السبت 2020/10/03

آخر تحديث: 08:31 (بيروت)

١٧تشرين ومفترقات الطرق

السبت 2020/10/03
١٧تشرين ومفترقات الطرق
إجراء انتخابات مبكرة، بلا إنجاز مهام الحكومة الانتقالية تكرارا لسيناريوهات سابقة (فادي ابو غليوم)
increase حجم الخط decrease
يقف الشعب اللبناني وثورته مجددا أمام محطة مفصلية في مسار ثورته لكنس منظومة الفساد والارتهان للخارج، واستعادة الدولة المخطوفة للبدء بعملية معالجة الأوضاع الكارثية على كافة الصعد، المتأتية عن نهج مكونات السلطة بمختلف فرقائها. فهي المسؤولة عن انهيار البلاد، وإذا كان بعضها خارج السلطة راهناً، لا يغفيه من هذه المسؤولية على الاطلاق.

لبنان المخطوف
وقد تفاءل البعض خيرا بمبادرة فرنسية تخفف شيئا من معاناة البلاد، بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت وتدمير مناطق واسعة منها وسقوط مئات الضحايا البريئة وألاف الجرحى وتشريد مئات الآلاف من السكان. لكن دهاء أطراف منظومة السلطة داخل الحكومة وخارجها على حد سواء، افرغها من مضامينها وحولها إلى فرصة لتعويم قياداتها والايحاء بخروجها من العزلة العربية والدولية.
وكل ذلك لكسب المزيد من الوقت حتى الانتخابات الأميركية، لكي يتم استخدام "الساحة اللبنانية المختطفة" كورقة تفاوض بين النظام الإيراني والإدارة الأميركية الجديدة أو المتجددة، للوصول إلى تفاهمات وصفقات جديدة، وخصوصاً بعدما أنهك الحصار الاقتصادي والسياسي والعقوبات ايران، وانتقال ساحة احتكاكها بإسرائيل الى حدودها المباشرة مع اتفاقيات التطبيع الإماراتية والبحرينية.

زعماء الخيانة 
لقد سجلت المنظومة، التي صدعتها ثورة تشرين وكشفت مدى نهبها وفسادها وخنوعها لأوامر وتوجيهات الدويلة المنتدبة من الوصاية الإقليمية، نجاحا في الالتفاف على المبادرة الفرنسية، غير مبالية بعواقب ذلك على أوضاع الناس الاقتصادية والاجتماعية، ذارفة دموع التماسيح على سيادة وطنية مزعومة لم تتوان يوما عن انتهاكها الفاضح. كما أنها لم تشعر قط بمقدار الإهانة والاذلال الذي لحقها إبان المؤتمر الصحافي للرئيس ماكرون وإدانها بالخيانة الوطنية. فما خوف الغريق من البلل!

أمام هذا الاستعصاء في إيجاد مسار للبدء بمعالجة الانهيار التام للبلاد واستعادة دولتها المخطوفة والمستباحة، تتكاثر الأصوات الداعية لانتخابات مبكرة لتجديد تكوين السلطة.
ولا شك في أن غالبية الأطراف التي تستعجل الانتخابات المبكرة تطرح ذلك عن نية صادقة على الأرجح، من دون اغفال أن بعضها يطالب بها انطلاقا من حسابات فئوية ضيقة، والبعض الآخر لتجديد المنظومة بتطعيمها ببعض الوجوه الجديدة لتحسين صورتها. لكن مسالة بهذه الخطورة لا يكفي التصدي لها بالنيات الصادقة. 

انتخابات مبكرة
بمعزل عن النيات فلنتوقف قليلا عند مسألة الانتخابات المبكرة وما تحمله الأوضاع الراهنة من أخطار وعواقب وعراقيل أمام مسار التغيير وكيفية التعاطي معها. 

-المناطق الشاسعة الخارجة عن سلطة الدولة بهيمنة قوى الأمر الواقع وممارساتها الإرهابية والقمعية المستظلة بسلاح غير شرعي مرتبط بجهات خارجية، لن تتمكن من الانخراط في عملية انتخابية سليمة وما انتخابات 2018 إلا خير شاهد.

-إن ألفباء الانتخابات لتكون ديموقراطية وتمثيلية، تفترض طرح الأسئلة الجدية حول من هي الجهة التي ستشرف على الانتخابات؟ وهل هي الهيئة إياها التي تفتقر للاستقلالية والكفاءة والتي تديرها وزارة الداخلية؟ هذا المنحى لن يمر بعد ثورة تشرين.

- قانون الانتخاب: فاذا كان من الثابت أن للقانون المعمول به دور في إرادة الناخبين، فلأنه وضع على مقاس القوى الطائفية وأدى إلى مجلس نواب فاقد الشرعية. والمطلوب بإلحاح قانون يضمن عدالة التمثيل.

-إن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الراهن، وتفاقم الأزمة المعيشية وتدهور الظروف الحياتية للناس، يجعل من المال والمساعدات عنصراً أساسياً في توجيه خيارات الناخب، عبر الهيمنة المالية على وسائل الإعلام وشراء الأصوات وما شابه ذلك.

-الانتخابات في ظل القانون الراهن، والذي جرت صناعته على مقاس أطراف السلطة لإنجاح رموزها، من دون أي اعتبار للمعايير الديمقراطية والإدارية، يعيد انتاج التركيبة بتعديلات على نسب تمثيل أطرافها، مع بعض الخروقات التجميلية الطفيفة،

-جهاز إدارات الدولة الفاسد والمعين بغالبيته بمعايير الولاء الفئوي والحزبي والزبائنية - وهذا لا ينفي إطلاقا وجود موظفين نزيهين - لا يمكن أن يكون مؤهلا للإشراف على نزاهة الانتخابات، أيا كانت الرقابة الدولية عليها.

-القضاء المطوع والمسيس والذي لم يتمكن من إجراء التشكيلات القضائية مؤخرا يدل على هيمنة القرار السلطوي على أعماله، ولن يكون قادرا على ممارسة مهمة باستقلال تام. وما شهدته سنة 2018 في عمليات فرز الأصوات في قصور العدل وقبلها عمليات الاقتراع، خير دليل.

-مصير عمليات الطعن إمام المجلس الدستوري لنتائج 2018، تظهر بوضوح انعدام القدرة على مواجهة القرار السلطوي المهيمن.

-الهيئة المشرفة على الانتخابات وصلاحياتها الشكلية وتكوينها المنحاز لا تجعل منها طرفا صالحا ونزيها للإشراف على العملية الانتخابية، لا سيما مع غياب القوانين الضابطة فعلياً للانفاق الانتخابي ولتوفير تكافؤ الفرص للمرشحين.

هذه العوامل إضافة الى التجييش الطائفي والمذهبي تشير بوضوح إلى أن مثل هذه الانتخابات لن تؤدي إلى توفير تمثيل صحيح لتطلعات الناخبين.

ما البديل إذاً؟ 
هنا ينبغي على الجميع أن يعلم أن زمن وضع العربة قبل الحصان انتهى، وأن خروج البلد من حالة الاختناق والانهيار يتطلب قوى حقيقية تكون قادرة على حمل هموم الناس والطريق المفضي إلى حكومة مستقلة تضع القانون المتوخى وتوفر الحماية القضائية وتؤمن الدعم للهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، حتى يكون متاحاً استعادة الثقة الداخلية والتكاتف لانتشال البلد.

أعتقد أن ثورة تشرين باستعادة زخمها والانتقال من التحالفات الفوقية التي لا تتمتع باي حيثية فاعلة إلى العمل الأفقي التكويني لكيانات منظمة مترابطة، تستطيع فرض نسبة قوى فعلية، لاسيما مع تصدع وانهيار المنظومة السلطوية بمجملها.
وهذا يجعل الثورة قادرة على تحقيق شعار الحكومة المستقلة وانتزاع الصلاحيات التشريعية لها من مجلس نيابي فاقد شرعية التمثيل الشعبي ومتصدع داخليا، وتكليفها خلال فترة انتقالية لا تقل عن السنتين لمعالجة الأوضاع المعيشية المتفاقمة ووضع مسار استعادة الدولة بتكريس استقلالية القضاء ووضع قانون انتخابي عصري وعادل يستند إلى حقوق الإنسان التي يكرسها الدستور، ومحاسبة الفاسدين وتطهير أجهزة الدولة منهم واستعادة الأموال المنهوبة واستعادة سيادة الدولة الوطنية على قدراتها الدفاعية وسياستها الخارجية خدمة للمصالح الوطنية.

لذلك إن تجاوز هذه المهمة واللجوء إلى طرح إجراء انتخابات مبكرة من دون إنجاز مهام الحكومة الانتقالية المستقلة ذات الصلاحيات التشريعية، سيكون تكرارا لسيناريوهات سابقة ومملة أدت إلى إعادة انتاج منظومة فاسدة ومرتهنة للخارج، مع تغييرات طفيفة بوجوه المتربعين على كراسي السلطة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب