الجمعة 2021/06/11

آخر تحديث: 12:58 (بيروت)

فجر طوابير البنزين والذل.. يا شعب لبنان العظيم

الجمعة 2021/06/11
فجر طوابير البنزين والذل.. يا شعب لبنان العظيم
تنتشر طوابير الفجر ما قبل الخامسة صباحاً (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
منذ الفجر تصطف السيارات في الشوارع قرب محطات البنزين قبل أن تفتح أبوابها. بعض السائقين بثياب النوم والمشايات البيتية. وينتظرون في الفجر. وقد لا تبدأ طوابير سياراتهم في الحركة قبل الثامنة أو التاسعة. بعضهم خرج من السيارات التي تركوا أبوابها مشرعة، وتجمعوا على الرصيف، يتعارفون، ويتسامرون شاكين بؤسهم اليومي. بينهم نساء أقفلوا نوافذ سياراتهم، ربما حفاظاً على خصوصية نسوية سائرة. فالوقت فجر وأميل إلى آخر الليل.

قد يظن العابر في شوارع بيروت فجراً وبعد الفجر وظهراً، أن الاحتجاجات قد تعم شوارع المدينة كلها، وأن الناس سيقطعون الطرق، غضباً بعد انتظارات الطوابير في الفجر.

وفي أوقات وأيام أخرى، قد يحسب من يبصر طوابير السيارات أنها تظاهرات احتجاجية سيّارة، تتسبب بهذا الازدحام الخانق. واليوم الجمعة 11 حزيران، لا احتجاجات ولا شبان يقطعون الطرق. فقد اقتصر الأمر على إقدام بعض الشبان على قطع طريق كورنيش المزرعة عند مفترق جامع عبد الناصر بالاتجاهين، وأعادت قوى الأمن فتحها. واستمر الازدحام الذي تسببه طوابير البنزين ليس أكثر. وتفاقمت الأمور عن الأيام السابقة وباتت الطوابير تمتد لأكثر من ثلاث كيلومترات، كما أمام محطة الوردية في بداية شارع الجميزة، بعدما وصل الخط إلى الأشرفية عند مبنى سينما صوفيل.

وعلى طريق الشام تطور الطابور الذي كان يمتد من مبنى السوديكو وصولاً إلى محطة الوردية التي تبعد عنه مئتي متر. فأقدمت قوى الأمن الداخلي على تنظيم السير على هذه المحطة، بعدما بات الطابور يمتد حتى شارع رأس النبع في الجهة المقابلة.
وفي معظم شوارع بيروت باتت الطوابير كثيفة وتنذر بنقمة الناس وعراكهم. وهذا ما حصل محطة الوردية في منطقة القنطاري.

وتنتشر طوابير الفجر ما قبل الخامسة صباحاً: مئات السيارات تصطف واحدة خلف أخرى، بانتظام غير معهود في عادات اللبنانيين وتقاليدهم الفوضوية الغضوبة. فجر هادئ من الانتظار المبكر، بعد نوم كابوسي يحلم بالبنزين والطوابير وسمر الطوابير.
في بدارو، كما في كورنيش المزرعة وزقاق البلاط. والشوارع خالية إلا من السيارات المتوقفة وسائقيها المتثائبين، كاتمين غيظهم، والمحطمين المنكسرين في انتظار البنزين، لتسير بهم سياراتهم الخاصة، موتورين في شوارع مدينة مختلّة.

في مشاهد أقسى من مشاهد فجر طوابيرهم هذه، ختموا أيام آخر حروبهم في تمرد ميشال عون الحربي التحريري المجيد في العام 1990. يومذاك: لا مياه، لا كهرباء، لا بنزين إلا في السوق السوق السوداء في غالونات على نواصي الشوارع، والدولار تجاوز 3 آلاف ليرة. والجنرال يصدح بصوته المتقطع: يا شعب لبنان العظيم. ثم تبدأ مدافعه بجولة صباحية من القصف المتقطع على مناطق شطر من الشعب العظيم.

واليوم: لا بنزين، لا مازوت، لا كهرباء، لكن.. بل قصف، وبلا صوت يمدح هذا الشعب السادر اليائس، بعد ما سموه ثورة على تحالف المنظومة والمافيا والميليشيا، والرئيس إياه في القصر الجمهوري. وربما قريباً لا أنترنت ولا طحين.

وولي الجمهورية التلفزيوني، يهدد بأن رجاله قد يقتحمون مخازن التموين والأدوية، ويوزعها بالقسطاس على شعب الجنرال العظيم. ويَعِد الشعب إياه بالنفط الإيراني تفرغه البواخر في مرفأ بيروت ليوزع بالليرة اللبنانية، كأنما مجاناً على محطات المحروقات، فتنفضّ طوابير الفجر.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها