الثلاثاء 2021/03/30

آخر تحديث: 13:17 (بيروت)

فلسفة ميشال عون الهندية

الثلاثاء 2021/03/30
فلسفة ميشال عون الهندية
إذا كان جبرانكم ليس سوى تلميذكم، ألا يكفي اللبنانيين اختبار معلِّمِه (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
عن أي "سلامة" تتحدث يا فخامة الرئيس ميشال عون في قولكم: "ليس بمقدوري أن أغامر في مسائل مصيرية لا يمكن إخضاعها إلى المجازفة، خصوصاً أنّ تجارب الحريري (والأرجح أنكم تقصدون الأب والإبن معاً) في أكثر من مجال غير مشجعة. ولا أستطيع أن أسلّمه لوحده مصير الوطن، الذي أنا مؤتمن على سلامته"؟ (الإثنين 29 أذار الجاري، جريدة "الجمهورية").

وفي معرض تنصيبكم شخصكم يا فخامة الرئس حكيماً منصفاً في الأحكام على تجارب الحريريين أو سواهما من أهل السلطة والسلطان اللبنانيين، من البديهي أن يتساءل المرء: وهل تجاربكم أنتم مشجعة يا فخامة الرئيس؟!

وإذا كان صحيحاً أنكم مؤتمنون على سلامة شيء ما في لبنان، فالأجدر بكم أن تلتفتوا حولكم، ونلتفت كلنا معكم، لنرى أن كل شيء كان معتلّاً في هذه البلاد، لدى توليكم رئاسة جمهوريتها، لم يزدد اعتلالاً فحسب، بل خَرِب خراباً تاماً أو يكاد.

وهذا ما حصل تماماً عندما سلّمكم الرئيس الشاب أمين الجميل مقاليد رئاسة حكومة عسكرية سنة 1988، كانت مهمتها الوحيدة تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فأبيتم أن تغادروا القصر الجمهوري إلا بعد دماره، وهربتم منه إلى السفارة الفرنسية القريبة. وكنتم قبل ذلك افتعلتم جولتين حربييتن مدمرتين، الأرجح أن أهل لبنان كانوا في غنى عنهما. إلا إذا كنتم لا تزالون حتى الساعة لا تعتبرونهما عبثيتين، كسائر جولات الحروب العبثية على الأراضي اللبنانية.

هل لا تزال تفتخر بحروبكم يا فخامة الرئيس؟
إذا كنتم كذلك، فلا شيء يميزكم عن وليد جنبلاط ونبيه برّي وسمير جعجع، مثلاً. فالإثنان الأولان تريدان الخلاص منهما "ومن مفاسدهما" بأي طريقة وثمن، بعدما كانا أميري حرب وميليشيات، فيما تقولون إنكم تريدون الخلاص من الثالث لأنه أمير حرب وميليشيا فحسب.

وهل لا زلتم تصدقون صرختكم الحربية: "يا شعب لبنان العظيم"؟ فأي عظمة هي تلك التي لم تفعل شيئاً سوى أنها جدّدت رمي الناس شهوراً أذلاء محطمين في الملاجئ والقتل والدم؟

ألا زلتم تفتخرون بحروبكم، وبقولكم العنتري الزجلي ذاك: "يستطيع العالم أن يسحقني، ولكنه لن ينال توقيعي"؟ وكأنما مثل هذه الأقوال التي ما زلتم ترشقون بها أهل هذه البلاد المدمرين اليائسين اليوم -معتزون بنفسكم وأفعالكم يا فخامة الرئيس- يمكن أن تغويهم بعد!  

ولربما تعلم في قرارة نفسك يا فخامة الرئيس أن مثل هذه الأقوال صارت نسياً منسياً حتى في ساحات القرى النائية، وزجلياتها العنترية المنقرضة.

وتقول يا فخامة العماد أنك لن تغامر ولن تجازف في مسائل مصيرية. وما هو المصيري هذا الذي تتحدثون عنه؟!
وضع لبنان الراهن؟!
ألا ترون يا فخامة الرئيس أن مصير لبنان صار واضحاً بما يكفي لكم ولأهل لبنان جميعاً، لتلاوة فعل الندامة على ما فعلتموه، وفعلوه هم أيضاً بأنفسهم وببلدهم؟!

ونصيبكم وافر من ذلك يا فخامة الرئيس. فأنتم دخلتم السياسة اللبنانية التعيسة برجالها وأحزابها وحروبها من باب المصادفات المحضة، وبصفتكم قائداً للجيش. وما فعلتم شيئاً يذكر سوى خوضكم تلك الجولتين الحربيتين المأسويتين المدمرتين، واللتين تدل الوقائع كلها على أنهما لم تكونا إلا من باب المغامرات والمجازفات العسكرية والسياسية.

وحتى الراحل حافظ الأسد الذي فعل كل شيء ليورّث الجمهورية العربية السورية لولديه، لم يقل فيهما ما قلتموه -يا فخامة الرئيس- بصهركم أو متبناكم الغالي والنفيس، والذي قلتم عنه: "الحقيقة إنّ جبران تلميذي". ثم رحتم تغدقون عليه صفات: "ذكي ونشيط ومجتهد وكفؤ وفولاذي". لماذا؟! لا لشيء فعله سوى أنه تلميذكم؟! وليجرب "شنصه" وحظه في الرئاسة في "انتخابات الرئاسة بعد نحو عام ونصف العام"؟ هذ ما قلتموه يا فخامة الرئيس وتابعتم: "ما يهمّني الآن ضمان مستقبل اللبنانيين" الذي قلتم إنه "أولوية جبران" أيضاً.

وإذا كان جبرانكم ليس سوى تلميذكم، ألا يكفي اللبنانيين اختبار معلِّمِه طوال.. كم من السنوات يا فخامة الرئيس؟

وأغرب ما قلتم يا فخامة الرئيس هو التالي: "إنني مقتنع بمقولة أحد الفلاسفة الهنود، الذي يعتبر انّه لا يجب بذل جهد استثنائي للوصول، بل دع الأمور تحدث لوحدها وتأخذ مجراها الطبيعي. الصيرورة بمعنى أن تصير هي الأصل، لا الوصولية التي تبتغي الوصول بأي وسيلة وثمن. وأنا اعتمدت هذه القاعدة".

والحربين اللتين خضتهما يا فخامة الرئيس، هل حدثتا لوحدهما، هل هما صيرورة، قدر، مجرى طبيعي؟!

وعسكرتكم أكثر من سنة ونصف السنة في وسط بيروت وتعطيله، وكذلك تعطيل انتخاب رئيس جمهورية سواك، ثم صهرك وتلميذك ومتبناك.. هل هذا كله صيرورة تلقائية، وفلسفة هندية؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها