.
-  زيـادةُ الـمِـسـاحـاتِ الـخَـضـراء وإنـشــاءُ الـحَــدائِـق الـعـامَّـة ومَـراكِــز الـتَـسـلِــيَـة والـتَــرفــيـه الـتي صـارَت مـِنْ ضَــرورِيَّـات الـحَــيـاة لِـكُــلِّ الأجــيـال.

إنَّ اعـتِـمادَ الـلامَـركَـزِيَّـة الإداريَّة والـمالـيَّة الـمُـوَسَّـعة، يُعَـزِّزُ مُـشارَكة الـمُـواطِـنـيـن فـي إدارة شــؤونِـهِـم، ويُـسـاهِــمُ، بَـفِـعــلِ الـتَـنـافُــس بَـيـن الـمَـنـاطِــق، فـي تَـحـديــث الإدارة الـلامَـركَـزيَّـة وفي زيـادة إنـتـاجـيَّـة العـامِـلـيـن فـيهـا، ويُـخَـفِّـف مِـنَ الـصِراعِ عـلى مَـواقِـع الـقَـرار الـمَـركَـزِيَّـة، ومِـنَ الـنُـزوحِ إلى الـمُـدُن فـي الـظُـروف الـعـاديّـة والـهِـجـرةِ إلـى الـخـارِج فـي مَـراحِـل الأزَمـات والـتَــوَتُّــرات.

طَــرح الـلامَـركَـزِيَّـة الإداريَّـة والـمـالـيَّـة الـمُـوَسَّـعـة لَـيـسَ فَــقَــط رَدَّةُ فِـعـلٍ عـلى واقِـعٍ ســيـاسيٍّ مـأزوم، نُـعـاني مـِنـهُ فـي لـبـنـان مُـنـذُ أكـثَــرَ مِـنْ نِـصـفِ قَــرن، بَــلْ وكَـمـا أوضَحـنـا، هــوَ حـاجـة مُـلِحَّـة لـلـتَـنـمـيَـة الاجـتِـماعـيَّـة، ولـلـنُـمـوِّ الاقـتِـصادي الـحَـقـيـقي الـمُـتَـوازِن مَـنـاطِـقــيَّـاً وقِـطاعِــيَّـاً؛ ومـا مِـنْ تَـنـمـيَـة مُـســتَـدامـةً في ظِــلِّ الـلَاعَــدالـة والـطُـغــيـان - أيِّ طُـغــيـان.

لِـذَلِـكَ، أقـتَـرِحُ أنْ يَـتَـرافَـقَ إقـرارُ قـانـون الـلامَـركَـزِيّة الإداريَّة والـمالـيَّـة الـمُـوَسَّعـة مَع اعتِماد مَبدأ النِسبِيَّة في انتِخابات البَلَدِيَّات ومجالِس الأقـضـيَـة، ومَـع تَـوسيع الـنِـطاق البَلَدي ليَشمُل عِدَّة قُرى وبَلدات بِـمـا يـؤَمِّـن عَـدالـة أفـضَـل في الـتَـنـمـيـة وانـدمـاجـاً أعـمَـق بَـيـنَ المُوَاطِنين ويُخَفِّف مِنْ حِدَّة العَصَبِيّات المَحَلِّيَة.
يَسمح كُلّ ذلك أنْ يصِلَ اللبنانيّون إلى حقِّهم في عَيشٍ كَريمٍ حُرٍّ مُستَقِلٍّ ومُزدَهِرٍ، في دَولَةٍ عَصرِيَّة، عِمادُها العَدالَة والمُساواة أمام القانون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها