الخميس 2019/05/16

آخر تحديث: 00:15 (بيروت)

هذيان "باسيلي": رسوم على الزواج المدني والمهاجرين لسد العجز

الخميس 2019/05/16
هذيان "باسيلي": رسوم على الزواج المدني والمهاجرين لسد العجز
أصل المشكلة: "رهاب الغريب" (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
لعل أبلغ توصيف لاقتراحات وزير الخارجية، جبران باسيل، بغية سدّ عجز ميزانية الدولة من خلال تغريم العمّال الأجانب "المخالفين"، أو فرض رسوم على عائلات "الشرعيين" منهم، وإقرار الزواج المدني الاختياري لقاء فرض رسوم عليه، أنّنا "غارقون في فقاعات هذيان يومي متواصل"، كما كتب الزميل محمد أبي سمرا في مقالة له في "المدن". فباسيل الذي يُتحفنا يوميّاً بمواقف واقتراحات وعراضات سياسيّة، من دون أيّ وازع حقوقي وأخلاقي، يدفعنا مرغمين إلى المزيد من معايشة الهذيان.

شراء شقة بكسر القجّة
كان لاقتراح باسيل إقرار الزواج المدني في لبنان، كونه "آن أوانه"، كما قال، أن يحمل بشرة خير للبنانيين الطامحين إلى إقرار أبسط حقوقهم المدنية، وهو أحد واجبات الدولة البديهيّة تجاههم، كونهم يدفعون الضرائب ويموّلون استمراريّتها. وكان من شأنه أن يفرج أسارير الراغبين بالزواج المدني على الأراضي اللبنانية إسوة ببقية المواطنين، لكن أن تصبح حقوقهم مادة لتحصيل الضرائب والرسوم من أجل سدّ عجز الدولة، فهذا يفتح الباب على المزيد من تهميش هؤلاء المواطنين، المختلفين عن غيرهم في مزرعة الطوائف وقوانين أحوالها الشخصية. لكن وقبل مناقشة اقتراح باسيل الذي يجعل من هذه القضية الحقوقية مادة للبازار السياسي الحالي، ولعرض قدرات الوزير الخارقة في علاج مديونيّة الدولة من خلال "المدخول الإضافي"، كون الراغبين بالزواج المدني سينفقون الأموال في لبنان لا في الخارج، هل فكّر معالي الوزير بأنّ "العلاج" المقترح أشبه بأفكار عجائز القرى الذين يريدون "شراء الشقق لأولادهم عبر كسر القجّة"!
ربما أراد باسيل تسجيل موقف لكسب ودّ المجتمع المدني والمطالبين بإقرار الزواج المدني في لبنان، وتسديد هدف في مرمى "الممانعين" له، خصوصاً أنّه ألبسه "هندام" سدّ معضلة العجز الدائرة في مجلس الوزراء. لكن خطوته "الملعوبة" من شأنها تكريس واقع التهميش لا حل قضية حقوقية يعاني منها "المدنيّون" وما تبقى من أفراد يسيرون عكس رغبات وأهواء طوائفهم في الزواج المختلط. فخطاب تحصيل حقوق المسيحيّين، الذي ينتهجه الوزير وتيّاره، لا يؤدّي إلّا إلى المزيد من "غيرة الدين" لدى بقية الطوائف. "غيرة" أدّت وتؤدّي ليس إلى إنكار حق الزواج المدني في لبنان، بل إلى رفض وجود قانون أحوال شخصية يرعى الشؤون الحياتيّة للمتزوّجين مدنياً.

نسف الأسس
على المستوى الحقوقي تستغرب الناشطة الحقوقية والمحامية منار زعيتر زجّ الزواج المدني في السجال السياسي القائم على إقرار الموازنة العامة وكيفية سدّ العجز. فتناول الموضوع برأيها من ناحية تحصيل الضرائب والرسوم ينسف أسس الزواج المدني في كونه قضيّة حقوقيّة بالدرجة الأولى، يجب أن تترافق ورؤية واضحة لدى كل القوى السياسية بضرورة وضع حلول لها. وبمعزل عن أنّ الوزير كان محايداً أو متجاهلاً أو رافضاً للزواج المدني، في كل السياقات العامة والتحديات التي مرّت بها هذه القضية، المسألة لا تعالج بمواقف آنيّة وعفويّة أو لتحصيل الرسوم، وفق زعيتر. فالمقاربة يجب أن تؤكّد دور الدولة في استعادة سلطتها على الفضاء المدني وتنظيم شؤون الأسرة، وتطبيق الدستور، لا من منطلق الصراع السياسي وتحصيل الضرائب، خصوصاً في ظل وجود 15 قانوناً للأحوال الشخصية.  

رهاب الغريب
بعيدا من المنطلقات العنصرية لتلك الاقتراحات بحق الأجانب، وتحديداً الفلسطينيّين والسوريّين. وبعيداً من كون كلامه هو نبش في خطاب الدولة القوميّة التي باتت من مخلّفات الماضي، والتي تجعل من لبنان دولة رافضة لكلّ آخر، كونه يعتبر مصدراً للتهديد، سواء من خلال عائلة المهاجر أو من خلال اللاجئين، هل فرض ضرائب على العاملات المنزليّات، اللواتي يتقاضين150  دولار شهرياً، سيسدّد عجز الدولة؟ وهل "مضاعفة الرسوم على العامل الأجنبي الذي يعيش وعائلته في لبنان، لتشجيعه كي لا تبقى عائلته معه" تسدّ عجز الميزانية؟ حتى في المنطق الاقتصادي، هذه المقاربة غير سويّة، خصوصاً أن وجود العائلة مع العامل الأجنبي تقلّل من تحويلاته الماليّة إلى الخارج وترفع مستوى إنفاقه في لبنان. ما يُعيدنا إلى أصل المشكلة: "رهاب الغريب" والأجنبي الذي يأتي إلى لبنان لسلب اللبنانيين قوتهم، بالتالي يجب "تطفيشه" عبر فرض الضرائب والتضييق عليه أكثر.

حقوق إنسانية أصيلة
عن حقوق المهاجرين اعتبرت زعيتر إنّ في وسع الدولة التشدّد في ما يتعلق بالحقوق السياسية، لكن ليس في الحقوق المدنيّة، خصوصاً تلك التي تعتبر من الحقوق الأصيلة للإنسان. فاتفاقيات العمل الدولية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لا تنصّ على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والأجر العادل للعمال الأجانب فحسب، بل تشدّد على عدم نسف أحد أهم الحقوق المدنية الأصيلة للإنسان، أي تكوين أسرة. لذا، وفي ظل الخطاب الرافض للمهاجرين واللاجئين، وفي ظل قوانين لبنانية لا تؤمّن لهم الحماية كونهم غير مشمولين بقانون العمل، وفي ظل خطاب سياسي مناهض لهم، تصبح مسألة فرض الرسوم الإضافية عليهم عبارة عن إمعان في رفضهم وفي انتهاك حقوقهم. وهذا ينطبق على اقتراح "تغريم كل عامل أجنبي يعمل خلافاً للقانون"، فعلى سبيل المثال هناك آلاف من النساء العاملات في الخدمة المنزلية اللواتي هربن من أصحاب العمل بسبب الانتهاكات التي تعرّضن لها، وبتنا يعملن "خلافاً للقانون"، لكن تنظيم أوضاعهنّ لا يأتي من خلال فرض الرسوم عليهنّ، بل من خلال التزام لبنان بالاتفاقيات الدولية، ووضع استراتيجيات مناسبة وتأمين الحقوق المناسبة لهنّ كي لا يصبحن مخالفات للقانون، كما شدّدت زعيتر.

تغريم الفئات المهمّشة
هكذا، وببساطة، بات حلّ معضلة فساد وهدر الدولة الذي انعكس عجزاً في الميزانية العامة، فرض ضرائب على فئات مهمّشة في المجتمع، بعدما أدّى الكباش السياسي إلى عدم المسّ بحقوق موظّفي القطاع العام والمصارف والعسكريّين المتقاعدين. ففي ظل هذا الهذيان الباسيلي، من يعلم، ربما يأتي اليوم الذي نرى فيه "فرمان" صادر عن باسيل يقضي بتغريم "المثليّين"، أو مدخّني النرجيلة أو حشيشة الكيف، أو حتى الأطفال المتسربين من المدارس، في حال لم تكفِ الضرائب المحصّلة من العمال الأجانب لسدّ عجز الميزانية.   
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها