الأربعاء 2021/08/25

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

"خفافيش الليل" وعمليات القتل في شمال لبنان

الأربعاء 2021/08/25
"خفافيش الليل" وعمليات القتل في شمال لبنان
بعض القوى السياسية باشرت بإطلاق حملاتها الانتخابية، عبر تكريس نفوذ "قبضيات" الأحياء (الأرشيف، علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

تجاوزت طرابلس مخاطر الفوضى، بعد أن صارت واقعًا مسلمًا به، لتقفز إلى ما هو أخطر: انفلات أمني، يتراوح بين التشبيح والتصفيات والسلب، وسط انتشار كثيف للسلاح والقنابل اليدوية.  

ومع غروب الشمس والعتمة ليلًا، وانطفاء معظم المولدات الكهربائية، يصبح التجول في طرابلس ومحيطها مجازفة تعرّض صاحبها لخطر الاعتداء و"التشليح"، من قبل من صاروا يُوصفون بـ "خفافيش الليل" الذين يتسلقون دراجاتهم النارية، أو يعبرون مجموعات مصغرة بين بعض الأحياء الشعبية ومتفرعاتها، وتظهر على بعضهم مفاعيل الحبوب المخدرة وما شابهها.  

وصايا الليل  
ولا مبالغة بذلك، بل مجرد وصفٍ لوقائع يدرك حقيقتها من يواكبون نبض المدينة. حتى أن التجول ليلًا، صار مصحوبًا بنصائح أشبه بالوصايا العشر: اقفل باب السيارة وأبوابها، لا تعبر طرقاً فرعية غير مأهولة، لا تحمل مالًا أكثر من حاجتك، إلتفت يمينًا ويسارًا عند التنقل من مكان لآخر، ابتعد عمن يتسلقون الدراجات النارية، اشترِ كل حاجاتك قبل غروب الشمس، لا تسمح لأولادك المراهقين بالخروج ليلًا، اركن سيارتك بمكان آمن وأحكم اقفال منزلك، لا تخرج أساسًا إن لم تكن مضطرًا.  

تصفيات دامية؟  
ومنذ أيام، تشهد طرابلس على أحداث تطورت إلى الشروع بالقتل أو محاولات باءت بالفشل، وكان آخرها مقتل العنصر السابق في مخابرات الجيش أحمد مراد، الملقب بـ "أبو زياد"، عند طريق المئتين ليل الأحد، حيث أقدم مجهولان ملثمان على إطلاق النار برأسه، بمسافة ملاصقة، أثناء خروجه من أحد الأفران، وكان مع زوجته على متن دراجته النارية، وقد أصيبت بجروحٍ أيضًا.  

وحسب معلومات "المدن" من مصادر عدة، فإن مقتل أبو زياد جاء على خلفية عملية تصفية مقصودة، هدفها الانتقام من عنصر المخابرات السابق، الذي كان يتهمه بعض أبناء المناطق الشعبية بظلمهم عبر تسطير المحاضر بحقهم وسوقهم إلى التحقيقات بتهمة الإرهاب.  

وتفيد المعلومات أيضًا أنه بعد مقتله، قامت مجموعة من شبان إحدى المناطق الشعبية بتوزيع الحلوى، فيما التحقيقات القضائية لم تعلن أي رواية رسمية عن دوافع الجريمة ومرتكبيها.  

كذلك ليل الاثنين–الثلثاء، أقدم ملثمان على متن دراجة نارية على إلقاء قنبلة يدوية في ساحة التل، واستهدفت شخصين لتصيبهما بجروح بليغة من آل حداد، أحدهما حالته خطيرة، وصاحب بسطة لبيع حلويات هناك.  

وحسب معطيات "المدن"، فإن صاحب البسطة يعمل منذ سنوات بالساحة ليلًا، واعتاد زبائنه الكثر في المدينة على شراء الحلوى منه قبل العودة إلى منازلهم، ويحظى بمحبة واسعة، فيما هناك تضارب بالروايات بين أن يكون الحادث على خلفية محاولة سلب أو تصفية من نوع آخر. وقد ناشد الجريحان المارة، وكانا مضرجان بالدماء، قبل إسعافهما. وهما يخضعان للعلاج بالمستشفى.  

وفي الليلة نفسها، جرى إلقاء قنبلة يدوية عند مجرى نهر أبو علي، كما ينقل بعض السكان لـ"المدن" مخاوفهم من عمليات السلب المنتشرة، كسرقة الهواتف والمحفظات، وينتشر بعضها في منطقة المشروع بالقبة، ومناطق أخرى.  

ويستغرب السكان غياب المواكبة الأمنية ليلًا للمدينة، خصوصًا أن الوضع صار يستدعي تكثيف الحواجز للتأكد من المارة، فيما يقتصر الحضور الأمني على انتشار عناصر الجيش المشتتين بين محطات الوقود لفضل الإشكالات والموجهات المتنقلة.  

عكار أيضًا  
والوضع في عكار ليس أفضل حالًا، بعد المجزرة الدامية التي أودت بحياة أكثر من 30 فردًا إثر انفجار صهريج المحروقات ببلدة التليل الأسبوع الفائت.  

وتوفي ليل أمس السوري ابراهيم أورفلي متأثرا بإصابته بحروق انفجار التليل. 
وليل الثلثاء 24 آب، تطور إشكال بين شبان من بلدتي فنيدق وعكار العتيقة إلى إطلاق نار كثيف في محلة الوادي الأسود عند أطراف القموعة. وتفيد المعطيات الأولية عن سقوط 3 جرحى، أحدهم حالته خطيرة جدًا. وتعمل الأجهزة الأمنية وفعاليات المنطقة على تطويق حالة التوتر الكبيرة بين السكان.  

كما تشهد طرابلس ومناطق عكار، توترات يومية وإشكالات بين بعض السكان وأصحاب المولدات الخاصة، على خلفية اطفائها ليلًا ونهارًا، واتهامهم باحتكار المازوت لبيع بالسوق السوداء.  

تكريس الفوضى
ويبقى السؤال شمالًا: من هي الجهات المتورطة بالفوضى الأمنية التي تهدد أمن السكان؟  
تفيد المعطيات أن شبانًا كثر ينتمون لتيارات وأحزاب سياسية معروفة، ينشطون على الأرض ويكرسون الفوضى عبر المساهمة، أو تسهيل عمليات انتشار القنابل اليدوية والسلاح الفردي غير المرخص، أو الانخراط بعمليات تخزين وبيع واحتكار المحروقات.  

ومعظم هؤلاء، من الفئات المهمشة التي تعاني فقرًا مدقعًا، وقد وجدوا ملاذًا بالفوضى المستشرية، ويبدو أن بعض القوى السياسية باشرت بإطلاق حملاتها الانتخابية، عبر تكريس نفوذ "قبضيات" الأحياء وقادتها، وبأثمان زهيدة هذه المرة على حساب الأمن.  

في هذا الوقت، يبدو أن طرابلس وعكار كسائر المناطق اللبنانية، وتحديدًا الأطراف، أصبحت خاضعة لنفوذ شبكات رابحة نشأت على أكتاف اللبنانيين المحرومين من أقل حقوقهم الإنسانية، وتستفيد من غياب شبه كامل للدولة، وتسعى لربط حاجات الناس بها، عبر احتكار المحروقات وتخزينها وبيعها بالغالونات في السوق السوداء، أو تهريبها عبر المعابر غير الشرعية نحو سوريا.  

وعليه، تبقى الخشية من تعزيز إرتهان اللبنانيين لاحقًا لهذه الشبكات، المدعومة سياسيًا ومناطقيًا، كثمن لا مفر منه مقابل الحصول على شتى مقومات العيش الأساسية، وعلى الأمن كسلعة باهظة أيضًا.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها