السبت 2021/10/16

آخر تحديث: 15:31 (بيروت)

حزب الله يختبر "محدودية القوة" في عين الرمانة

السبت 2021/10/16
حزب الله يختبر "محدودية القوة" في عين الرمانة
لا يمكن في لبنان فرض واقع سياسي دائم بالقوة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

راكم حزب الله الكثير من الانتصارات في تاريخه. ضد إسرائيل. مع نظام بشار الأسد، في القصَيْر وغيرها من ساحات الحرب السورية المستمرة حتى اليوم. ضد "جبهة النصرة" في جرود عرسال. ضد انتفاضة "17 تشرين" السلمية(...). كلها محطات أتاحت لحزب الله أن يختبر "فائض القوة" لديه. وكانت الاختبارات ناجحة. يمتلك الحزب جيشاً قادراً على خوض حروب عصابات وحروب غير متماثلة. في الجنوب. وخارج الحدود، من سوريا إلى اليمن. يمكنه أن يشارك في حروب أهلية هدفها قلب التوازنات وإحداث تغييرات ديموغرافية، كما حصل في منطقة القلمون في سوريا. لكن حزب الله الذي يعطي انطباعاً بأنه ينظر إلى نفسه، بعد كل هذه التجارب، باعتباره "كلّي القدرة"، يصطدم بمعادلة "محدودية القوة" في لبنان، بلد الطوائف والتوازنات الدقيقة.

تجارب سابقة
اختبر هذا الحزب، يوم الخميس 14 تشرين الأول 2021، معنى تلك المحدودية على محاور الطوائف، على خط الشياح-عين الرمانة هذه المرة. وهي محدودية كانت اختبرتها قبله "القوات اللبنانية" نفسها في جبل لبنان عام 1983. واختبرتها قبله كل الأحزاب اللبنانية التي استسهلت خيار الحرب الأهلية. واختبرها الفلسطينيون أيضاً في لبنان. كما اختبرت إسرائيل "محدودية القوة" و"محدودية الانتصار" عام 1982. كذلك سوريا بعد الحرب وحتى عام 2005. حتى الولايات المتحدة الأميركية، تلك القوة العظمى التي كانت تستعد لكسب الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، اختبرت "محدودية القوة" في شوارع بيروت عام 1983.

المقصود هنا أن من لديه تفوق عسكري على الآخرين في لبنان، سواء كان لاعباً محلياً أو أجنبياً، يمكنه تحقيق انتصارات عسكرية في معركة أو حتى في حرب. لكنه يعجز عن استخدام هذه الانتصارات بما يلائم مشروعه السياسي أو حتى شروطه السياسية. ويعجز عن فرض أمر واقع سياسي دائم بالقوة. فالتجارب أثبتت أن بإمكان من يمتلك القوة العسكرية أن يهزم خصمه المسلح أو أن يفرض تنازلات عسكرية عليه، في ظروف معيّنة. لكنه غير قادر على تغيير الواقع السياسي الاجتماعي، ولا على تجاهل المعطى الجغرافي السياسي وتأثيراته. حتى "7 أيار"، كتعبير عن لحظة غلبة للشيعية السياسية في البلد، لم يستطع تخطي المحدودية التي يفرضها التنوع الطائفي في نهاية المطاف.  

أي عنف يمارسه الحزب؟
يدرك حزب الله هذه المعادلة جيداً. لكنه يخالفها أحياناً من دون أن يعترف بذلك. فلا داعي لإرسال وحدات قتالية نظامية إلى الطيونة وجادة سامي الصلح أو عين الرمانة حتى يكون الحزب في موضع من يمارس العنف المسلح. وحدها التحقيقات الأمنية والقضائية المستقلة ستؤكد أو ستنفي ما إذا كان مناصرو الثنائي "أمل وحزب الله"، يحملون أسلحة فردية حين دخلوا إلى أحد تلك الشوارع. وحدها يجب أن تظهر من أطلق النار في البداية هناك. مناصرو حزب القوات اللبنانية أو الثنائي "أمل وحزب الله" أم "طابور خامس"؟ لكن حتى لو تبيّن أن المتظاهرين يومها كانوا من دون أي سلاح، وأنهم تعرضوا لإطلاق نار أحادي الأجانب، من جهة عين الرمانة، لا يمكن لحركة أمل ولحزب الله أن ينكروا، في المقابل، وجود أشكال أخرى من العنف مارسها مناصروهم في ذلك الشارع المؤدي إلى عين الرمانة. وهي أشكال من العنف تتكرر باستمرار، عند كل محطة من محطات الصراع السياسي في لبنان، ما قبل انتفاضة 17 تشرين 2019 وبعدها.

يتعلق الأمر بعنف بدني غير شرعي: الاعتداء بالضرب على مدنيين. وبأعمال شغب: تكسير واعتداءات على أملاك عامة وخاصة. ويتعلق الأمر كذلك بعنف معنوي ضد مواطنين آخرين: من التخوين إلى شعار "شيعة شيعة شيعة". فهذا الشعار المسيء إلى الطائفة الشيعية وإلى كل مواطن ينتمي إلى هذه الطائفة، يردده هؤلاء الشبان بنبرةٍ صدامية وعدوانية غير مبررة. وسواء أدركوا أم لم يدركوا، فإن المتلقي، العلماني أو الطائفي، الملحد أو المؤمن، لا يستطيع أن يفهم هذا الشعار إلا بوصفه شعاراً ذات بعد إقصائي. وهذا ينطوي على الكثير من العنف المعنوي الذي يجب على حزب الله تحديداً أن يتأمل بعواقبه، وبمحدوديته أيضاً.

هزيمة سياسية
فهذه المرة قوبل هذا العنف بعنف مضاد في عين الرمانة. أي في منطقة تنتمي، في الجغرافيا السياسية اللبنانية، إلى الطوائف المسيحية. وبما أن حزب الله أظهر، منذ ما بعد عام 2005 واتفاق "مار مخايل" مع العونيين عام 2006، حرصاً على عدم التصادم العنيف مع البيئة المسيحية، فهذا يفترض أنه وضع لنفسه، ولو ضمنياً، "شرعة خاصة" للتصرف مع هذه البيئة وفيها. ويفترض أيضاً أن الحزب يدرك جيداً أن لانتهاك هذه "الشرعة" مردوداً سلبياً على علاقته معها. وأن لتضرر علاقة الحزب مع مسيحيي لبنان انعكاسات سلبية على وضعه السياسي وإمكاناته السياسية في هذا البلد، بلد الطوائف.

بمعنى آخر، مهما بلغت القوة العسكرية لحزب الله، ومهما كان لدى مناصريه وجمهوره العريض "همّة" وعزيمة وقدرة على ممارسة الشغب والعنف البدني والعنف المعنوي، فإن كل ذلك يؤدي إلى هزيمة سياسية في زواريب وشوارع عين الرمانة. لأن حزب الله يعرف -ولا ينكر ذلك- أن دوره في السلطة وتأثيره في معادلة سياسية مستقرة، يتطلبان وجود تفاهمات مع كل الطوائف وخصوصاً مع المسيحيين. وكان يجب عليه أن يقدّر، أولاً، بأن توجّه متظاهريه من جادة سامي الصلح باتجاه أحد مداخل عين الرمانة سيزيد من نقمة المسيحيين ضده، في الحد الأدنى. لا سيما أن سياق الحدث يتمثل في اعتراض الحزب على مسار التحقيق بجريمة تفجير مرفأ بيروت، الذي يتمسك به القسم الأكبر من اللبنانيين وبشكل خاص الطوائف المسيحية.

وكان يجب عليه أن يقدّر، ثانياً، بأن هناك من ينتظره على المقلب الآخر للرد، تحت حجة أنه "طفح الكيل" من مظاهر "فائض القوة". فيحدث ما حدث من صدام مسلح. ويظهر إلى العلن ما يدور في نفوس كل أولئك الشبان المسلحين من حقد طائفي متبادل، إلى درجة الإجرام المتبادل. صدامٌ أهليٌ يذكّر حزب الله، شأنه شأن حزب القوات اللبنانية، بمحدودية القوة، وبالحاجة الماسة، اليوم قبل غداً، إلى إعادة صياغة تفاهمات سياسية جوهرية حول مصير لبنان. إلا إذا كان هناك أجندة مخفية لإشعال حرب أهلية تدريجياً، بدلاً من إعادة بناء الدولة والنظام السياسي بما يضمن الاستقرار الدائم والازدهار والتعايش السياسي السلمي بين الطوائف؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها