السبت 2022/01/15

آخر تحديث: 11:14 (بيروت)

التحاق شبان من طرابلس بداعش العراق: أين الرواية الأمنية؟

السبت 2022/01/15
التحاق شبان من طرابلس بداعش العراق: أين الرواية الأمنية؟
السؤال الأمني: كيف تمكن الشباب من الهروب عبر الحدود اللبنانية والسورية نحو العراق؟ (Getty)
increase حجم الخط decrease

يعود ملف تجنيد داعش لشباب وقاصرين في شمال لبنان إلى الواجهة، مقابل تغاضٍ سياسي واضح، وعدم إعلان رواية أمنية رسمية، تكشف مخططات وأعداد المسافرين شرعياً أو الهاربين عبر الحدود، من لبنان إلى سوريا نحو العراق.  

وكشفت "المدن" في تقريرها السابق أن نحو 30 شابًا طرابلسيًا، قتل منهم اثنين، اختفوا في الأشهر الثلاث الأخيرة، وتبين أنهم جندوا مع داعش في العراق، وقد عبَر بعضهم للقتال مع التنظيم في البادية السورية، في مواجهات عنيفة مع قوات النظام السوري. ولاحقًا، توالت التقارير الإعلامية التي تتحدث عن تجنيد أكثر من 100 شاب من طرابلس، في إطار التضخيم العددي. إذ لم تكشف المتابعات العينية بعد، عن تبليغ عائلات هذا العدد من الشبان حول اختفائهم.  

ويوم الخميس الماضي، قال وزير الداخلية بسام المولوي في تصريح تلفزيوني أنه يتابع بجدية ملف تجنيد لبنانيين لدى داعش، وتحدث عن وجود نحو 37 شابًا، من طرابلس، 10 منهم سافروا بطرق شرعية، وقُتل اثنين منهم.  

متابعات أمنية  
وإزاء هذا التطور الذي يثير الشكوك السياسية والأمنية بتوقيته وأهدافه وخلفياته، يتركز السؤال راهنًا حول كيفية تمكن الشباب من الهروب عبر الحدود، من دون أن يلقى القبض على أحد منهم، وهو ما دفع بعض ذويهم للسؤال: "من شرّع الحدود لأبنائنا من أجل تجنيدهم مع داعش؟".  

وحتى الآن، ينكب جهازان أمنيان على متابعة الملف، هما شعبة المعلومات ومخابرات الجيش. ويقول مصدر أمني لـ"المدن" إن الأرقام التي يجري تداولها مضخمة للغاية، وأن أعداد المجندين ما دون العشرات، وإنّ تمكّن الشبان من عبور الحدود بواسطة مهربين، لا يعني أن الحدود سائبة بلا مراقبة أمنية.  

وتشير المعطيات أن مخابرات الجيش تواصل تحقيقاتها أيضًا بالملف، وتلاحق بعض المطلوبين شمالًا بتهم الإرهاب، وفي عرسال أيضًا، وتراقب حركة بعض الخلايا النائمة.  

عمليات التجنيد
وفي معلومات أخرى لـ"المدن"، فإن أحد أبرز المسهلين لتجنيد شبان في طرابلس مع داعش في العراق، هو في قبضة الشرطة العسكرية في بيروت، وهو ما دون الـ25 من عمره، وكان يعمل على التشبيك بين الشبان من جهة وعناصر التنظيم في العراق من جهة أخرى.  

ويجري الحديث أيضًا أن الشبان تلقوا إغراءات مادية ووعودًا بدفع رواتب لهم، بمعدل 500 دولار شهريًا، لدى وصولهم إلى التنظيم.  

ولم يلغِ ذلك روايات أخرى حول نصب الكمائن للشبان، خصوصًا أن عدداً كبيراً منهم عجّل هروبه إلى العراق بعد مقتل العنصر السابق في مخابرات الجيش، أحمد مراد، الملقب بـ"أبو زياد"، في آب 2021، عند طريق المئتين في طرابلس (راجع "المدن").

وحسب المعطيات، فإن قاتل أبو زياد -والذي جاء ثأريًا، لأنه كان متهمًا بملاحقة شبان المدينة وسوقهم للتحقيقات بتهم الإرهاب– كان له عدد من الأصدقاء، الذين تلقوا اتصالات تنصحهم بالإسراع في مغادرة لبنان لأنهم مطلوبون للتحقيق، وأن بعضهم متهم بمقتل مراد.  

شهادات تتوالى  
ووسط غموض وتضارب في الروايات، يعيش الأهالي قلقًا كبيرًا على مصير أبنائهم، ويصفونهم بالمفقودين والمختفين، لأن التواصل معهم انقطع كليًا، ومعظمهم من مناطق القبة وباب التبانة ووادي النحلة.  

وأم يوسف مرعب التي سبق أن تواصلت معها "المدن"، تفيد أن ابنها ابراهيم (18 عامًا)، لم يتصل بها سوى مرة واحدة منذ 47 يومًا، وتخشى كثيرًا على مصيره، خصوصًا أنه باتصاله الوحيد والقصير طلب منها السعي لإعادته من العراق بأي ثمن. فيما الأجهزة الأمنية لا تتابع مع معظم الأهالي الأخبار والمعلومات حول أبنائهم.  

وفي قصة جديدة، تروي لـ"المدن" السيدة أم علاء قصة ابنها البالغ 29 عامًا، الذي اختفى من طرابلس في آخر ليلة من عام 2021، رافضة الكشف عن اسمه ونشر صورته، "لأنني أخشى عليه إن كان تحت قبضة داعش".  

ونجل أم علاء، سبق أن سجن في رومية بتهمة الإرهاب نحو 5 سنوات، وكذلك شقيقاه، وعاش عاطلًا عن العمل، وكان ينتظر بعض الأعمال المتقطعة في العتالة. تصف السيدة وهي تبكي ابنها بـ"الشاب المضطرب والخائف دومًا"، بسبب الظروف المأساوية التي عاشها بالسجن.  

والغريب بقصة هذا الشاب أنه كان يتحضر للزواج قبل اختفائه. لكن قبل أسابيع، أخبر والدته أن خائف وقلق كثيرًا، بعدما تواصل معه أحد الأفراد وأبلغه أنه مطلوب للتحقيق وسيلقى القبض عليه. وقالت: "صرت أطمئن ابني وأدعوه لعدم الخوف، لأنه لا يتواصل مع أحد اطلاقًا ولا يفعل شيئًا ولا يتجول خارج منطقة سكننا".  

وفي ليلة اختفائه، بقيت أم علاء مع عائلتها لساعات طويلة تفتش عنه وتنتظره، من دون جدوى. وحين أبلغوا الأجهزة الأمنية باختفائه، جاءهم الجواب أنه ربما هرب مع مجموعة إلى العراق للالتحاق بداعش. ومن حينها، لم يتواصل الشاب مع عائلته إطلاقًا، وترفض تأكيد رواية تجنيده بداعش، وتقول الوالدة التي تطالب بالكشف عن مصير ابنها: "لم يوضح لنا أحد كيف يمكن لابني وغيره أن يهربوا إلى العراق، وعن طريق من، فيما هو يعيش رعبًا دائمًا على حياته ويخاف من رمي نفسه بالخطر".  

أبعاد أخرى  
وفي سياق متابعته مع الأهالي، يشير المحامي محمد صبلوح لـ"المدن" إلى أنه بعد نحو 10 أيام من اختفاء دفعة من الشباب في طرابلس، سلمت مخابرات الجيش نحو 6 شباب قاصرين لمفتي طرابلس الشمال محمد إمام، بهدف توعيتهم بعد أن كشفت نيتهم للهروب إلى العراق، وبدوره المفتي أعادهم لذويهم. وتاليًا، برأي المحامي، فإن مسؤولية الأجهزة الأمنية، الكشف عن هوية المهربين والشبكات المتورطة بتجنيد الشبان، طالما أنها تمكنت من إفشال محاولة هروب كهذه.  

ومن المشاكل التي أدت أن يكون الشباب أداة لما يسميه "الغرف السوداء" التي تعجز الأجهزة الأمنية عن كشفها، هو استمرار العمل الأمني بـ"وثائق الاتصال" غير القانونية؛ إذ يوجد أكثر من 11 ألف وثيقة اتصال، وهي عبارة عن تقرير مخبر تحمل بعضها اتهامات لصاحبها بالإرهاب، وتجعله قيد الملاحقة دائمًا، ويعجز غالبًا عن إنجاز أوراقه القانونية.  

وأكد المحامي أن معظم الشبان الهاربين إلى العراق، تلقوا اتصالات تنصحهم بالهروب، وفق شهادات أهلهم. وحتى الآن، لم تتبين بعد أهداف هؤلاء الشباب بعد رحيلهم إلى العراق، سواء لجهة عودتهم أو بقائهم هناك؛ ما يكثف الأسئلة، أمنيًا وسياسيًا، حول الملف.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها