الجمعة 2021/03/05

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

سلامة يحترق: إدارة بايدن تدرس فرض عقوبات أميركية عليه

الجمعة 2021/03/05
سلامة يحترق: إدارة بايدن تدرس فرض عقوبات أميركية عليه
فرض العقوبات على سلامة ناقشته إدارة ترامب التي فضّلت التركيز على مواجهة نفوذ إيران (Getty)
increase حجم الخط decrease
تدرس الإدارة الأميركية فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، المستمرّ في منصبه منذ عقود. ويأتي الموقف الأميركي بناءً على تسارع التحقيقات وتوسّعها في موضوع اختلاس المال العام في لبنان، وفقاً لأربعة مصادر مطّلعة على الملف. وقالت هذه المصادر لوكالة بلومبرغ، التي رفضت الكشف عن اسمها في سياق حديث خاص، إنّ إدارة الرئيس جو بايدن تناقش إمكانية اتخاذ تدابير، بالتنسيق مع شركاء أوروبيين، ضد سلامة، الذي يدير الملف النقدي اللبناني منذ 28 عاماً. وأضافت المصادر إنّ النقاش يرتكز حتى الساعة على إمكانية تجميد أصول سلامة في الخارج، واتخاذ إجراءات تحدّ من قدرته على القيام بنشاطات مالية وتجارية في الخارج. ويستمرّ النقاش في هذا الملف من دون أن يكون ثمة قراراً نهائياً أو حتى وشيكاً بهذا الشأن، في حين أنّ سلامة ينفي ارتكابه أي مخالفة في هذا الشأن.

إدارة بايدن
وسبق للإدارة الأميركية أنّ بحثت في فرض عقوبات على سلامة. وفي هذا الإطار، أشار مصدران إلى أنّ الملف قد طرح العام الماضي، إلا أنّ الرئيس السابق دونالد ترامب لم يبد آنذاك أي اهتمام بالموضوع. إذ ركّزت إدارته سياستها في الشرق الأوسط على مواجهة نفوذ إيران وأذرعها مثل حزب الله في لبنان. في حين أنّ الرئيس بايدن يعطي الأولوية ويشدّد على محاسبة الفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان. وفي حال فرض هذه العقوبات، ستكون من الحالات النادرة التي تقوم فيها حكومة أجنبية باتخاذ إجراءات ضد حاكم مصرف مركزي بسبب الفساد. كما أنّ العقوبات ستكون انقلاباً فعلياً وملحوظاً على الحاكم، وتُعقّدُ أكثر جهود لبنان لتأمين الدعم المالي الدولي.

إسم وعلامة
وكان رياضة سلامة (70 عاماً) يحتفى به بكونه الحاكم الذي عمل على استقرار الليرة اللبنانية رغم كل الصعوبات، حتى أنه تم طرح اسمه لرئاسة الجمهورية في فترة سابقة. وفي عام 2019، نال درجة A في التصنيف السنوي الصادر عن مجلة Global Finance في نيويورك. كما أطلقت عليه مجلة Euromoney لقب الحاكم قبل عقد من اليوم. ويعتبر سلامة اسماً مألوفاً في وول ستريت والعواصم الأجنبية، وكان من الأسماء الثابتة في المنظومة اللبنانية على مدى العقود الثلاثة الماضية، في ظل الصراعات الدائرة في بيروت، ويضعف من حدّة المواجهات السياسية والانهيار الاقتصادي. وجاءت الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول 2019 لتحمّل الطبقة السياسية مسؤولية استنزاف خزينة الدولة على مدى عقود من الفساد وسوء الإدارة. كما حمّل محتجّون سلامة مسؤولية السياسات المالية الخطيرة التي اتخّذها للمحافظة على نظام مالي تبيّن فشله في النهاية، وبخّر ودائع اللبنانيين. وحسب ما تشير أرقام الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف سكان لبنان باتوا اليوم يعيشون في الفقر.

التحقيق السويسري
وتقول بلومبرغ في تقريرها أيضاً، أن مكتب المدعي العام السويسري طلب، في كانون الثاني الماضي، مساعدة الحكومة اللبنانية في تحقيق حول غسل أموال مرتبط باختلاس محتمل من خزائن مصرف لبنان، أي البنك المركزي. ولم توضح السلطات السويسرية الهدف من تحقيقها في حين أكد القضاء اللبناني أنه تم الاتصال به بشأن تحويلات مالية إلى الخارج تمّت عبر البنك المركزي. وفي هذا الإطار، قالت المصادر الأربعة إنّ التحقيق يشمل أيضاً سلطات قضائية أخرى، منها بريطانيا وفرنسا، حيث تراجع هذه السلطات روابط سلامة بالعقارات والشركات الوهمية والتحويلات المصرفية الخارجية. وفي حين يعطي التدقيق السويسري الزخم اللازم لفرض العقوبات على سلامة، إلا أنّ الإجراءات الأميركية المحتملة لا تعتمد بالضرورة على نتائج هذه التحقيقات، بقدر ما تعتمد على تغيير الحسابات السياسية، حسب ما تضيف المصادر نفسها.

سلامة ينفي
ونفى سلامة الادعاءات الموجهة ضده وضد مصرف لبنان، وكتب رداً عبر البريد الإلكتروني يوم الخميس على أسئلة توجّهت بها "بلومبرغ"، قائلاً: "المزاعم بأني استفدت بأي شكل من الأشكال، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من الأموال والأصول المملوكة من مصرف لبنان وأي أموال عامة أخرى، لا صحّة لها إطلاقاً". وقال سلامة إنّ صافي ثورته عند تولّيه منصبه في حاكمية البنك المركزي عام 1993 كان 23 مليون دولار، وقد جمعت هذه الثروة خلال حياتي المهنية كمصرفي خاص. وكان راتبي من شركة ميريل لينش 165 ألف دولار شهرياً". وأضاف في رسالته الإلكترونية أنّ "مصدر ثروتي محدّد بوضوح".

لا أجوبة
وعلى صعيد آخر، أحالت متحدثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض الأسئلة حول هذا الملف إلى وزارة الخزانة الأميركية، بينما رفض ممثل عن الأخيرة التعليق. في حين أشارت متحدثة باسم مكتب المدعي العام السويسري إلى أنّ التحقيق جارٍ ومستمر، رافضةً التعليق على سؤال حول إمكانية التنسيق مع السلطات الأميركية. كما أحالت وزارة الخزانة البريطانية الأسئلة الموجهة إليها إلى وزارة الخارجية، التي رفضت بدورها التعليق. وأيضاً، رفضت وزيرة العدل اللبنانية الإجابة عن أي سؤال، وكذلك فعل مسؤول في الرئاسة الفرنسية.

عمولات الأخ
وتبحث السلطات السويسرية في مزاعم تفيد بأن سلامة استفاد بشكل غير مباشر من بيع سندات يوروبوند محتفظ بها في محفظة البنك المركزي بين عامي 2002 و2016، حسب ما يشير إليه مصدر قضائي في لبنان وشخص مطلّع على التحقيق السويسري طلبا عدم الكشف عن اسميهما لحساسية الملف. وتحتفظ السلطة النقدية بسندات اليوروبوندز من معاملات التقييم المالي وفق السوق والاتفاقيات المتبادلة مع الحكومة. وأكدت المصادر الأربعة أنّ سلامة استفاد أيضاً نتيجة علاقة شقيقه رجا بشركة الوساطة المالية Forry Associates Ltd التي تقاضت العمولات مقابل بيع سندات اليوروبوند لمستثمرين. وبلغ مجموع العمولات التي يتم التدقيق بها أكثر من 300 مليون دولار، حسب أحد المطلّعين على التدقيق السويسري. وكان موقع "درج" العامل في الصحافة الاستقصائية قد كشف سابقاً وجود علاقة بين شقيق سلامة وشركة وForry Associates Ltd. تم تسجيل الشركة عام 2001 في جزر العذراء البريطانية، التي تعدّ جنة للتهرب الضريبي، ويديرها موساك فونسيكا وهو الوكيل البنمي الذي تم فضحه في تسريبات بنما ليكس عام 2016. وتم تصفية شركة Forry عام 2011 ، وفقًا للوثائق المسربة.

شكوك سابقة
وكان سفير الولايات المتحدة الأميركية في لبنان، جيفري فيلتمان، قد عبّر عام 2007 عن مخاوف وشكوك بشأن العلاقة المالية التي تجمع الأخوين سلامة بمصرف لبنان. ففي برقية دبلوماسية نشرها موقع ويكيليكس لاحقاً، كتب فيلتمان في إحدى البرقيات أنّ رجا سلامة تقاضى عمولات من البنك المركزي بفعل عقد مع الأخير خلال التسعينيات. ولم نتمكّن من التواصل مع رجا سلامة للتعليق على هذه المعلومات من خلال التواصل مع شركة سوليدير الذي يشغل فيها منصباً في مجلس إدراتها. ولا توجد معلومات اتصال أخرى متاحة للتواصل معه، كما أنّ الجهود المبذولة للوصول إليه عبر أشخاص يعرفهم لم تفلح. وسبق أن قال رجا إنه يملك أعمالاً واستثمارات في العقارات وإدارة الفنادق، محلياً ودولياً، من خلال الاستثمار بأمواله الخاصة.

حليف مناهض لحزب الله
وخلال عهد الرئيس ترامب، فرضت الولايات المتحدة العقوبات على العديد من المسؤولين اللبنانيين لدعمهم حزب الله المدعوم من إيران، وهو جماعة مسلحة ذات جناح سياسي قوي. وفي تشرين الثاني الماضي، فرضت الإدارة الأميركية أيضاً عقوبات على زعيم أكبر كتلة نيابية مسيحية حليفة لحزب الله بموجب قانون ماغنيتسكي الذي يسعى إلى الحد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد. وحسب المصادر، ليس واضحاً إذا كانت العقوبات على سلامة ستندرج في إطار قانون ماغنيتسكي أو لوائح أخرى تسمح للخزانة الأميركية في معاقبة مسؤولين أجانب متّهمين باستخدام الدولار الأمبركي في معاملات غير مشروعة. وسبق للدولة الفرنسية، التي تعمل مع مسؤولين لبنانيين على تشكيل حكومة جديدة، أن حذّرت العام الماضي من إمكانية فرض عقوبات منسّقة على القادة السياسيين إذا فشلوا في تنفيذ إصلاحات لإنقاذ اقتصاد قد يؤدي انهياره إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك ، فإن أي إجراء ضد سلامة سيكون أكثر حساسية، نظراً إلى توجّه إدارة بايدن ودفعها حلفائها الأوروبيين إلى اتفاق ديبلوماسي مع إيران. فضلاً عن الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السياسية التي تركت لبنان من دون حكومة لمدة سبعة أشهر تقريباً. وتضيف المصادر إنّ الإجراءات المحتملة ضد المسؤولين الذين ساعدوا على مواجهة حزب الله قد حظيت بردود فعل أكثر من باردة من قبل حلفاء الولايات المتحدة. وسلامة على وجه الخصوص، أقام علاقات وثيقة مع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين في محاولة الحد من تأثير حزب الله ونفوذه في القطاع المالي اللبناني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها