الأحد 2021/05/09

آخر تحديث: 13:30 (بيروت)

"انتخابات" في سوريا: نموذج لرجال الأسد في لبنان

الأحد 2021/05/09
"انتخابات" في سوريا: نموذج لرجال الأسد في لبنان
علّقتُ اللافتة على نفق سليم سلام، فقال عقيد في الجيش اللبناني إن الرسالة وصلت (المدن)
increase حجم الخط decrease

كان متوتراً، شديد التوتر في كلامه وحركته الجسمانية، فيما هو يلقّن عاملة الطباعة نصَّ دعوى قضائية لتطبعها على جهاز الكمبيوتر في مكتبة قرب جامعة بيروت العربية. وسرعان ما عرّفني بنفسه قائلاً: أنا المحامي علي حسن فصاعي، وأهلكتُ جو معلوف في مجابهتي إياه في برنامجه التلفزيوني. وكذلك فعلت مع القاضية غادة عون. وأنا من مؤسّسي حركة أمل. ثم فهمت من كلامه المتدافع أنه ينشط في حملة انتخاب بشار الأسد في سوريا ولبنان. وقال إنه علّق لافتة مؤيدة للأسد على مدخل نفق سليم سلام. وأراني على شاشة هاتفه المحمول صوراً للافتة: واحدة معلقة على مدخل النفق، وأخرى يقوم هو بتعليقها. وبين صورة للأسد الإبن وصورة له على طرفي اللافتة، كُتبت العبارات التالية: "نبايعك سيادة الرئيس بشار حافظ الأسد، لأنك قاومت العالم كله لتبقى سوريا موحدة".

موعد مع المحامي
واتفقت معه أن أتصل به لتحديد موعد للقائنا، كي أسجّل حديثاً له عن نشاطه. ولما مررتُ بعد الظهر في النفق لم أرَ اللافتة. وفي النهار التالي اتصلتُ به، فحدّدنا موعداً للقاء في ما قال إنه بيت أهله قرب حسينية زقاق البلاط. قرب الحسينية سألت عن المقهى الذي حدّده لي. وفي الشارع الصاعد من أمام الحسينية الضخمة نحو أحياء زقاق البلاط العليا، كان عشراتٌ من الأهالي يقفون وسط الشارع رافعين رؤوسهم وشاخصين بأبصارهم إلى أعلى بناية من أكثر من طبقاتٍ عشر، فيما مكبرات صوت تصدح بأناشيد صاخبة، ترجُّ أصداؤها الأعصاب والحواس، وتضاهي ضراوة دبيبها في أجسام البشر فوضى الحركة وسط الشارع. وقادني فتى يعمل في المقهى إلى منزل أهل المحامي علي حسين فصاعي.

اجتزنا الجسر بين الحسينية ومبنى الإطفائية، وانعطفنا من أمام ورشتين أو ثلاث لإصلاح السيارات. وفي فسحة خربة أمام بيت عتيق مهمل ومهجور، استقبلنا المحامي، فإذا باللافتة إياها منصوبة مشدودة بحبال فوق الفسحة التي جلسنا فيها على كرسيين من البلاستيك وطاولة صغيرة من البلاستيك أيضاً. وقال المحامي مستقبلي للفتى الذي أوصلني إليه أن يجلب لنا القهوة، فجلب لنا الفتى من مقهى بين ورشتين فنجانين كرتونيين من قهوة الأكسبرسو. وسجّلتُ هذه المقتطفات من سيرة المحامي فصاعي. ولم أشأ أن أنظمها وأصوغها بطريقة متساوقة، بل تركتها كما رواها صاحبها، متدافعة متقطعة.

أمل العروبة
أنا من كونين في قضاء بنت جبيل. قاتلتُ مع مصطفى شمران على تلة شلعبون قرب بنت جبيل. بدأنا النضال والقتال أيام الأخضر العربي في الجنوب على الحدود أيام المقاومة الفلسطينية.

(أنا المستمع إلى كلام محدثي أعلم أن الأخضر العربي كان في منظمة الصاعقة بعد حرب حزيران 1967. وقُتل في أواخر الستينات على أطراف مزارع شبعا في عملية فدائية ضد الجيش الإسرائيلي هناك. وأعلم أيضاً أن فدائيَّ الصاعقة هذا يدعى أمين سعد، وكان قبل التحاقه بالمنظمة الفدائية السورية الفلسطينية، يدرس في مدارس المعهد العربي، لصاحبها حسين اليتيم. والمدرسة إياها لا يزال بناؤها القديم قبالتنا ونراها من حيث نجلس أمام البيت العتيق الخرب المهجور، الذي قال المحامي فصاعي أنه بيت أهله، وأنه تعلّم في المدرسة إياها في طفولته وصباه).

وتابع المحامي حديثه معرّفاً بنفسه: أنا ولدت هنا في زقاق البلاط سنة 1958 وصرت محامياً. وعملت موظفاً في بنك، ومدير بنك. طوال 4 سنوات كنت الأول في الجامعة اللبنانية بكلية الحقوق التي تخرجت منها سنة 1986، وعملت مستشاراً قانونياً في البنك العربي، وفي إدكوم بنك لهنري صفير. سنة 1982 كنت مسؤولاً في حركة أمل. قبلها شاركت سنة 1976 في اعتصام الكلية العاملية إلى جانب الإمام موسى الصدر، ضد حصار دير الأحمر والقاع أيام الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية وحركة أمل. كنت مسؤول حركة أمل كلها. أثناء الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 كنت مستشاراً للشيخ محمد مهدي شمس الدين. وكنا ننام هنا في المصيطبة ونلتقي أبو عمار. وكنت ممثل حركة أمل ومسؤولها في المكتب العمالي المركزي، أنا وابراهيم زعرور وهيثم جمعة الذي صار لاحقاً نائب رئيس الحركة. وكنت مسؤول المطار والمرفأ والبلديات في الحركة، أيام الإمام الصدر وحسين الحسيني، وكان معنا قبلان قبلان. وأنا الآن مؤسس مجلة "الرأي الخاص" وصاحبها.

ابتعدتُ عن حركة أمل لأنها صارت طائفية. أنا خطي وطني عروبي. هكذا علمني الإمام الصدر، لتضم جوزيف وحنا وبطرس والياس. وقبل 7 سنوات أسّست "حركة الكوادر والمثقفين في لبنان". لكنها لم تنطلق لأن البلد مذهبي وطائفي وكانتونات. والحركة انتماؤها وطني لا طائفي. والآن سوف تنطلق على مستوى لبنان كله بعد الانتخابات في سوريا الأسد. ونحن موجودون في نقابات المحامين حيث العلم. الرئيس حافظ الأسد استقبلني في الرقة، أنا والأستاذ ميشال جحا قبل أن يموت. أنا قومي عربي، ومحامي المستضعفين في لبنان. لم أترك الرئيس الأسد، ولن أتركه، بعدما تآمر عليه العالم كله. أنا أعني ما أقول، وما كتبته في هذه اللافتة، بعدما قاتل الرئيس الأسد داعش والنصرة. والرئيس حافظ الأسد رحمه الله، ساعدنا كجنوبيين مقاومين لتحرير الجنوب. كان يمدّنا بالسلاح. وبدون سوريا الأسد والعروبة لم نحرّر ولم نتحرّر. أما إيران فعلى رأسي، وهي موضوع آخر. وهي تدخلت قبل سنوات فقط. وحزب الله لم يكن موجوداً قبل سنة 1982. الحاج وفيق صفا كان معنا، مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين. هناك تاريخ موجود قبل حزب الله وإيران. محمود قماطي وعلي عمار وحسن نصرالله كانوا معنا. السيد نصرالله كان مسؤول حركة أمل في قريته الجنوبية. ورحم حزب الله هو حركة أمل. واليوم نحن معه حتى الموت في مقاومته إسرائيل.

الأسد والحريريان
المنطقة اليوم مقبلة على خطط جديدة، واتفاقات: مفاوضات أميركية-إيرانية، وإيرانية-سعودية. هناك اتصالات عربية. والرئيس الأسد راجع إلى جامعة الدول العربية. وجاء أكبر وفد سعودي لزيارة الرئيس الأسد، وسوف تفتح السعودية سفارتها في دمشق بعد عيد الفطر، وتنكشف الأمور. المشروع الأميركي الداعشي فشل في سوريا. السيد حسن نصرالله قدم 5 آلاف شهيد في سوريا، من أجل وحدة لبنان وعروبة لبنان. الحزب السوري القومي قدم شهداء أيضاً في سوريا. مشروع تفتيت سوريا الأسد فشل وانتهى. الرئيس بشار الأسد، ابن حافظ الأسد، وابن العروبة والمقاومة. أنا لم أتقاضَ أي ليرة من سوريا. أنا معها كعربي، ككيان عربي. والحزب الذي أسسته، "حركة الكوادر والمثقفين" عربي، وسوف يظهر بقوة بعد انتخاب الرئيس الأسد في سوريا. وإذا قدّرنا الله سوف نخوض معركة حاسمة ضد هذه الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان.

وأقول للسنّة في لبنان إن هناك مشروعاً أميركياً صهيونياً لتفتيت المنطقة، وأنتم جزء منه، ونحن في حاجة لاحتضانكم كي تفهموا الحقيقة. ولا أعني بكلامي هذا السنّة جميعاً بل جزءاً منهم. وسعد الحريري فشل. ورفيق الحريري جاء ضمن مشروع في المنطقة، وعندما انتهى المشروع قتلوه. ومشروعه كان يريد تحويل البلد كله إلى منتجع سياحي وخدماتي. وهو تملّكَ وسط مدينة بيروت كله. ما هذا المنطق الأعوج؟!

استمارات اللاجئين السوريين
عمي الشهيد نعيم فصاعي هو من أدخلني إلى حركة أمل. كان عمري 12 سنة عندما كنت أذهب مع عمي لنقاتل اسرائيل. والآن نحن في "حركة الكوادر والمثقفين" نعدُّ استمارة ونوزعها في لبنان وسوريا كي يعبئها اللاجئون السوريون لانتخاب الرئيس الأسد. والمجموعة التي تقوم بهذا العمل سورية ولبنانية، ومنتشرة في البلدين. نحن عندنا في الحركة رموز وكوادر ومثقفون. وفي الوقت المناسب سوف نعلن قيادة الحركة.

بعدما ابتعدت من حركة أمل فتحت مكتب محاماة وأصدرت مجلة "الرأي الخاص". كان مكتبي في وسط بيروت واحترق. وافتتحت مكتباً جديداً في الحدث بحي حنين. في المجلة نشرتُ قانون انتخاب كامل مفصل. ومعظم النواب لا يعملون ما هو قانون الانتخابات. ونحن موجودون في نقابات المحامين والأطباء والمهندسين. وسنة 2019 ترشحتُ لأكون نقيب المحامين. وأستطيع أن أطلّع نقيباً وأنزّل نقيباً.

أنا قبل المحاماة والعمل في المصارف، بعتُ العلكة وأكياس الورق، واشتغلت في المرفأ حمالاً. وبعتُ الملبن وراحة الحلقوم. وهذا بيتنا. فيه تربينا 9 أخوة وأمي وأبي. والدي كان عتالاً في المرفأ. أمي اشتغلت عاملة تنظيفات في مصارف لتعلمنا. وهي كانت تمسح القبور في جبانة الباشورة. وكانت تخبز هنا أمام بيتنا أيام الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982. وهنا على باب الحي قصفتُ دبابة إسرائيلية بقذيفة آر بي جي. والآن عندي شقة ثمنها مليون دولار. في حياتي كلها محامياً لم أخسر دعوى واحدة. في مكتبي للمحاماة على طريق صيدا القديمة عندي 20 محامياً.

أنا مع الأمة العربية كلها. أحب جمال عبد الناصر. والآن الرئيس الأسد، لأنه وقف موقفاً بطولياً. أنا قومي عربي مع الأخضر العربي، ولست في حزب البعث.  وكنت المحامي عن حسن هاشم عندما كان في السجن وأحرجته من السجن بريئاً من التهم بعدما قام بانتفاضة في حركة أمل وجوّعه نبيه بري. أنا أقوى المحامين في العالم وليس في الشرق الأوسط وحده. ابنتي خريجة الجامعة اليسوعية، وأولى في الحقوق، وأولى في المحاماة في التدرج والاستئناف. وابني خريج اليسوعية إدارة أعمال دولية. وهو مدير أهم الشركات في بلاد الاغتراب. زوجتي محامية سيادية. أخوها عقيد في الجيش اللبناني. وأنا في الامتحانات الرسمية لشهادة الرياضيات كانت علامتي في مادة الرياضيات 58 على 60.

أنا وشعبي مقهوران
أنا أتكلم هكذا من شدة قهري من الذين أوصلوا البلد إلى هذه الحال. شعبي مقهور، وأنا مقهور على شعبي. الزعماء نهبوا البلد والدولة. الرئيس الأسد حجز أموال آل مخلوف أقاربه. وفي دقيقتين أقال حاكم المصرف المركزي في سوريا. وهنا رياض سلامة لا أحد يتمكن من إقالته من منصبه. أنا لا أستفيد شيئاً من سوريا. ولا أتلقى تعليمات من أحد. أجلس مع الرئيس الدكتور بشار من الند للند، ولست تابعاً له. ووالدي كان يحمل قارورة الغاز على كتفه إلى الطبقة العاشرة من أجل أن يحصل على الليرة. أنا أريد تحصيل حقوق العمال بواسطة القضاء. وصهري حسن عجمي نائب الرئيس بري. عندي ألف دعوة لتحصيل حقوق العمال.

شاركت في ثورة 17 تشرين. أنا محامي الثورة. وأحرقوا خيمتي في ساحة الشهداء. وأولاد أخي وأختي يقاتلون داعش في سوريا. وعندي أقارب في حزب الله. أنا مع حزب الله في المقاومة حتى الموت، لكنني ضده في الوضع الداخلي، حيث فشل. الساكت عن الحق شيطان أخرس. حزب الله يوزّع تموين على مؤيديه فقط. وكذلك تفعل حركة أمل. حسين اليتيم صديقي. أمي عندما كنا صغاراً في مدرسته كانت تأخذ لزوجته بيضاً وخبزاً.

عندما علّقتُ اللافتة على نفق سليم سلام، جاء عقيد في الجيش اللبناني، وقال لي إن الرسالة وصلت ويكفي، ويمكن أن تنزعها، فحملتها وعلقتها هنا أمام بيت أهلي وطفولتي.

فتيان الحبال
بعد إنهاء مقابلتي مع المحامي فصاعي، عدت إلى حيث ركنت سيارتي في شارع بعيد عن الحسينية في زقال البلاط. كان الصخب لا يزال على حاله في الشارع، والمحتشدون ما زالوا واقفين رافعين رؤوسهم إلى الأعلى وشاخصين بأبصارهم إلى أعلى بناية شاهقة. سألت عن مناسبة الاحتفال. وكان المحامي فصاعي قد قال إن المناسبة هي  ذكرى اغتيال الإمام علي بن أبي طالب. من سألتهم في الشارع، قال أحدهم إنه لا يعلم ما هي المناسبة. آخر قال أنه يوم القدس العالمي. ومكبرات الصوت صدحت فجأة بخطبة للسيد حسن نصرالله. اقتربتُ من المحتشدين ونظرت إلى حيث ينظرون في الأعلى. كانت حبالٌ متدلية من على سطح البناية الشاهقة، وفتيان يهوون من السطح الشاهق إلى الأرض، ممسكين بالحبال... وعلا التصفيق والتهليل والتكبير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها