الأحد 2021/10/03

آخر تحديث: 16:02 (بيروت)

مفاوضات ترسيم الحدود: ثلاثة لاعبين غير أخلاقيين

الأحد 2021/10/03
مفاوضات ترسيم الحدود: ثلاثة لاعبين غير أخلاقيين
الطابع اللا-أخلاقي لدى الولايات المتحدة الأميركية يتعلق نسبياً بسياستها الخارجية (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
مشكلة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لا تكمن فقط بالمساحة المتنازع عليها. مشكلتها الفعلية والخطيرة تتمثل في السمة غير الأخلاقية للاعبين المعنيين بها: النظام اللبناني وإسرائيل، بوصفهما طرفيْ النزاع، والولايات المتحدة الأميركية باعتبارها الوسيط بينهما. نزعة ازدراء القوانين والمعايير والقواعد، هي قاسم مشترك بين الأطراف الثلاثة، ولو بدرجات ومستويات وأبعاد مختلفة نسبياً.

ومع عودة الحديث عن استعداد أميركي لاستئناف المفاوضات، بعد تعيين الدبلوماسي، آموس هوكشتاين، رئيساً للوفد الأميركي، خلفاً لجون ديروشيه، ثمة خشية مشروعة من أن تؤدي لا-أخلاقية هؤلاء اللاعبين إلى إحدى النتيجتين: 1) إما فشل عملية ترسيم الحدود واستمرار النزاع المفتوح؛ 2) أو تسوية تحرم لبنان من حقوقه الكاملة التي يكفلها القانون الدولي، ولكن يستفيد النظام اللبناني الفاسد من مخرجاتها. وإما أن يفشل هوكشتاين في تكريس النظرة الأميركية التي تحدد مساحة المنطقة المتنازع عليها بحوالى 860 كيلومتراً مربعاً، فلا يحصل أي تقدم في المفاوضات، التي تريد واشنطن أن تَخْلُص إلى منح لبنان قرابة 55 في المئة من تلك المساحة، مقابل 45 في المئة لإسرائيل. وإما أن يتنازل لبنان عن شروطه التي عبّر عنها بطريقة شبه رسمية في ربيع 2021، من خلال "المرسوم التعديلي" للمرسوم رقم 6433 الصادر عام 2011، والذي يحدد مساحة المنطقة المتنازع عليها بحوالي 2300 كليومتر مربع، والذي لم يصدر نهائياً بعد. فتُحْرِز المفاوضات تقدماً وتؤدي ربما إلى التوقيع على اتفاقية ما، ستكون مثيرة للشبهات حتماً. 

فساد النظام اللبناني
لا-أخلاقية النظام اللبناني تُقاس، بالحد الأدنى، في نسفه منطق دولة القانون والمؤسسات. وانتهاكه مبدأ سيادة الدولة. وتعميمه حال الفساد والزبائنية والنفعية. وتقويضه آليات المساءلة. وهو ما يكرس اعتيادية الإفلات من العقاب. والتحالف المهيمن على السلطة السياسية، بمكوناته الـ 8 والـ 14 آذارية، لا يضع آليات جدية وصارمة لتطبيق القوانين. ويراكم انتهاكات الدستور، من دون أي رادع. وفي هذا المضمار، ثمة دراسة قانونية جماعية، صدرت في نيسان 2021، وشارك في إعدادها القاضي شكري صادر والمرجعين الدستوريين، حسن الرفاعي وأنطوان مسرة، وتعدد خروقات رئيس الجمهورية، ميشال عون للدستور. مثلاً: عدم توقيعه مرسوم التشكيلات القضائية، وتقاعسه عن توقيع التعديل على المرسوم 6433 حول الحدود البحرية، موضوع النزاع مع إسرائيل، وغيرها من الحالات والانتهاكات (...).

جريمة المصارف وتفجير المرفأ
وهذه اللا-أخلاقية تُقاس، بالحد الأقصى، في تسبب النظام اللبناني الفاسد بانهيار الاقتصاد وتدمير المالية العامة، وإفقار غالبية سكان البلد، فيما الزعماء وحاشيتهم من رجال الأعمال والمصرفيين الفاسدين ينعمون بما نهبوه على مدى 30 عاماً. وأمرُهم مفضوح أصلاً، لكنه سينجلي بالملموس مع بدء نشر "وثائق باندورا" حول "أسرار الجنات الضريبية"، التي تم كشفها بفضل تحقيق استقصائي قام به أكثر من 600 صحافي من العالم، بإشراف "الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية". أما ذروة السمة غير الأخلاقية لدى النظام اللبناني، فتتمثل في حالتين خطيرتين: أولاً، القيود غير القانونية التي تفرضها المصارف على حسابات غالبية المودعين، بالدولار وبالليرة اللبنانية، في حين تمكن كبار المودعين، وهم قلّة، من تهريب أموالهم إلى الخارج؛ ثانياً، الإهمال بشأن تخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، مما أدى إلى تفجيره. وهي جريمة ضد الإنسانية، يستميت أركان هذا النظام، وأولهم حزب الله، من أجل إجهاض التحقيق بشأنها ومنع محاكمة المتهمين.

لا-أخلاقية إسرائيل بديهية
بالنسبة لعدم أخلاقية سلوك وسياسة دولة إسرائيل، فهذه من البديهيات. وهي تُقاس برفضها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. وامتناعها عن الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بعد 4 حزيران 1967 (انسحبت فقط من سيناء وغزة، ومن جنوب لبنان). وجرائم الحرب التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين واللبنانيين (...). وإمعانها في الاستيطان غير المشروع في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بوصفها أراضٍ محتلة. والانتهاكات المستمرة ضد الفلسطينيين وإخضاعهم لنظام الفصل العنصري. ودولة احتلال كهذه لا تحترم القانون الدولي منذ تأسيسها، لن تتردد في محاولة فرض إملاءاتها على لبنان في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية لسرقة ثروته النفطية والغازية المفترضة.

واشنطن ومعاييرها المزدوجة
أما الطابع اللا-أخلاقي لدى الولايات المتحدة الأميركية، فيتعلق نسبياً بسياستها الخارجية، حين تسعى للتفلت من شروط وموجبات التعددية القطبية، لكي لا يشاركها أحد في التحكم بقواعد اللعبة الدولية. المثال الأبرز على ذلك تدخلها العسكري في العراق عام 2003، الذي كان تصرفاً أحادي الجانب، من خارج مظلة الأمم المتحدة. وواشنطن تدير ظهرها لهذه المنظمة الدولية كلما اقتضت مصالحها ذلك. تتجلى هذه السمة أيضاً في سياستها التي تعتمد المعايير المزدوجة في تطبيق القانون الدولي. فلا تتردد بمعاقبة روسيا وإيران مثلاً، بسبب ضم القرم والتدخل في أوكرانيا، أو التوسع الإيراني ودعم طهران لما تصفه واشنطن بالجماعات المسلحة الإرهابية في الشرق الأوسط. وقد طبّق الأميركيون القانون الدولي حين أجبروا العراق على الانسحاب بالقوة من الكويت عام 1991. لكنهم يواصلون تأمين الحماية لإسرائيل وتغطية الاحتلال والاستيطان غير الشرعيين!

خطورة التسوية المحتملة
صحيح أن ازدراء القوانين والمعايير (المحلية والدولية) هي سمة مشتركة يمكن أن تسهّل التسوية بين أطراف المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية اللبنانية-الإسرائيلية. لكن خطورة هذه التسوية المحتملة تكمن في أن الثروة النفطية والغازية اللبنانية المفترضة، ستُستثمر بما يخدم المصالح الخاصة للزعماء الفاسدين الشيعة والموارنة والسنّة والأرثوذوكس...، وكبار المتموّلين، ما لم يتحقق التغيير السياسي الجذري في لبنان. وسيتم تقاسم منافع تلك الثروة الوطنية كغنائم لهؤلاء، من خلال طرقهم المألوفة في الالتفاف على القوانين وضمن منطق "الصفقات بالتراضي". هذا الخطر يبقى قائماً ويزداد وضوحاً مع تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، التي هي حكومة المحاصصة بين أقطاب النظام الفاسد والزبائني والغنائمي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها