الجمعة 2019/02/15

آخر تحديث: 00:36 (بيروت)

ما تبقى من السياسة.. ومن لبنان

الجمعة 2019/02/15
ما تبقى من السياسة.. ومن لبنان
نحن اليوم أمام أحزاب طوائف، وأمام حزب ديني يدير أحزاب الطوائف (Getty)
increase حجم الخط decrease

دائماً ما شكّل "الإطباق" على السياسة هماً، هو من أشد هموم السلطات السياسية في عالمنا العربي: من السجون السياسية إلى كمّ الأفواه، ومن تضييق الفضاءات العامة ومنع فسحات التلاقي بين الناس إلى استخدام العنف والتصفية الجسدية. كل ذلك في سبيل "الإطباق" على السياسة. بهذا المعنى، ولأن هذه العملية القهرية غالباً ما تكون مكلفة، تصبح السياسة مهمة. تصبح السياسة المكان الوحيد لاستعادة النفس.

السلطة بلا دولة
هذا ما يحصل في لبنان الآن. لا وجود للسياسة. اختفت السياسة منذ فترة. لم يكن الحال هكذا فترة 1990 إلى عام 2005. حمل شعار "حرية سيادة استقلال" مسؤولية السياسة، في بلد يشرف عليه آنذاك نظام أمني سوري- لبناني، أتاح للسياسة أن تشكّل معارضة للاحتلال السوري، تكوّنت حولها الأحزاب المسيحية ولقاء قرنة شهوان لفترة عشر سنوات، ثم ما لبث أن انضم إليها الحزب الاشتراكي والتيار السياسي للرئيس رفيق الحريري.

طبعاً من الواجب دراسة فترة 2005 إلى 2015 وانعكاساتها على الوضع اليوم. لكن، وفي ما يعني المشهد السياسي الحالي، خصوصاً منذ التسوية الرئاسية، التي أدت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، لا بد من بعض الملاحظات في السياسة. أولاً، عادت الأحزاب المسيحية إلى السلطة بقوة في ظل غياب الدولة. وانتقلت هذه الأحزاب من موقع الدفاع عن السياسة والحريات في فترة 1990- 2005 إلى موقع ينافس و"يتناتش" مع باقي الأحزاب على الحصص. أتى دخول هذه الأحزاب "القوي" على السلطة متسلحاً بمنطق سياسي "توزيعي" ساهم بقتل ما تبقى من السياسة.

إذاً، نحن اليوم أمام أحزاب طوائف، وأمام حزب ديني يدير أحزاب الطوائف، لوضع اليد بالكامل على الحياة السياسية اللبنانية. بهذا المعنى الصراع السياسي الوحيد القائم حالياً أو ما أسميه "السياسة من ضمن أسوار السلطة السياسية" هي بين قوى تتمدّد وتتوسّع وتحقّق مكاسب (حزب الله، التيار العوني) وقوى تحاول أن تدافع عن ما تبقى لديها من مكاسب (المستقبل، حركة أمل، الاشتراكي، القوات). هذا الصراع بين هذين الاتجاهين، اختزل السياسة من جهة، وأدى إلى هجوم غير مسبوق على الدولة من جهة أخرى. وبالتالي على الدستور وكل القوانين (ما حدث أخيراً في موضوع تشكيل الحكومة خير دليل على ذلك).

ديناميكية جديدة
من هنا، قد تكون المهمة الأساسية الوحيدة للسياسة، حالياً، هي حماية الدولة من هجوم الطوائف، وقد يكون بهذا المعنى شعار "الدولة اللبنانية مسروقة" شعار سياسي للمرحلة. شعار يسمح بإنتاج ديناميكية سياسية جديدة، يتحدّد معها الاشتباك السياسي مع السلطة السياسية.

لا بد أيضاً من العمل لخلق لغة سياسية جديدة، تشخّص أولاً المشاكل. بلدنا اليوم تحت سيطرة حزب ديني (لأول مرة في تاريخ لبنان) "يتعاون" مع أحزاب الطوائف (الفرق شاسع بين حزب ديني وحزب الطائفة) لإدارة البلد. ثانياً، تحدي "إخراج" السياسة من داخل ملعب السلطة ومن العاصمة إلى المناطق، عبر الربط بالسياسة بين كافة المناطق اللبنانية. ثالثاً، تحدّي الربط أيضاً بالسياسة بين أجيال تكوّن "وعيها السياسي" على مراحل مختلفة، وأعني قبل الحرب وبعدها وفي 2005 أو في أزمة النفايات عام 2015 والانتخابات البلدية والنيابية الأخيرة.

كلها تحديات كبيرة ولكن، ما تبقى من السياسة القليل، فهل تكون هذه "القلة" كافية لاستعادتها واستعادة ما تبقى من لبنان؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها