الأربعاء 2020/06/03

آخر تحديث: 15:54 (بيروت)

"قوّات" بشير الجميّل والحزب الخميني.. أبناء خراب المشرق

الأربعاء 2020/06/03
"قوّات" بشير الجميّل والحزب الخميني.. أبناء خراب المشرق
كانت البشيرية القواتية أكثر من مهّدَ الأرضَ الخراب التي ولد ونشأ منها حزب الله (Getty)
increase حجم الخط decrease
في الصفحات المئة الأخيرة من كتاب الصحافي والكاتب الفرنسي ألان مينارغ "أسرار حرب لبنان" (حوالى ألف صفحة في جزأين، ويغطي أربع سنوات فقط من حرب لبنان المشرقية: 1980- 1984، وكُتِب وصدر بالفرنسية سنة 2004، ثم مترجماً إلى العربية سنة 2006)، يبدأ طيف حزب الله بالظهور في نواته السّريّة التي ولدت من "زواج المتعة" بين الثورة الإسلامية الإيرانية الخمينية وسوريا الأسد، في الرحم اللبنانية - الفلسطينية السوداء، ولّادة الحروب الأهلية ومآسيها المشرقيّة العربية في لبنان.

الولادة من الثارات
حصل ذلك الزواج وتلك الولادة تحديداً، بعد الفصل أو المنعطف الإقليمي الكبير لتلك الحروب: الحملة العسكرية الإسرائيلية على لبنان، بالتحالف مع قوات بشير الجميّل اللبنانية المسيحية، لاجتثاث منظمة التحرير الفلسطينية ومعسكراتها من جنوب لبنان وصولاً إلى بيروت، صيف 1982.

وكان من الصعب على قوات بشير الجميّل الشاب وأركانه من مجايليه، أن تولد من رحم حزب والده المكتهل، الكتائب اللبنانية، وأن تنشأ وتشتد قبضة تلك القوات ويتصلب عودها على الصورة والنهج البشيريين، لولا ارتماء الجميّل الشاب العصابيّ و"الثوري" مع أركانه الشبان وقواته، في أحضان إسرائيل ومخابراتها وجيشها، ثأراً مزدوجاً: من ما سموه "الاحتلال" الفلسطيني والسوري والعربي للبنان "المسيحي" في مخيلتهم السياسية "الوطنية" اللبنانية العصابيّة، ومن تواطؤ المسلمين اللبنانيين المنقوصي اللبنانية، مع ذلك الاحتلال.

وعلى منوال يشبه المنوال البشيري القواتي في بعض وجوهه، كان يستحيل أن تولد نواة حزب الله من رحم زواج المتعة الخمينية - الأسدية في لبنان، وأن تعيش تلك النواة السّريّة، تكبر وتقوى وتستمر في الديار اللبنانية، لولا إرادة ثأر تلك النواة من العصاب البشيري القواتي المسيحي من "الاحتلال" الفلسطيني، واستقواء البشيريِّين عليه بالارتماء في الحضن الإسرائيلي، والذي أدى إلى الحملة العسكرية الاسرائيلية واحتلالها لبنان صيف 1982.

انتفاضة جيلين "ثوريين"
هناك شبَهٌ آخر بين ولادة "المقاومتين الثوريتين"، اللبنانية البشيرية القواتية المسيحية والحزب اللهية الشيعية الخمينية، سوى شبهة  ولادتهما من رحم الاحتلالات والحروب والثارات والتدمير: انتفضت المقاومة البشيرية القواتية على أبوّة حزب الكتائب التقليدي، وعلى التزامه المديد بصيغة لبنان 1943 التقليدية، ميثاقه ودستوره الاستقلالي، باعتبارها صيغة بالية مهترئة، وأدت إلى ويلات وكوارث أصابت المسيحيين. وهي بهذا المعنى انتفاضة جيل حربي شاب على طوطمية بيار الجميّل الأبوية، شبه المقدسة، وعلى جيله المؤسس لحزب الكتائب اللبنانية.

أما الجيل الشاب المؤسس لحزب الله، فنشأ وترعرع في خضم حروب لبنان واحتلالاته. وشطر كبير منه نشأ في رحم أو حاضنة حركة فتح الفلسطينية، و"حركة أمل المحرومين" الشيعية، لمؤسسها وعرّابها الإمام موسى الصدر.

ونشأت النواة الخمينية لحزب الله نشأة سرية جهازية، قبل أن  تنتفض على حركة الإمام الصدر المؤسس التقليدية، وتنشق عنها انشقاقاً دموياً عاصفاً، في خضم الصراع الإيراني الخميني والسوري والأسدي على تركة "الإمام المغيب" التي انشقت عنها "أمل الإسلامية" بقيادة حسين الموسوي. وسرعان ما وضع ذلك الصراع والشِّقاق الدموي خاتمته بتسوية إيرانية - أسدية: تنظيم حزب الله الداخلي والسري، تأطيره وتجهيزه وتربيته العسكرية، وعقيدته الدينية الخلاصية، إيرانية خمينية كلها. أما إدارته ومقاومته إسرائيل على الأراضي اللبنانية، فتنتظم وفق المتطلبات والأوضاع السورية الأسدية.

تصفيات واغتيالات
هناك شبه ثالث بين "الانتفاضتين الثوريتين"، اللبنانية البشيرية القواتية المسيحية، والحزب اللهية الشيعية الخمينية: كلٌ منهما قام بحملات تصفية دموية عاصفة للمنظمات والمجموعات المسلحة والأحزاب في مناطق نفوذه.

استمرت حملات بشير الجميل وقواته لـ"توحيد بندقية المقاومة المسيحية"، حتى استطاعت "تنظيف" الشارع والمناطق المسيحية من مناوئيه، بالقتل والاغتيال. وطوال ثمانينات القرن العشرين لم يتوقف حزب الله عن تصفية المنظمات الحزبية اليسارية والعروبية في جنوب لبنان وبيروت وضاحيتها الجنوبية، واغتيال محازبيها وقادتها. ولم تنجُ من ذلك منظمات المقاومة "الوطنية" اليسارية لعدو الحزب الخميني، أي جيش الاحتلال الإسرائيلي، حتى أنجز تفرُّدَه بمقاومة ذاك الاحتلال، بأمرة إيرانية - أسدية في التسعينات، ليصير وحده من دون سواه "حزب المقاومة والتحرير" في العام 2000.

وفيما كانت القوات اللبنانية البشيرية تعيش بداية مأساتها باغتيال بشيرها في عزّ فرحتها وعرسها بوصوله إلى سدة رئاسة الجمهورية، في أحلك أيام دمار لبنان وخرابه، لتتواصل بعد ذلك فصول مآسيها الحربية وانكفائها في الشوف ودير القمر وبحمدون وسوق الغرب وشرق صيدا... كانت النواة السّرية الإيرانية الخمينية لحزب الله تولد وتتكوّن من رحم الدمار والخراب، ورحم عمليات الاستشهاد الانتحاري المدوي ضد القوات المتعددة الجنسية، الأميركية والفرنسية، وعمليات خطف الأجانب في بيروت.

وكأنما حزب الله بدأ مسيرته الدموية الكبرى، فيما كانت القوات اللبنانية البشيرية تتراجع وتنكفئ وتتصدع ويذوي مشروعها البشيري.

العدوان المتكاملان
وهناك من يقول إن حزب الله والقوات البشيرية - على الرغم من نشأتهما ومسيرتهما على طرفي نقيض، وفي زمنين مختلفين وظروف مختلفة - إنما يتقاسمان سعياً متشابهاً في تقويض لبنان وتدميره: القوات البشيرية لجعله "وطناً قومياً مسيحياً"، وحزب الله لجعله إمارة عسكرية إيرانية شيعية.

ولربما كانت البشيرية القواتية أكثر من مهّدَ الأرضَ الخراب التي ولد ونشأ منها حزب الله وترعرع فيها. وقد تكون القوات البشيرية ومقاومتها "الاحتلال" الفلسطيني والسوري، النموذج الذي تفوق عليه حزب الله وتجاوزه بأشواط بإيرانيته الخمينية الخلاصية، باسم مقاومته إسرائيل واحتلالها. وهو توسل مقاومته هذه أداة أمضى من المقاومة البشيرية، للسيطرة الإيرانية الشيعية على لبنان.

فهدف مقاومة إسرائيل الأول والأخير، العروبي والإيراني الخميني، مهما سُفك فيها من الدم وتكاثر شهداؤها، هو قهر الجماعات الأخرى قهراً استبدادياً، على الطريقة الأسدية في سوريا، والخمينية الخامنئية في إيران ولبنان.

ومفهوم "العدوين المتكاملين" المتقابلين، ينطبق أكثر ما ينطبق على إيران الولي الفقيه وإسرائيل. فإسرائيل في منظور الوليّ الفقيه الإيراني وصنيعته حزب الله، ليست سوى "عدوٍّ وظائفي" تتوسل به الجمهورية الإسلامية وتنافسه، لإخضاع المشرق "العربي" والاستبداد به، وربما احتلاله على نحو استيطاني طائفي قد يتفوق على الاستيطان الإسرائيلي.

عجزٌ لا شفاء منه
والمشرق "العربي" هذا، ومنه لبنان، يبدو اليوم في مرآة حروب  لبنان المشرقية المديدة وتسوياتها، أرض سيبةٍ وخراب. وقارئ كتاب ألان مينارغ، أو مَن يعيد قراءته اليوم، لا بد له من أن يحدس ويدرك مقدارَ عجزِ اللبنانيين المديد، سياسيين وزعماء وجماعات، عن تدبير شؤون بلدهم، خلافاتهم وصراعاتهم وأزماتهم، الصغيرة منها والكبيرة.

وقد يكون هذا العجز تكوينياً، وليس عارضاً أو عابراً. بل هو عجز يطاول إرادة الجماعات المشرقية الذاتية وتكوينها، وتركيب بلدانها وتكوينها.

وربما لا جدوى من التساؤل عن مكمن علّة هذا العجز: أفي إرادة الجماعات، أم في تكوين البلدان المشرقية التي شاءت الأقدار الدولية أن تنشأ دولها المعاصرة أو الحديثة، رغماً عن إرادة بعض جماعاتها، وترحيب بعضها الآخر، القلِق والخائف.

أما قوة حزب الله التي يتوعّد بها من يريد ويشاء، فلن يكون مصيرها أفضل من سواها المستمَدَّة من سلطان السلاح والإخضاع والاستبداد: قوةٌ للخراب وعلى الخراب.

أخيراً هناك شبه بين القوات اللبنانية البشيرية وحزب الله: عبادة شخص القائد الأسطوري الملهم والخارق، وشبه المقدس دنيوياً في الحالة البشيرية، ودنيوياً ودينياً إلهياً في حالة حسن نصرالله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها