جوهر البيان واضح أولاً في توصيف الاعتداء على أبو زيد بأنه حادث فردي، وثانياً في الجملة الأخيرة مع الإشارة إلى "الرموز الوطنية". فجاء ذلك ليكرّس انصياعاً كاملاً لمنطق القوة وفائضها، كما أنه يكرّس أيضاً الانصياع لمبدأ "الرموز" التي سبق أن سقطت في 17 تشرين وقبلها، لما جلبت على البلاد من بلاء وانهيار وإفلاس.
استدراك شيوعي
واللافت في الموضوع أنّ الاعتراض على هذا البيان تمّ أولاً من قبل مناضلين وأنصار في تنظيم الحزب الشيوعي، الذي عاد واستدرك ما حصل وأصدر بياناً يدين فيه "الاعتداءات على المنتفضين والإعلاميين وعلى الجسم الطبي والتمريضي". ودعا المكتب السياسي في الحزب إلى "تصعيد الانتفاضة في مواجهة المنظومة السلطوية الفاسدة" مشيراً إلى أنّ "الإدانة الصارمة لهذه الاعتداءات كائناً من كان وراءها من عناصر في القوى الأمنية والميليشيات السلطوية". كما أكد الحزب على "تسليم المعتدين ومحاكمتهم امام القضاء العادل وعلى موقفه الثابت بالتمسك بالحريات العامة وبحق المواطنين بالتعبير عن آرائهم وممارسة دورهم في النقد السياسي". ودان استخدام "المنظومة السلطوية للعلاقات الزبائنية والبلطجة والقمع عدا أنها أفقرت اللبنانيين ونهبت أموالهم وسطت على المرافق والمصالح العامة". فعاد المكتب السياسي وأكد وقوفه إلى جانب شبابه في ثورة 17 تشرين، والثوار في كل لبنان، في مواجهة السلطة ورموزها وأساليبها المختلفة. مع العلم أنّ شبان وشابات الحزب كانوا ولا يزالون في الصفوف الأمامية للاعتصامات والتحرّكات، وعصباً فعلياً للانتفاضة في بيروت والجنوب وغيرها من المناطق.
انقسام حزبي
لكن البيان الصادر لم يتوقف عند الاجتماع الذي عقد مع قيادة حركة أمل، ولا الخطوات التنظيمية المنوي اتّخاذها، إن وجدت، الأمر الذي يبقي باب الصراعات الداخلية مفتوحة في "الشيوعي".
إلا أنّ هذا التباين الحاصل جاء ليؤكد حجم الانقسام داخل الحزب، في ظل وجود قياديين وجمهور وضع كل ثقته في ثورة 17 تشرين وما تعنيه، بينما ثمة فريق آخر داخل الحزب يحاول استعادة ما خسره في الانتخابات التنظيمية مستخدماً أيضاً طرق شبيهة بأساليب أحزاب السلطة. فيحاول هذا الفريق الالتفاف على وجود الشيوعيين في قلب الثورة، بما يعنيه ذلك على مستوى التموضع السياسي الذي بات يزعج هذا الفريق، لخشيته من تضرّر علاقاته مع بعض من في السلطة. وعلى ما يبدو فالثورة لا تهدف إلى الإطاحة بالسلطة فقط، بل بمنظومات حزبية لا تختلف شيئاً عن تلك الحاكمة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها