الأحد 2021/10/17

آخر تحديث: 11:34 (بيروت)

"عروس" 17 تشرين الصامتة.. ابتعاداً من مجابهات المذهبية الدامية؟

الأحد 2021/10/17
"عروس" 17 تشرين الصامتة.. ابتعاداً من مجابهات المذهبية الدامية؟
ليس عادياً أن تعزل طرابلس نفسها عمّا يحدث في بيروت (نذير حلواني)
increase حجم الخط decrease

هل يمكن أن تشبه ذكرى انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، ذكرى استقلال 1945، أو ذكرى انتفاضة الاستقلال الثاني في 14 آذار 2005، بصرف النظر عن طبيعة الأحداث الثلاثة؟

يرى كثر أن مفاعيل 17 تشرين سارية حتى اللحظة اللبنانية الراهنة ومستمرة. وكأنما الراهن امتداد لذاك اليوم الخريفي في 2019، وكان ضرورة قبل مواجهة معنى الجحيم وحقيقته في لبنان. 

رتابة الاستنكار 
لكن هناك الآن سؤال راهن: أين الثورة، ماذا حلّ بها؟ والسؤال هذا استُهلك لدرجة الرتابة، حين يرد كرد فعل استنكاري عمّا حلّ ويحل بهذا البلد الصغير، أو للوم الناس - غالبا من منظرين وثائرين برجوازيين - على تعايشهم مع هذا الانحلال المتمادي والمصائب والانهيارات وإثارة العصبيات الطائفية والمناطقية. وهذا ما يدفع إلى سؤال آخر: ما هي الثورة؟  

قد يكون السؤال عن معنى الثورة، وأدواتها وأولويتها وأهدافها وحاضرها ومستقبلها، ملحًا وسط مشهدٍ مليئ بالتناقضات.  

وإذا اعتمدنا مدينة طرابلس مثالًا، تبدو هذه المدينة لدى مقاربة وضعها الحالي بالمعايير التقليدية، خارجة عن الثورة ومن الحياة السياسية.  

ورغم كل الاستقطاب السياسي والاحتقان الطائفي والمناطقي والدماء التي سالت في بيروت، لم تتفاعل طرابلس لا سلبا ولا إيجابا مع هذه الأحداث المستمرة نحو الأسوأ. فطرابلس مثلاً لا تؤيد القوات ولا حزب الله ولا هي ضدهما. وفي الشمال لم يطالب أحد بتنحية قاضي التحقيق طارق البيطار، ولا طالبوا ببقائه. وفي مدينة اشتهرت برفع الصور، لم تُرفع صوره لا تأييدًا ولا تنديدًا، رغم كل ما تثيره شخصيته من سجال داخليًا وخارجيًا.  

صمت مطبق وامتحان
وفي المقابل تخيم حال من الصمت المطبق على طرابلس. وكأنها استنفدت صوتها وصرخاتها في 17 تشرين وما تلاها من أحداث جعلت منها مدينة محورية صانعةً للحدث وفي قلب المعركة.  

ربما آخر صوت وصراخ حقيقي كانا في ليالي نهاية كانون الثاني 2021، حينما حوّل مئات من شبان أحيائها سرايا طرابلس قبلة للمواجهة وتنفيس غضبهم، بالحجارة والرصاص والقنابل اليديوية. وبين ليلة وضحاها سكتت كل هذه الأصوات بعد إحراق مبنى البلدية وبوابة السرايا والمحكمة الشرعية. وكان ثمن ذلك سقوط قتيل وعدد كبير من الجرحى وتوقيف عشرات الشبان، بعدما تعمد عابثون شيطنة التحركات، قولا وفعلا.  

لكن هذا كله لا يقلل من شأن ما حققته طرابلس في 17 تشرين، بفضل عشرات ألوف من أبنائها وأبناء المناطق المحيطة بها. وذلك بإنشائهم حيزاً جغرافياً للمجاهرة بالمطالب والانتفاض على رموز السلطة، وتمزيق صور الزعماء، وكسر الخطابات النمطية، وخلق مساحات نقاش سياسي، وإضفاء الحيوية والديناميكية في أجواء المدينة وحياتها اليومية، رغم معاناة أهلها اللذين يعيشون فقرًا مدقعَا. 

لا، لم تكن الانتفاضة في طرابلس مجانية. فلقد سقط قتلى وجرحى في المدينة، واستبدت قبضة الأمن من بوابة التوقيفات والمطاردات.  

والصمت المحدق اليوم بطرابلس ليس مجانيًا بدوره. ولا هو خروج مطلق من ثقل الأحداث السياسيية والأمنية والطائفية. وهنا يبدو الصمت موقفاً من نوع آخر. فليس عادياً أن تعزل طرابلس نفسها عمّا يحدث في بيروت، بعدما كانت هي من تحث بيروت على التحرك والثورة في يوميات 17 تشرين.  

وقد تكون السلطة السياسية والأمنية هي من يدفع طرابلس إلى الصمت المطبق. وربما هو موقف يُحسب لها، بديلاً عن الانغماس في لعبة الدم والفتنة الطائفية والمناطقية.  

لكن صمت طرابلس امتحان لها وتمهيد لخيارات لا بد أن تقبل المدينة عليها لاحقا.  

مجموعات رطانة كلامية
أما السؤال عما تفعله المجموعات المنبثقة من 17 تشرين في طرابلس، فيدفع إلى سؤال آخر عن حجمها وأعدادها وهويات أشخاصها. وهنا مشكلة أخرى. 

وفي استطلاع سريع، لا يظهر أن ثمة توافقًا واضحًا على تشكيل قوة معارضة وازنة في وجه زعامات تقليدية تحاول استعادة شعبيتها. وتغلب الشخصنة على أي هدف "ثوري" آخر. والبعض يحاول صوغ توافقات تبدو هشة، تحضيراً لانتخابات الربيع، تحت مسمى مجموعات الشمال والثورة. ولكن بعض شخصياتها من فلول تيارات السلطة.  

ولدى السؤال عن برنامج ورقة سياسية - رغم صعوبة المواجهة - تبدو شبه فارغة من مضمون تقدمي يعتد به. ولا ترتبط بانتفاضة فعلية، بل تشكل استعادة لشعارات السلطة عينها، والتحايل اللغوي عليها، بغرض إثارة مشاعر المظلومية والبكائيات الطائفية والسياسية والمناطقية. لا لشيء، بل لأنهم لا يعرفون، ولا يريدون، ولا يملكون خطابًا معارضًا آخر.  

إنها مجابهة السلطة بأدواتها وشعاراتها، بحثا عن سبل جذب جماهير منهكة. والزعماء التقليديون على دراية أوسع بمخاطبة مظلومية أهل طرابلس، وعمل ماكيناتهم وضخ مالهم الانتخابي فيها خبرة أكثر من ثلاثين سنة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها